مأساة مسلمي تركستان الشرقية.. وجهود أردوغان ومهاتير لدعمهم
بقلم معتز علي محمد
يعيش الملايين من مسلمي تركستان الشرقية تحت قبضة الحزب الشيوعي الصيني، الذي يقوم بإنشاء معسكرات للسكان المسلمين وإجبارهم علي نمط حياه شيوعي، يتضمن إجبارهم علي تناول لحم الخنزير وشرب الخمور، بالإضافة لتعليمهم اللغة والثقافة الصينية، مع منعهم من الصوم أو إرتياد المساجد، بهدف محو الهوية الثقافية والدينية لمسلمي الإيغور، كما تقوم السلطات الصينية بتغيير التركيبة السكانية لذلك الإقليم المحتل منذ 1949، حيث تقوم بتوطين سكان من عرقية الهان الصينية لتحويل المسلمين الإيغور لأقلية عرقية ودينية.
الإيغور وطريق الحرير:
بالرغم من محاولات الصين تشويه ومحو الهوية الدينية لمسلمي الإيغور منذ بداية الألفية، إلا أن الحملة تصاعدت وتيرتها بصورة كبيرة بعد 2014، تزامنا مع المشروع الذي أطلقته عام 2012 والمسمي بطريق الحرير الجديد، أو (حزام واحد_طريق واحد)، حيث ترغب الصين في إيجاد ممرات تجارية بديلة عن الطرق التقليدية في بحر الصين الجنوبي، خشية من التهديدات الأمريكية للتجارة الصينية حال نشوب حرب بينهما، حيث يرابط الأسطول الأمريكي تحت زعم حماية مصالح حلفائه في كوريا واليابان وتايوان.
ويربط إقليم تركستان الشرقة الصين مع دول وسط أسيا، حيث يتم عن طريقه ربط غرب الصين مع كازاخستان وروسيا وأوروبا، كما يتم توصيل المنتجات الصينية لميناء جوادر في جنوب باكستان ومنه إلي السوق الإفريقي والأوروبي، متجاوزة طريق بحر الصين الجنوبي الخاضع ضمنيا للأسطول الأمريكي.
وبالرغم من إستمرار القمع الأمني والتشويه الفكري والثقافي الذي تقوم به السلطات الصينية لذلك الإقليم المحتل، إلا أن الثورات الشعبية لم تتوقف منذ أول محاولة لضم الإقليم في القرن الثامن عشر، وتخشي الصين أن يقوم الغرب بدعم تمرد مسلمي تركستان، لإفشال مشروع طريق الحرير، لذلك فهي تبادر بتغيير الهوية الدينية للإقليم وتشويه تركيبته السكانية، لمنع أي محاولات مستقبلية لإستغلال الأقلية الأيجورية ضدها.
كما تنوي الصين نقل الثقل الصناعي من الشرق حيث موانئ التصدير إلي تركستان الشرقية بغرب البلاد، ليتم تصدير المنتجات إلي وسط أسيا ووأوروبا عبر طرق برية وسكك حديد،فيما يسمي بمشروع طريق الحرير الجديد.
جهود تركيا لاستقبال مسلمي الإيجور
بعد تفكك الإتحاد السوفيتي وإنهيار الشيوعية في بداية التسعينات، تمكن بعض قادة الإيجور من السفر لتركيا، وطلب الدعم من الأتراك لنشر قضيتهم في المحافل الدولية، إلا أن تهديد السلطات الصينية للحكومة التركية عام 1999 بدعم حزب العمال الكردستاني أفشل تلك المحاولات، كما حظر رئيس الوزراء التركي مسعود يلماظ المشاركة الرسمية في أنشطة تركستان الشرقية، تجاوبا مع الضغوط الصينية.
وفيما كانت حكومات الدول الإسلامية مثل باكستان وكازاخستان وأفغانستان والسعودية، تقوم بتسليم مسلمي الإيجور للصين مرة أخري، فتحت حكومة العدالة والتنمية بعد وصولها للسلطة أبوابها لإستقبال اللاجئين الإيجورالفاريين من جحيم الحزب الشيوعي.
