مقالاتمقالات مختارة

لماذا يلهث العرب للتطبيع مع الكيان الصهيوني؟!

لماذا يلهث العرب للتطبيع مع الكيان الصهيوني؟!

بقلم أحمد ياسر طوطح

ما كان محجوبًا بالأمس تحت الطاولة أُميطَ لثامهُ اليوم وأُعلن بكل فخرٍ وبشكلٍ رسمي ومن أعلى الهرم، في الوقت الذي تتصاعد فيه أحداث مسرحية القتل والتدمير الإسرائيلي بحقِ الشعب الفلسطيني، التي وصلت ذروتها في ظل أكثر الحكومات الإسرائيلية عنصرية وتطرّفا دينياً وإجراماً، التي ارتكبت جرائم لا تحصى بحق العرب والمسلمين، بلغت درجة البقاء ضد الإنسانية، مما دفع الشعوب الشريفة الحرة لنهوض ضد حكام العرب الذين قَبِلوا بتلك الجرائم وتعاموا معها وكأنّها لم ترتكب، وهو ما يسمى التطبيع الذي كان عادة سرية وأصبح الآن علانية.

نعم، هذا هو الموقف البراغماتي الذي لم يتوقعه الشعب الفلسطيني من حكام العرب، بل من المجتمع الدولي برمته فالإمارات كعادتها، تصر على لعب دور الحليف الأول للصهاينة في المنطقة ورائدة التطبيع معهم، وتستقبل وفداً رياضياً صهيونيًا للمشاركة في بطولة للجودو، على رأسه وزيرة الثقافة والرياضية الليكودية المتطرفة (ميري ريغف)، التي عرفت بتصريحاتها العدائية ضد الفلسطينيين والعرب، بل وقد سبق أن وجهت إهانة مباشرة لأبوظبي، والتي استقبلتها استقبالاً رسمياً حافلاً، وقد تخلل المسابقة وللمرة الأولى عربياً ظهور الإسرائيليين مع رموزهم كرفع علمهم وعزف النشيد الوطني الإسرائيلي للمرة الأولى بعد أن أحرز أحد الرياضيين الميدالية الذهبية في بطولة عالمية للجودو.

وقد توجّه بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي للاعب الجودو ساغي موكي بالقول: “جلبت لنا فخرًا عظيما حيث تم بفضلك عزف نشيدنا الوطني لأول مرة في أبو ظبي. جميعنا نفتخر بك كثيرا!”، وقد اعتبرت وزيرة الاحتلال ذلك أنه “قرار تاريخي له دلالات بعيدة المدى”. لم تنتهي أحداث المسلسل الدرامي إلى هذا الحد، بل واصلت وزيرة الثقافة عربدتها، حيث ارتدت ثوب العفةِ والطهارة، وتخفت وراء عباءة عربية وكست نفسها بطرحة على رأسها، ليكتمل المشهد التمثيلي المفضوح، وتنال اللقطة التي كانت تريدها، وهي زيارة مسجد الشيخ زايد، أحد أشهر معالم أبو ظبي. بينما قطر التي تستعد لاستقبال كأس العالم في 2022، نجدها تستضيف بطولة العالم للجمباز الفني 2018 (وهي لعبة فردية وغير شعبية أساسا) ثم تستقبل بها فريق إسرائيلي مكون من ستة لاعبين ولاعبتين – بينهم جندي إسرائيلي – كما تم استضافة أيضًا حكاماً من “الاتحاد الإسرائيلي للجمباز”، وقد تم خلال البطولة رفع العلم الإسرائيلي!

مخاطر التطبيع أبلغ بكثير من أن يذكرها قلم أو ينطق بها لسان، وخاصة التطبيع الثقافي الذي سيقود المنطقة بل الأمة كلها إلى كارثة، بسيطرة على روحها وعقلها وفكرها ووجدانها الذي هو أسمى الأهداف الاستراتيجية لدى الاحتلال الصهيوني

وفي ذات الوقت، إذ فجأة نستمع في نشرات الأخبار لاسم سلطنة عمان، واسم حاكمها السلطان قابوس، التي بالكاد نعرف أنهم متواجدون معنا على ذات الكوكب، بسبب ابتعادهم التام عن مجريات الأحداث، ليصدمنا مشهد استضافتهم لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في العاصمة مسقط. كما ذكرت الكاتبة شرين عرفة على حسابها في الفيس بوك.

كل هذا يفسر تماماً حقيقة الارتباط العضوي بين إسرائيل ودول الخليج، في الوقت الذي يستمر فيه الصهاينة بقصف مدينة غزة الصامدة والمحاصرة، ومع استمرار القتل والاغتيالات للشعب الأعزل والأطفال الأبرياء. كل هذا يدل على درجة التنسيق والتعاون المشترك بين الجانبين فيما يخص العمل على حل القضية الفلسطينية وتمرير صفقة القرن، إضافة إلى محاولة لإضعاف أي دولة تهدد المشروع الصهيوني، وفي مقدمتها الفصائل الفلسطينية وإيران. ذكر عدنان عدوان في مقال له “أنه بغضِّ النظر عن الشكل، فإن فحوى التطبيع مع العدو الصهيوني يبقى واحداً وهو جعل الوجود اليهودي في فلسطين أمراً طبيعياً، وبالتالي فإن أي عمل أو قول أو صمت أو تقاعس يؤدي إلى التعامل مع الوجود اليهودي في فلسطين كأمر طبيعي يحمل في طياته معنىً تطبيعيه”.

إن مخاطر التطبيع أبلغ بكثير من أن يذكرها قلم أو ينطق بها لسان، وخاصة التطبيع الثقافي الذي سيقود المنطقة بل الأمة كلها إلى كارثة، بسيطرة على روحها وعقلها وفكرها ووجدانها الذي هو أسمى الأهداف الاستراتيجية لدى الاحتلال الصهيوني. ومن هنا، لا بد للشعوب العربية والإسلامية من أن تشهر سلاح الثورة على التطبيع والمطبعين بشتى الطرق والوسائل، التي هي ليس أكثر من رد فعل تلقائي لدى كل مسلم عربي في مواجهة من يستهدف مبادئه وعقائده وقيمه وتراثه الديني والحضاري.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى