مقالاتمقالات مختارة

لماذا ينسلخ بعض الشباب المسلم عن الإسلام؟

لماذا ينسلخ بعض الشباب المسلم عن الإسلام؟

بقلم طه سليمان عامر (رئيس هيئة العلماء والدعاة بألمانيا)

تتزايد معدلات مفارقة الإسلام في صفوف الشباب المسلم في أوروبا وحول العالم في وقتنا الراهن، نتيجة لظروف وعوامل عديدة سنتحدث عنها تباعا إن شاء الله. وأمام تلك الحالة التي نَشهدها يذهب الناس في تقييمها والنظر إليها – في تقديري- إلى ثلاثة مذاهب:

الأول: يُضَخم ويبالغ في حديثه وتحليله وكأنَّ أغلب الشباب المسلم ترك دينه وبَدَّل عقيدته، وهي نظرةٌ تبعث على التشاؤم والإحباط، والواجب أن نتحلى بالدقة والموضوعية، فكما أن هناك من يترك الدين جُملة فهناك على الجانب الآخر من يعتنقه ويتمسك بأهدابه، ويبذل في سبيله، وهناك مَوجات من التدين والأوبة إلى الله في صفوف الشباب، وأعاين هذا من خلال مناشطهم التي تتطور ويزداد الإقبال عليها أكثر وأكثر.

الثاني: لا يَأْبه للأمر وينظر لهؤلاء الشباب التائهين نظرة ازدراء ولسانه حاله: فليذهبوا إلى الجحيم، فلا خير فيهم، وهذا الفريق كمثل النعامة التي تدفن رأسها في الرمال، ولعَمْري إنه التجاهل للأخطار التي تستفحل لتُردي المتعامين عن الحقائق، المتعالين عن نصح كل راشد أمين. فضلا عن أن هذا اللون من التعامل يعطي انطباعا بالفوقية، وتزكية النفس من طرْف خفي. ولا ريب أن كلا الطرفين جانبهم الصواب.

الرأي الثالث: والذي يمثله عدد وافر من العلماء والدعاة وأهل الحكمة والمطلعين على شؤون الشباب، أنَّ الشباب المسلم حول العالم يعيش مرحلة صعبة تتعرض فيه قناعاتهم الدينية إلى الاهتزاز الشديد، وهناك من لم يُكون قناعةً بَعْد، ومنهم من علاقته بالإسلام واهية، ومعرفته لتعاليمه وأحكامه إنما هو مزيج من العادات والتقاليد والثقافات الموروثة، فيها حق وفيها دَخَنٌ كثير.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: كيف تتشرب نفوسهم محبة الإسلام، وتترسخ في عقولهم حقائقه الكبرى ومحاسنه البديعة، ولم نوفر لهم من الوسائل ولا المحاضن العلمية والتربوية الكافية ما يكفي ويشفي؟!

من واقع حال الشباب في ألمانيا

هناك كثير من الشباب المسلم في ألمانيا كمثال لا يترددون على المساجد إلا نادرا لأسباب موضوعية وغير موضوعية، وهناك ومنهم من يؤدي بعض الشعائر دون أن يدرك منها شيئا، ولا أبالغ أن ذهبت إلى أن عددا ليس بالقليل ثوابتهم العقدية ضعيفة، فربما تجلس مع شاب يصلى وحقيقة الإيمان بالآخرة في قلبه مضطربة. وكم من أب أو أم يظن أن أبناءه على ما يُرام لأنه كان يصحبهم للمسجد فقط، ثم يكتشف أن ولده يجادل في قطعيات التشريع الإسلامي وثوابته وقطعيات العقيدة ومعالمها.

إننا لا نتحاور معهم بصراحة ووضوح، فَمَنْ لهؤلاء؟ أليس من واجبنا أن نخرج من دائرة المساجد إلى ساحات المجتمع لنلتقط هؤلاء الشباب ونقترب منهم ونأخذ بأيديهم عسى الله أن يهدينا ويثبتنا ببركة دعوتهم والاعتناء بهم؟!