حيث بلغ عدد الإيجور الذين إستقبلتهم تركيا حتي عام 2018 حوالي 20 الف شخص، فيما تتهم الصين السلطات التركية بالتغاضي عن حركة الأويغور الانفصالية، وتوفير ملاذ آمن لما تدعى انهم متطرفون مسلمون، حيث يخرج الإيجور من تركستان عبر الحدود مع أفغانستان حتي الحدود مع إيران، حتي الوصول لشرق تركيا، وقام بعضهم بالإلتحاق بالثورة السورية المسلحة تحت مسمي الحزب التركستاني في بلاد الشام، حيث بلغوا خمسة ألاف مقاتل، الأمر الذي دعا السلطات الصينية لإرسال 5 ألاف مقاتل صيني إلي سوريا عام 2015 لقتالهم، خوفا من العودة لتركستان مرة أخري، كما حدث مع المقاتلين التركستان الذين إنضموا للحرب الأفغانية وعادوا بعد إنتهاء الحرب.
محاولات تركيا لفك الحصار السياسي عن تركستان
جغرافيا يحيط المسلمون بالصين من الغرب والجنوب، لكن بدون تأثير يذكر بسبب تفتتهم في عدة دول متناحرة، وهو ما يسهل مهمة الصين في إلتهام تلك الدول منفردة، لذلك تعمل الحكومة التركية علي محاولة توحيد تلك الدول حول رؤية تنموية مشتركة، معتمدة علي التاريخ المشترك واللغة والعرق الواحد لتلك الدول، في محاولة لصناعة أوراق ضغط علي حكومة الصين لمنعها من إستمرار إضطهاد مسلمي تركستان الشرقية.
النفوذ التركي بالقوقاز:
في محاولة لإنشاء مراكز نفوذ لتركيا علي حدود تركستان الشرقية، أطلقت تركيا عام 2009، قمة مؤتمر الدول الناطقة بالتركية، والتي تشمل قيرغيزستان وكازاخستان وأوزباكستان وتركيا وأذربيجان، تمهيدا لزيادة حجم التبادل التجاري بينهم، في محاولة للتكامل البيني بين تلك الدول وتقليل الإعتماد علي الروس والصين تجاريا،وهو ماتحقق بإطلاق طريق الحرير الحديدي عام 2017، وهو عبارة عن خط سكك حديد يربط دول القوقاز ووسط أسيا بتركيا، حيث وصلت أول شحنة من القمح من كازاخستان إلي مرسين جنوب تركيا نوفمبر 2017، كما تمكنت أفغانستان من تصدير منتجاتها لأوروبا عبر الإنضمام لطريق الحرير الحديدي، وفي نفس الجانب تم إنشاء خطوط لتصدير الغاز الأذري لأوروبا عبر تركيا عام 2016،لكسر الإحتكار التجاري علي دول وسط أسيا من جانب روسيا والصين،تمهيدا لخروجهم من تحت ذلك النفوذ تدريجيا.
النفوذ التركي في بحر الصين الجنوبي:
يشتد الخلاف بين الصين من جهة ودول بحر الصين الجنوبي (الفلبين-ماليزيا-فيتنام-أندونيسيا-بروناي) حول أحقية تلك الدول في ثروات بحر الصين، حيث ترغب الحكومة الصينية في الإستحواز علي تلك الثروات البترولية منفردة وتتصارع مع باقي الدول المتشاطئة حول أحقية تلك الدول في الثروات النفطية والغاز.
الأمر الذي دفع تلك الدول لحل خلافتها والتوحد ضد العملاق الصيني لتشكيل قوي ضغط علي مصالحه في المنطقة، وتلعب الحكومة التركية دورا بارزا في دعم توحيد تلك الصفوف بشتي الطرق للوقوف في مواجهة العملاق الصيني، حيث قامت الحكومة التركية بجهود كبيرة في تسريع إتفاق السلام بين حكومة الفلبين وجبهة مورو الإسلامية، والتي بموجبه تخضع المناطق الجنوبية المسلمة للحكم الذاتي مقابل تسليم أسلحتهم للحكومة التركية كطرف ضامن، حيث يعزز ذلك الإتفاق من فرص التنمية في ذلك البلد الأسيوي.
