مأرب .. معركة النَفَس الأخير
بقلم د. عبدالله بن فيصل الأهدل
تعمل إيران لتقويض السلم الأهلي بدعم غربي لعدد من الدول العربية كما نشاهده في العراق وسوريا ولبنان واليمن، فقد تقاطع مشروعها التوسعي الصفوي مع مصلحة الغرب بقيادة أمريكا في مواجهة السنة، واليوم يستنفر الحوثيون -ذراع إيران في اليمن والمدعوم غربيًّا- كل ما يمكنهم من قوة لاقتحام مدينة مأرب.
فإذا سقطت مأرب -لا قدَّر الله- فما بعدها أهون عليهم، ويكاد اليمن الشمالي كله يكون في قبضتهم، ولن يرحموا حينها أحدًا -حتى من تواطأ ضد أهله لتأييدهم-..
ويعلم الجميع أنَّ الحوثيين جماعة تعمل بأوامر إيران الرافضية الحاقدة على أهل السنة..
ومع ذلك فليس لديهم -ولا لدى إيران بالأصالة- أي حرج من التحالف مع أمريكا واليهود لخدمة أهدافهم للتغلب على أهل السنة وامتلاك زمام أمورهم أو إبادتهم إن استطاعوا..
ومن المفارقات -التي لا تخطئها العين والتي تشير إلى اتفاق بين أمريكا من جهة وإيران والحوثيين من جهة أخرى- أن الهجوم الكبير بدأ على مأرب -والذي تزامن معه قصف مطارات ومدن أبها وخميس مشيط وجدة ونجران وجيزان وغيرها- كان بعد تولي بايدن الرئاسة الأمريكية، ومتزامنًا مع إزالة وصف الإرهاب عن الحوثيين، وإعلان رغبة الإدارة الأمريكية الجديدة في العودة للاتفاق النووي مع إيران ورفع العقوبات عنها..
إنَّ تاريخ الغرب بقيادة أمريكا وتاريخ الروافض يبين لنا شدة الحقد على المسلمين من قِبَل هذا الحلف الدنس.
وكذا تاريخ حكام العرب العلمانيين تاريخ أسود من التخاذل والعمالة وإيذاء المسلمين -وخاصة العلماء والدعاة-..
وها هي القيادات الحوثية في العاصمة اليمنية صنعاء تسرب ما أسموه: “تفاصيل معركة النفس الأخير”؛ التي تضمنت خطة إيرانية شيطانية للسيطرة على الجزيرة العربية طرحها السفير الإيراني لدى الحوثيين “حسن إيرلو” في اجتماع سري مع القيادات الحوثية في صنعاء، ومما جاء فيها:
1- اجتياح محافظة مأرب والسيطرة عليها في أسرع وقت ممكن قبل أي مشاورات سياسية من خلال معركة النفس الأخير.
2- اجتياح محافظة شبوة وحضرموت للسيطرة على حقول النفط والغاز بحجة متابعة فلول الشرعية المنهزمة.
3- إعلان وقف الحرب والدخول في مشاورات سياسية حسب الاتفاق السري مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
4- تشكيل حكومة محاصصة طائفية مناطقية مع احتفاظ الحوثيين بأسلحتهم وسيطرة مليشياتهم على جميع مفاصل الدولة كما حصل في العراق ولبنان.
5- خروج السعودية والإمارات ورفع الحصار عن اليمن وفتح الموانئ والمطارات وتزويد الحوثيين بأحدث الصواريخ والطائرات والأسلحة النوعية.
6- الهجوم على السعودية لاستعادة الأراضي اليمنية من كل الجهات وقصف الموانئ والمطارات والقواعد والشركات.
7- دعم حركات التمرد الشيعية في جميع أنحاء السعودية وخاصة المنطقة الشرقية الشمالية المحادة للخليج والعراق.
8- إسقاط حكم آل سعود وتقسيم المملكة وسيطرة المليشيات الشيعية على أغلب المناطق النفطية في الجزيرة العربية.
9- دعم حركات التمرد الشيعية في بقية دول الخليج والقيام بثورات شعبية للإطاحة بالأنظمة الملكية في الخليج.
10- السيطرة على جميع المساجد والمراكز والمعاهد والمدارس والجامعات وتغيير المناهج السنية ونشر العقيدة الإمامية الإثني عشرية في جزيرة العرب.
وهذا الكلام قد يكون فيه نوع من الأماني والخيال وعدم الواقعية، ومع ذلك يجب على العقلاء حمله على محمل الجد؛ فماذا يجب على اليمنيين -على وجه الخصوص- أن يفعلوه في حربهم أمام هذا الهجوم والتآمر العظيم؟ نلخص شيئًا من ذلك فيما يلي:
- أخلصوا نية عملكم هذا لله عزَّ وجلَّ؛ فلا يكن همكم تحصيل المال ومتاع الدنيا الزائل، بل نصرة الحق وأهله وحفظ أمن البلاد والعباد.. وفي الحديث المتفق عليه عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صـلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى…». وعلينا أن نعتصم بحبل الله -القرآن- في كل أمورنا.
