مقالاتمقالات المنتدى

مآخذ على فكرة ولاية العهد في عهد معاوية رضي الله عنه (مناقشة وتصحيح بعض المفاهيم) (٣)

مآخذ على فكرة ولاية العهد في عهد معاوية رضي الله عنه (مناقشة وتصحيح بعض المفاهيم) (٣)

 

 

بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)

 

لم ينص النظام الإسلامي على طريقة معينة وصفة محددة لاختيار ولي الأمر، ولكنه وضع الأساس التي لا تجوز الحيدة عنه، إلا في حالات الضرورة والاضطرار، وهو الشورى، وليس للشورى أسلوب خاص، وطريقة واحدة، لا تتحقق إلا بها، ولكن تتحقق بأساليب شتى ، ولئن قصد معاوية رضي الله عنه بإحداث ولاية العهد في نظام الحكم الإسلامي جمع كلمة المسلمين، وحقن دمائهم، فهو إن شاء الله تعالى مأجور على أنه كان قادراً على أن يجعل العهد بعده لغير ولده من كبار الصحابة الموجودين في تلك الفترة، وكان فيهم كفاءات لو أسند إليهم الأمر، فقد كان الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن عمر وغيرهم موجودين في هذا الوقت، ولكن معاوية رضي الله عنه عدل عن هؤلاء وقصد لولده ليكون خليفة بعده، وبذلك حصل التغير الحقيقي في نظام الحكم الإسلامي، فليس التغيير في إيجاد نظام ولاية العهد… ولكن التغيير في أن يكون ولي العهد ولد الخليفة أو أحد أقاربه، حتى أصبحت الحكومة ملكية بعد أن كانت خلافة راشدة، وإذا كنا مأمورين باتباع سنة الرسول ﷺ وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده، فإن التزام نظام الوراثة ليس من سنة النبي ﷺ ولا من سنة خلفائه الراشدين. (الأمويون بين الشرق والغرب، للوكيل (1/180)

كما أن ترشيح يزيد لم يكن موفَّقاً؛ لأسباب منها: أن المجتمع الإسلامي يومئذ كان فيه من أحق وأولى بالخلافة من يزيد في سابقته وعلمه وعمله ومكانه وصحبته؛ كعبد الله بن عمر، وابن عباس وغيرهم؛ فأين الثرى من الثريا (تاريخنا المفترى عليه، للقرضاوي، ص 250.)

ومنها: مبدأ توريث الحكم من الأب لابنه.

وعلى كل تقدير فهذا لا يقدح فيما عليه أهل السنة، فإنهم لا ينزهون معاوية ولا من هو أفضل منه من الذنوب، فضلاً عن تنزيههم عن الخطأ في الاجتهاد، بل يقولون إن للذنوب أسباباً تدفع عقوبتها من التوبة والاستغفار والحسنات الماحية، والمصائب المكفرة، وغير ذلك، وهذا أمر يعم الصحابة وغيرهم.

 ومعاوية رضي الله عنه من خيار الملوك الذين غلب عدلهم على ظلمهم، وما هو ببريء من الهنات، والله يعفو عنه، والذي يجب أن نعتقده في معاوية أن قلوبنا لا تنضوي على غل لأحد من أصحاب محمد ﷺ، بل نقول: ﴿وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعۡدِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوف رَّحِيمٌ ﴾ [سورة الحشر:10] . ونقول بأن معاوية اجتهد للأمة خوفاً عليها من الانقسام و الفتن، ولا يمكن أن يحمل تبعات كل أخطاء الملوك والأمراء الذين جاؤوا من بعده، كما قرره عبد القادر عودة ـ رحمه الله ـ: حيث يقول: وأقام معاوية أمر الأمة الإسلامية على المحجات والظلم وإهدار الحقوق، وقضى على الشورى، وعطَّل قول الله تعالى: ﴿وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ﴾ [سورة الشورى:38]  وحول الحكم العادل النظيف إلى حكم قذر قائم على الأهواء و الشبهات، ووجه الناس إلى النفاق والذلة والصغار، ولا شك في أن كل من جاؤوا بعده إلى عصرنا هذا قد عمل بسنته وتشبَّثوا ببدعته؛ حاشا عمر بن عبد العزيز، فعلى معاوية وقد استنَّ هذه السنة السيئة إثمها وإثم من عمل بها إلى يوم القيامة. (الإسلام وأوضاعنا السياسية، ص 159)