وفي خطوة مهمة قامت تركيا ببيع 6 طائرات هليكوبتر ومعدات عسكرية للجيش الفلبيني، بما يعكس تزايد النفوذ التركي في بحر الصين الجنوبي، سعيا لكسر الهيمنة الإقتصادية والعسكرية والسياسية للصين في دول بحر الصين الجنوبي.
عودة مهاتير محمد
وفي نفس السياق، أدي عودة مهاتير محمد لسدة الحكم في ماليزيا مرة أخري منتصف 2018، لقطع الطريق أمام طموحات الصين في ماليزيا، حيث قام بإلغاء 3 مشاريع ضخمة مع الحكومة الصينية بقيمة 27 مليار دولار، لإيقاف تغول النفوذ الصيني في ماليزيا، حيث تقوم الحكومة الصينية بتسهيل القروض للحكومات الأسيوية مقابل فوائد مرتفعة، وفي حالة العجز عن السداد تستحوز الحكومة الصينية علي حصص في تلك المشاريع، وبذلك تقع تلك الدول تحت هيمنة النفوذ الصيني.
وكانت الصين تطمح لعمل خط سكة حديد يربط الصين بكل من لاوس وتايلاند وماليزيا وسنغافوره، في محاولة لزيادة التبادل التجاري بينها وبين تلك الدول، في إطار مشروع طريق الحرير مع جنوب شرق أسيا، إلا أن مهاتير محمد أوقف المشروع بذريعة ترشيد النفقات.
وبعد أن كانت حكومة ماليزيا السابقة بقيادة عبد الرزاق، تسارع بتسليم مسلمي الإيجور الهاربين لها من معسكرات الإعتقال في تايلاند وهو ماحدث بداية عام 2018، رفضت حكومة مهاتير تسليم أي من مسلمي الإيجور للحكومة الصينية، في دلالة رمزية علي تقليص النفوذ الصيني تدريجيا في جنوب أسيا.
كما دخلت الشركات التركية لأسواق شرق أسيا بمشاريع كبيرة نسبيا مثل توريد قطارات مترو الأنفاق لتايلاند وبيع مروحيات ومعدات عسكرية للفلبين، في تنامي للوجود التركي في جنوب شرق أسيا، وسعي ملحوظ من جانب تركيا لإستخدام قوتها الناعمة بالإشتراك مع ماليزيا لعمل توازن للقوي في بحر الصين الجنوبي، في محاولة لصناعة أوراق ضغط علي الصين من الجنوب والغرب، لكبح جماحها ضد الإقليات المسلمة في أقليم التبت وتركستان الشرقية، في ظل تجاهل غربي متعمد لكل قضايا المسلمين.
تركيا والتكتلات الإسلامية
وبالرغم من ازدياد معدلات التبادل التجاري بين تركيا والصين وإتفاق التجارة بالعملات المحلية، إلا أن تركيا تري أن التحالف الإقتصادي مع الصين وروسيا هو تحالف تكتيكي لكسر هيمنة الدولار علي التجارة الدولية.
وفي المقابل تعمل تركيا علي إنشاء المزيد من التكتلات الإقتصادية مع الدول الإسلامية في وسط وجنوب أسيا لخلق كيانات سياسية وإقتصادية مستقلة عن نفوذ الدول الكبري مثل أمريكا والصين وروسيا، تمهيدا لصناعة تحالفات إسلامية مستقلة علي غرار قمة مؤتمر دول الثماني الإسلامية التي أطلقها أربكان عام 1997، حيث تستطيع تلك الدول تشكيل لوبي إسلامي قادر علي الدفاع عن حقوق الجماعات والكيانات الإسلامية المضطهدة عن طريق إستخدام نفوذه الإقتصادي والسياسي.
والسؤال المطروح هو: هل تنجح كل هذه المحاولات لتفكيك الخناق الصيني عن الإقليات المسلمة في التبت وتركستان الشرقية عن طريق إستخدام ورقة التكتلات الإقتصادية، أم تطيح الصين بكل تلك الترتيبات.. هذا ما سنعرفه في السنوات القليلة القادمة.
(المصدر: ترك برس)