- حددوا أهدافكم بوضوح، وأهمها الدفاع عن مأرب؛ فمعركة مأرب هي معركة فاصلة وعادلة، فالعدو جاء إليهم، وحَسْبُ أهل مأرب أنهم يدفعون عن أنفسهم العدو الصائل عليهم وعلى بلادهم وأموالهم، فيتعيَّن عليهم وعلى كل من كان على مسافة قصر دفع العدو الصائل وقتاله إذا لم يندفع إلا بذلك، فإن لم يَفُوا فعلى من بعدهم وهكذا..، وينبغي على المسلمين عامة دعمهم في قتالهم هذا بما يستطيعون. قال ابن تيمية: “إذا دخل العدو بلاد المسلمين فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب؛ إذ بلاد المسلمين كلها بمنزلة البلد الواحد”. [الفتاوى الكبرى (4/609)].
وقال ابن تيمية: “والصائل المعتدي يستحق دفعه سواء كان مسلمًا أو كافرًا وقد قال النبي صـلى الله عليه وسلم: «من قُتِل دون ماله فهو شهيد ومن قُتِل دون دمه فهو شهيد ومن قُتِل دون دينه فهو شهيد» فإذا كان المظلوم له أن يدفع عن مال المظلوم ولو بقتل الصائل العادي فكيف لا يدفع عن عقله وبدنه وحرمته..”. [مجموع الفتاوى (19/56)].
ودفع الصائل المعتدي لا يحتاج شروط جهاد الطلب ولا إلى وضوح الراية؛ لأنه من جهاد الدفع فلا يشترط له تلك الشروط، قال ابن تيمية: “وأما قتال الدفع، فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعًا؛ فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط، بل يُدفع بحسب الإمكان، وقد نص على ذلك العلماء، أصحابنا وغيرهم”. [الفتاوى الكبرى (5/538)].
وقال -أيضًا-: “ويجوز للمظلومين -الذين تُراد أموالهم- قتال المحاربين بإجماع المسلمين. ولا يجب أن يُبذل لهم من المال لا قليل ولا كثير إذا أمكن قتالهم.. وهذا الذي تسميه الفقهاء “الصائل” وهو الظالم بلا تأويل”. [مجموع الفتاوى (28/319)].
وقال: “وإذا كانت السنة والإجماع متفقين على أن الصائل المسلم إذا لم يندفع صوله إلا بالقتل قتل”. [مجموع الفتاوى (28/540)].
ويجب ألا يكون من ضمن الأهداف ما يسميه متحدثي الحكومة -في كل مناسبة-: الحفاظ على الجمهورية في مواجهة الكهنوت الإمامي.. طالما أن النظام الجمهوري لا يحكم بما أنزل الله، وكان هو أحد أسباب هذه المأساة، قال صلى الله عليه وسلم: «وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا مما أنزل الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم» [رواه ابن ماجه (4019)، وحسنه الألباني في الصحيحة (106)].
فتلك الشعارات الجاهلية العلمانية لن تجدي نفعًا، ولن ينفعكم اليوم إلا الالتجاء إلى الله وحده، والاستنصار به، والأخذ بأسباب النصر التي ذكرها الله عزَّ وجلَّ بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ 45 وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ 46 وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ [الأنفال (45-47)].
يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-: “فأمر المجاهدين فيها بخمسة أشياء ما اجتمعت في فئة قط إلا نُصرت وإن قلَّت وكَثُر عدوُّها:
أحدها: الثبات.
الثاني: كثرة ذكره سبحانه وتعالى.
الثالث: طاعته وطاعة رسوله -صـلى الله عليه وسلم-.
الرابع: اتفاق الكلمة وعدم التنازع الذي يوجب الفشل والوهن، وهو جند يقوي به المتنازعون عدوهم عليهم؛ فإنهم في اجتماعهم كالحزمة من السهام لا يستطيع أحد كسرها فإذا فرقها وصار كل منهم وحده كسرها كلها.
الخامس: ملاك ذلك كله وقوامه وأساسه وهو الصبر.
فهذه خمسة أشياء تبتنى عليها قبة النصر، ومتى زالت أو بعضها زال من النصر بحسب ما نقص منها، وإذا اجتمعت قوَّى بعضها بعضًا، وصار لها أثر عظيم في النصر، ولما اجتمعت في الصحابة لم تقم لهم أمة من الأمم، وفتحوا الدنيا ودانت لهم العباد والبلاد، ولما تفرقت فيمن بعدهم وضعفت آل الأمر إلى ما آل…”. [الفروسية ص(505 – 506)].
خاصة في مواجهة مشروع إيراني توسعي صفوي يتمسح بعقيدة ويضحك بها على العوام، متحالف مع اليهود والنصارى لتفتيت وتفكيك الأمة الإسلامية وإضعافها.
- السعي لقطع الإمدادات عن الحوثي برًّا وجوًّا في مختلف مناطق اليمن التي تصلهم الإمدادات منها، والتعاون مع أحرار اليمن في ذلك.
- الاهتمام بالتوعية ونشر العلم والإيمان والوعي في اليمن، وهذا دور العلماء والدعاة وطلبة العلم والإعلاميين.. فإن كثيرًا ممن يجندهم الحوثي جُهَّال مغرر بهم، ولا يعرفون حقيقة المعركة وماذا يُراد بهم..
نصر الله تعالى مأرب وعباده المؤمنين في كل مكان، وخذل الحوثيين وحلفاءهم، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه..
(المصدر: رابطة علماء المسلمين)