إن الإلحاد يقرع أبواب كثير من بيوتنا، وثغورنا ضعيفة التحصين، وظهورنا مكشوفة، وإن الحملات المسعورة التي تستهدف اقتلاع الإسلام والإيمان بالله واليوم الآخرة من جذوره مُستَعِرةٌ لا تهدأ، مُتَّقدةٌ لا تنطفئ، وهناك من يزيدها ضراما، ولا يزالون يواصلون جهودهم ويمكرون الليل والنهار ليردوا من استطاعوا عن دينه ومبادئه.

ما هي أدوارنا؟

على أولى الأحلام والنهى أن يَقْدروا الأمر حق قدره ويتداعوا للجلوس وعقد اللقاءات وإجراء الدراسات والحوارات المفتوحة للوقوف على حقيقة هذه المشكلة وأبعادها المختلفة والبحث عن طرق التحصين والحماية، واستهداء من زاغ قلبه عن نور ربه.

إن دورنا هو دور الطبيب الذي ينظر للمريض بعين الشفقة والرحمة، ويُجهد عقله وبدنه في تشخيص مرضه ووصف علاجه، ويسهر على مداواته متوسلا بالرفق واللطف، ورضى الله عن ابن عطاء الله السكندري حينما قال:” من اطلع على أسرار العباد ولم ينظر إليهم بعين الرحمة الإلهية كان اطلاعه عليهم فتنة”

رُوي أن أحد العارفين كان يمضي في طريق ومعه تلامذته، ومروا على مجموعة من الشباب يلهون لهوا حراما فطلبوا من الشيخ أن يدعو عليهم ورفع الشيخ يديه داعيا: ” اللهم كما أضحكتهم في الدنيا أضحكهم في الآخرة” وهنا تعجب التلاميذ وقالوا: رجونا الدعاء عليهم فدعوت لهم، فقال: يا أبنائي لو أضحكهم الله في الآخرة لهداهم في الدنيا.

إن الأسباب والظروف التي تفضي ببعض الشباب إلى المفاصلة بينهم وبين الإسلام أو بينهم وبين الأديان أو الهروب من الإيمان بالله جل في علاه كثيرة ومتعددة، وهناك قواسم مشتركة بين الشرق والغرب، وهناك اختلافات نظرا لتغير البيئة وطبيعتها وظروفها علينا معرفتها واعتبارها.

العامل النفسي عند الشباب وأثره

ضغوط كثيرة تلك التي يواجهها الشاب والفتاة في البيئة الأوروبية خاصة، وإن تفاوتت الصعوبات والتحديات وفقا لطبيعة المجتمع، من حيث انفتاحه أو انغلاقه، من حيث نسبة المهاجرين فيه، وحالة الوجود الإسلامي ومدى تفاعله مع المجتمع أو عزلته عنه، فالمدن التي تعيش تنوعا دينيا وثقافيا يقل الضغط على الأقليات بها، بخلاف مجموعة صغيرة تعيش وسط أكثرية كبرى مختلفة عنها، فإن تجولت في شوارع برلين أو هامبورج أو فرانكفورت وميونخ أو باريس ولندن وبروكسل وغيرهم من المدن والعواصم الكبرى ستجد من المألوف نسبيا مشهد الحجاب أو البشرة السمراء، على خلاف المدن الصغيرة، والأمر قد يختلف أيضا بين أوروبا الشرقية والغربية.

ورغم ذلك فالتحديات حاصلة، لكن الأمر يزداد صعوبة حينما تجد الفتاة أو الشاب نفسه وحيدا وسط زملائه وهو متمسك بمقتضيات تعاليم دينه مما يجعله مثارا للسخرية تارة وعرضة لضغوط مختلفة تتعلق بأحكام الإسلام في الطعام والشراب واللباس والمعاملات، ومع ضعف التحصين العقدي والرغبة في الاندماج مع المحيط، مع عدم الشعور بالذنب يشتد الصراع الداخلي. تلك هي المعادلة الصعبة في واقع الحال.

