إعداد محمود سعيد
رغم تمتع إقليم “كاشغر” أو “تركستان الشرقية” بالحكم الذاتي من قبل السلطات الصينية، إلا أن غالبية سكان الإقليم من المسلمين تعرضوا لاضطهاد عبر عقود عديدة بشكل قد لا يصدقه الكثير من الناس.
صحيح أن الإقليم شهد انفراجة مع بداية الانفتاح الصيني على العالم، إلا أن الممارسات القمعية عادت وبشكل عنيف ضد سكان الإقليم من المسلمين الأويغور.
وبحسب إذاعة آسيا الحرة، فإنه منذ تعيين تشين تشوانغو، رئيسا للحزب الشيوعي في شينجيانغ في منصبه في أغسطس 2016 ، بدأ بإجراءات قمعية لم يسبق لها مثيل ضد شعب الأويغور والتطهير الأيديولوجي ضد ما يسمى بمسؤولي الأويغور “ذوالوجهين” – وهو مصطلح تطلقه الحكومة على الأويغور الذين لم ينفذوا التوجيهات الشيوعية ضد أبناء جلدتهم بحذافيرها.
لمحة تاريخية
وتسيطر الصين على “تركستان الشرقية” (إقليم كاشغر)، ذات الغالبية التركية المسلمة منذ عام 1949، وتطلق عليه اسم “شينجيانغ”، أي الحدود الجديدة، ويعتبرون السيطرة الصينية “احتلالاً لبلادهم منذ (68) عاماً”، فيما تعتبر الأخيرة، الإقليم منطقة تحمل أهمية استراتيجية بالنسبة إليها.
ويشهد الإقليم منذ سنوات عديدة، أعمال عنف دامية، كانت أشدها عام (2009)، وقتل فيها حوالي (200) شخص، وفقًا للأرقام الرسمية، ونشرت الحكومة الصينية منذ ذلك التاريخ، قوات مسلحة في المنطقة، التي ارتفعت فيها حدة التوتر بين قوميتي “الهان” الصينية، و”الأويغور” التركية، وخاصة في مدن “أورومجي”، و”كاشغر”، و”ختن”، و”طورفان”، التي يشكل فيها الأتراك غالبية السكان.
وتضم الصين 10 أقليات مسلمة من أصل 56 أقلية في البلاد، حيث يعيش الـ”هوي”(مسلمون صينيون)، والأويغور، والقرغيز، والكازاخ، والطاجيك، والتتار، والأوزبك، والسالار، والباوان، والدونغشيانغ”، بكثافة في شمالي، وشمال غربي البلاد عموما.
ويعيش في شينجيانغ حوالي 23 مليون مسلم، بحسب إحصاءات رسمية، في حين تتحدث إحصائيات الأويغور عن أرقام أكبر بكثير.
محمد” و”قرآن” و”إسلام” أسماء محظورة
وأعلنت السلطات المحلية في منطقة “شينجيانغ”، أنها حظرت قائمة أسماء إسلامية، مكونة من 29 اسما، تمنع بموجبها الأسر من إطلاق أسماء مثل “محمد” و”قرآن” على أطفالهم حديثي الولادة.
وأضاف أن “الأطفال حديثي الولادة، والذين سيحملون هذه الأسماء، سيتم منعهم من الحصول على الرعاية الصحية الممولة من الحكومة، ومن التعليم”.
وأوضح أن “الحظر شمل أسماء ترتبط بالدين الإسلامي مثل: محمد، إسلام، قرآن، جهاد، مدينة، مكة وغيرها..”.
وفي وقت سابق، أطلقت السلطات المحلية حملة ضد المظاهر الإسلامية، فمنعت الرجال من إطلاق اللحى والنساء من ارتداء النقاب.
منع حفظ القرآن
وقد اقتحمت قوات الأمن الصينية معاهد لتدريس القرآن الكريم في تركستان الشرقية، بدعوى أنها مخالفة للقانون، وزعمت أنها أنقذت 190 طفلاً كان يحضرون دروسها.
وتلجئ العائلات الإيغورية في تركستان الشرقية لإرسال أبناءهم إلى دورات سرية للتعليم الديني، بسبب منع هذا النوع من التعليم من قبل السلطات.
نظام للمراقبة
وقد اختبر مسؤولون صينيون نظام جديد لمراقبة سكان إقليم تركستان الشرقية، يعتمد على برمجيات تسمح بتحديد ملامح الوجه والتعرف عليها من مسافة تزيد عن 300 متر.
النظام الجديد يستهدف بشكل أساسي أشخاصا تعتبرهم السلطات الصينية مشتبه بهم في الإقليم.
وفي مايو/أيار من العام الماضي ذكرت وكالة أسوشيتد برس أن السلطات الصينية قامت بتوسيع نطاق عمليات جمع المعلومات الوراثية (الحمض النووي) لسكان إقليم تركستان الشرقية بشكل خاص دون تبرير واضح لذلك الإجراء، في خطوة انتقدتها منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية.