و إذا كان معاوية أو الخلفاء الأمويون قد حول الخلافة من الشورى إلى الملك، فإن حفيده معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، ثالث خلفاء الأمويين قد أعاد الخلافة من الملك العضوض إلى الشورى الكاملة.. وإنه لما يستوجبه الإنصاف أن تصاغ القضية على هذا النحو بدلاً من التركيز على الشق الأول الخاص بتوريث الخلافة فقط، ولم تستطع الأمة التي أعطيت حقها في اختيار خليفتها أن تعود إلى شكل من أشكال الاختيار السابق في عصر الراشدين، وبرز بوضوح دور العصبية الإقليمية والقبلية، وحسم في النهاية الصراع الدائر حول منصب الخلافة لمصلحة البيت الأموي، واستطاعت الشام أن تحقق الحسم التاريخي بعمق الالتحام بين بنائها القبلي والوجود الأموي بها، والحقيقة أن بيعة يزيد قد قبلها الكثير من الصحابة رضوان الله عليهم؛ فقد بايعه ستون من أصحاب محمد ﷺ؛ فيهم: ابن عم؛ خوفاً من الفتنة، وحرصاً على وحدة الصف، فقد توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بعيد خروج معاوية من المدينة، ولم يبق من المعارضين إلا ثلاثة؛ هم: ابن عمر، وابن الزبير، والحسين بن علي، أما ابن عمر فلما رأى الناس مجتمعة على يزيد بايعه وأرسل بيعته بعد وفاة معاوية رضي الله عنه، وقال: إن كان خيراً رضينا به، وإن كان بلاءً صبرنا، وانحصرت المعارضة في شخص ابن الزبير والحسين بن علي رضي الله عنهم.

وقد حاول بعض الناس أن يلفقوا على معاوية رضي الله عنه تحسره من بيعة يزيد، فنقلوا عنه أنه قال: لولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي. والسند من طريق الواقدي وهو متروك، ونسبوا إليه أيضاً: أنه قال ليزيد: ما ألقى الله بشيء أعظم من نفسي من استخلافك. والسند من طريق الهيثم بن عدي؛ وهو كذاب، ولقد اعتمد محمد رشيد رضا رحمـه الله على هذه الرواية، وتحامل على معاوية تحاملاً قاسياً، ولقد تورط الكثير من الباحثين في الروايات الضعيفة والموضوعة فيما يتعلق بتاريخ صدر الإسلام، وبنوا عليها تصورات وأفكاراً وأحكاماً تحتاج إلى إعادة نظر من جديد.

ومع ما وقع من انحراف في تغيير النموذج الأعلى لنظام الحكم الإسلامي، الذي تتمثل فيه روح الإسلام كاملة وهو الخلافة، واستبدال الملك العضوض به، إلا أن الطابع الإسلامي هو الصفة الغالبة على مظهر الدولة، وتصرفات الحكام، فالصلاة تؤدى في أوقاتها، والزكاة تحصَّل من أربابها، والصوم فريضة لا يُعارض في أدائها، وإقامة الحدود دون هوادة لم يقف شيء دون تنفيذها، والجهاد في سبيل الله فريضة ماضية بين رجالها، وبالجملة كانت تعاليم الإسلام مطبقة بحذافيرها. (الأمويون بين المشرق والمغرب 1/94، 95)

 

______________________________________________

المصدر:

علي محمد الصلابي، كتاب: معاوية بن أبي سفيان، دار ابن كثير، ط1، ص 403- 406.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى