بقلم نجلاء جبروني
أمِّي الحبيبة كانتْ مهجةَ قلبي، كانت نورَ حياتي، كانت تضيء بيتي وتُؤْنِسُ ساعاتي، رحلتْ أمِّي، غابتْ عنِّي، فغابتْ فرحتي، ضميري يُعذِّبُني، لقد كنتُ سببًا في موتِها!
قالتْ لي هذه الكلمات وقلبُها يكادُ ينفطر، قلتُ لها: وكيفَ ذلك؟ قالت: مَرِضَتْ أمِّي بشدَّة، فذهبتُ بها إلى المَشْفَى، أبْحَثُ لها عن طبيبٍ حَاذِق وعلاجٍ نَافِع، ليتني ما فعلت، ليتني ما أخذتُها إلى هذا المكان، أعْطَوْها أدوية لا تناسبُ حالَتَها، فتدهورتْ صِحَّتُها، وكانتْ ضحية الإهمال، ليتني ما فعلت، لو كنتُ تركتُها بالبيت لما حصل ما حصل.
قلتُ لها: حبيبتي، لله ما أعْطى، ولله ما أخذ، فلتَصْبِري ولتحتسبي، ولتَحْذري حبيبتي فهذه حيلة الشيطان، يجعلك تعترضين على القدَر من جهة فِعْلِك أنتِ ليصل بذلك إلى أن تعترضي على فعلِ اللهِ وما قضَاه، لقد أخذتِ بالأسبابِ الممكنة، ولكن قضاء الله نافذ، وقدره في خلقه ماضٍ، لا يستطيعُ أحدٌ أن يَرُدَّه أو يُؤَخِّرَه؛ ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ﴾ [يوسف: 21]، حتى لو ما ذهبتِ بها إلى المستشفى، هل كانتْ ستشفى؟ هل كانت ستَحْيَا يومًا بخلافِ ما قدَّرَ اللهُ لها أن تَحْيَا؟
كل هذه خيالات وأوهام في ذهنِك ليس لها حقيقةٌ في الواقع، ولكن الشيطان يأتي المصاب فيغريه بـ (لو)، فيظن أنه سيغيِّرُ من قدرِ الله شيئًا وهو لا يستطيعُ ذلك، يُدْخِل تلك الوساوس على قلبه فيجعله يسيء الظنَّ بِرَبِّه وبقضائه وقَدَرِه، فيظن أنه لو فعل أشياء لتغيَّر الحال، والله جل وعلا قدَّر الفعل وقدَّر النتيجة، والكلُّ موافق لحكمته، فلا رادَّ لقضائه، ولا مُعقِّبَ لحُكمه.
حبيبتي، أنت مؤمنة، والمؤمنُ يعلم أن كل شيء إنما هو بقضاء الله تعالى وقدره، وأن العبدَ مهما فعل فإنه لن يمنعَ قدرَ الله جل وعلا؛ قال سبحانه: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ ﴾ [الحديد: 22]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يَخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنةٍ))، فإذا اعتقد العبدُ ذلك كان معظمًا لله عز وجل في تَصَرُّفِه، في كونه وتَدْبِيرِه، في ملكه، وكان مطمئنَّ القلب، قويَّ النفس، لا مجالَ لليأسِ والحزنِ أن يدخلا حياته.
أما إذا قال: (لو فعلت كذا لكان كذا) ندمًا وتحسرًا على الماضي، وتسخطًا واعتراضًا على القدر، فهذا مُحرَّمٌ، وبابٌ للشيطان أن يُضعفَ قلبَه، ويُدْخِلَ عليه الحزنَ، ويقذفَ في جوارحِه العجزَ، فيتركَ ما هو مأمورٌ به من الصبرِ والاحتساب والدعاءِ والعبادة، فيظل يتحسَّر ويندم حتى يفوت عمرُه وما تقدَّم.
قال صلى الله عليه وسلم: ((احرِصْ على ما ينفعك، واستَعِنْ بالله ولا تعجز، وإنْ أصابك شيءٌ فلا تَقُلْ: لو أني فعلتُ كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان)).
حبيبتي، هذا قضاءُ اللهِ وقَدَرُه، وقد فعلتِ ما بوسعك، فكرِّي فيما حصل بشكل مختلف، فصاحبُ البصيرة يفكر في المنحة التي تنطوي عليها المحنة، فكِّري في لطف الله بها في هذا الموقف، وأنها ماتتْ وهي تنطق الشهادة.
حبيبتي، لا تستسلمي للحزن، وعليك بالأخذ بالأسباب الجالبة للخير، استغفري لها، تصدَّقي عنها، اسألي الله أن يرحمها، وأن يجمَعَك بها في الجنة.
المصدر: شبكة الألوكة.