وفي الشهور الـ12 السابقة على سبتمبر/أيلول 2017 فقط، أعلن عما يقارب 100 ألف موقع أمني في شينجيانغ. وأُلحِق بكل سكان الإقليم تصنيف “آمن” أو “عادي” أو “غير آمن”، اعتماداً على مقاييس كالعُمر والدين والممارسات الدينية والاتصالات الخارجية. ويُعتقَل أولئك الذين يُعتبَرون غير آمنين، سواء كانوا مذنبين بارتكاب مخالفات أم لا، بصورةٍ منتظمة ويُسجنون دون اتباع الإجراءات القضائية الواجبة.
مراكز التأهيل
ومنذ أبريل 2017، تم احتجاز الأويغور في معسكرات “إعادة التثقيف” (مراكز التأهيل) في جميع أنحاء شينجيانغ، حيث شكا الأويغور منذ فترة طويلة من التمييز المتفشي والقمع الديني والقمع الثقافي تحت الحكم الصيني إلى الحد الذي وصل إلى منعهم من تغسيل موتاهم، ولا ختان أطفالهم.
وتقدر جماعات حقوق الإنسان الدولية أعداد الأويغور المسلمين الذين يتم احتجازهم بمراكز “إعادة التوعية والتثقيف” في تركستان الشرقية بأكثر من 100 ألف، ووفق فورين بوليسي، فإن التقديرات تشير إلى أنَّ 800 ألف شخص تقريباً، معظمهم من الإيغور (الأويغور)، احتُجِزوا في معسكرات إعادة التعليم.
وفي حين يؤكد المسؤولون الصينيون أنَّ معسكرات إعادة التعليم تلك تمثل مدارس للقضاء على التطرف وتعليم اللغة الصينية وترويج الفكر السياسي الصحيح- أفادت إذاعة آسيا الحرة بأنَّ مراكز الاحتجاز مكتظة ويُعامَل المحتجزون فيها معاملة سيئة.
ويتم اعتقال عشرات الآلاف من الأشخاص في مدينة كاشغر وحدها. ويُذكر أن تلك السجون بالغة الازدحام، ويتم إجبارهم على ترديد أغنيات تمتدح الحزب الشيوعي الصيني، وتشجب معتقداتهم الدينية.
وقبل أسابيع، تداول نشطاء معنيون بقضية مسلمي الإيغور في تركستان الشرقية، مقطع فيديو مسربا من داخل أحد هذه المراكز. وظهر في المقطع العشرات من المسلمين يجلسون قبالة بعضهم البعض مكبلين بالكلبشات، فيما هم يهتفون في صوت واحد: “عاش الحزب الشيوعي وعاشت الصين”.
انتهاكات مستمرة
وأفادت إذاعة آسيا الحرة بأن القوات الصينية اعتقلت 20 امرأة مسلمة في مدينة كورلا، وسط تركستان الشرقية؛ بتهمة المشاركة في تغسيل الأموات.
وأشارت الإذاعة إلى أنه تم إرسال النساء الموقوفات إلى ما يسمى بـ”مراكز التأهيل” أو “مراكز التوعية”، وهي مراكز احتجاز تحتجز فيها الصين قسريًّا الآلاف من المسلمين، وتمارس بحقهم أعمال اضطهاد وتعذيب.
وذكرت إذاعة آسيا الحرة أن قوات الشرطة في مدينة كوناس بولاية إيلي اعتقلت السيدة ‘مهر آي جمعة’ (٣٨عاما)، وهي أم لثلاثة أطفال، بتهمة تلقي مكالمة هاتفية من أخيها الذي يعيش خارج البلاد.
شهادات مروعة
في حين نشر موقع بوشون باللغة الصينية بتاريخ٢٦ مارس ٢٠١٨م بأن المسلمين الأويغور يتعرضون في المعسكرات لاضطهاد لايمكن لبشر استيعابه، وذكر أحد الذين تم إطلاق سراحه من المعسكر بأن المعتقلين: يأكلون أحشاء الخنزير، ويتم إجبارهم بشرب الخمر يوميا ولو جرعات قليلة، وعليهم الاستماع لأغاني صينية لساعات، ويقدر عدد المعتقلين فيها أكثر من مليون مسلم، يمنعون من الصلاة والصيام، ولا يسمح لهم بزيارة أقاربهم ولا يكشف مكان تواجدهم لأسرهم.
وتسرب معلومات من بعض المسئولين في تلك المعسكرات بأن السلطات الصينية ترسل جميع شباب ونساء الأويغور أعمارهم مابين١٦- ٥٠ إلى تلك المراكز ويبقونهم لمدة سنة أو أكثر.
وفي يناير2018، قال مشروع الأويغور لحقوق الإنسان (UHRP) إنه علم بوفاة الباحث الإسلامي الأويغوري البارز محمد صالح حاجم في مركز احتجاز الشرطة الصينية، بعد حوالي 40 يوماً من احتجازه في أورومتشي إلى جانب أقارب آخرين، ولم يتضح ما إذا كان محتجزًا في سجن أو معسكر لإعادة التثقيف في ذلك الوقت.
(المصدر: تركستان تايمز)