قصص من معاناة الشباب

روت لي فتاة 17عاما – تعيش في إحدى دول أوروبا الشرقية – معاناتها التي وصلت بها إلى حافة الإلحاد قالت: كنت المسلمة الوحيدة في فصلي الذي يتألف من 18طالب ولما قرر الفصل الخروج في رحلة كنت معهم وبينما هم على طريقتهم الخاصة في الحياة أنا على التزامي بالامتناع عن المحرمات، غير أني كنت مثار سخريتهم واستهزائهم تلميحا في البداية، واستحكم الضيق لما تحول الأمر من التلميح إلى التصريح ومن المناجاة السرية إلى الهجوم الجماعي العلني منكرين على الحجاب قائلين:

-لماذا تلبسين هذا الغطاء؟

-لماذا أنت مسلمة؟

-ما فائدة الدين في حياتك؟ وماذا يقدم لك؟

-لماذا كل هذه القيود التي تمنعك من الاستمتاع بالحياة.؟

تقول: لم أجد جوابا يقنعني قبل أن يقنعهم ودخلت في نوبة اكتئاب شديد، وبدأت أشك في كل شيء.. كل شيء، حتى في وجود الله. تقول: تركت الله لكنَّ الله لم يتركني، هممت بإلقاء نفسي من فوق جسر مرتفع لكن ربي تدراكني وأنقذني وأنا الآن في طريق الوصول لليقين.

قلتُ: كم عدد الشباب المسلم على الساحة الأوروبية بل والعالمية يعيشون هذه الصراعات الرهيبة والمعاناة النفسية القاتلة والعجز الظاهر عن الأجوبة المنطقية للأسئلة الحائرة التي تمور في صدورهم؟! كم من شاب حائر لا يتفهم أحد ظروفه ولا يتحسس أحد أحواله.

زرت يوما أحد المساجد في شمال ألمانيا وبعد الفراغ من الصلاة صافحت عددا من الشباب وكان من بينهم شاب وضيء الوجه بادي الرأي وافر الأدب، له والد ذو عقل وحكمة، سألته عن ولده قال لي إن ابنه قد غرق يوما في دوامة ترك الشك وأنكر كل شيء!!

قلت مشدوها: كيف؟

قال: جاءني يوما قال يا أبت لقد قررت أن أترك الإسلام! قال له مذهولا: لماذا ماذا جرى؟

قال هكذا لا أريد البقاء على دين.

وبعد حوار قصير ولمَّا وجد الأب المفجوع إصرار الشاب كان لابد من التحلي بالحكمة وعدم قطع الحبال معه فقال له: اسمع يا ولدي أنت ابني على كل حال واعلم بأنك ولدي وحبيبي وسأكون دوما بجوارك. ومضى عام كامل ولم يقطع الأب رجاءه فيمن بيده ناصية العباد ومقلب القلوب والأبصار.

ودام التواصل بينهما كأب وابن، وشاء الله له الهداية فتاب عليه وثاب إليه، وعاد الشاب إلى رشده بعد رحلة مضنية وانتظم في صفوف الراكعين الساجدين، لقد وفق الله الرجل فهداه إلى أفضل السبل وأعانه وأمده بفهم واسع وحكمة بالغة في استنقاذ ذلكم الشاب الواعد، ولعمري إن مثله من الآباء قليل.

أين هذا من رجل جاءني يوما وقال لي: هل تذكر ابنتي الصغيرة عندما كانت تأتي المسجد؟ قلت نعم أذكرها، قال: لقد ذهبت مع أمها غير المسلمة وتنصرت، قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة الا بالله. وباغتني بهذا السؤال: هل يجوز أن أحرمها من الميراث؟! وهنا تملَّكني الغيظ وقلت له يا رجل حسبتك تسألني عن سُبل هدايتها وحسن التواصل معها والقيام بحقها فهي ابنتك!! إنك لا تزيدها هكذا إلا نفورا وشرودا. أين نحن من نداء الله تعالى للعاصي والفاجر، ولمن بعد وشرد.

وما ألطفه وأعذبه وأرجاه من نداء:

“قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ”

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى