لماذا يعتقلُ خادمُ الحرَمين خُدَّامَ المسجد الأقصى؟
بقلم أ. محمد خير موسى
• تسابقٌ في مضمار النّذالة
تسابقَ ثلاثةُ رجالٍ يومًا في مسابقةٍ غريبةٍ، مسابقةٍ لاكتشاف أكثرهم نذالةً، فقالَ الأوّل: أنا أنذلكم! قالوا: أثبت لنا ذلك؛ فنزل الى الشّارع وأمسكَ عجوزًا تتهادى وحدها، بالكاد تقدر على المسير، وبدأ يضربُها بوحشيّةٍ حتّى أغمي عليها.
ورجعَ الى صاحبيه تاركًا ضحيّته غارقةً في دمائها؛ قائلًا بفخر: هل رأيتُم من هوَ أنذلُ منّي؟! فقال الثّاني: نعم أنا أنذلُ منك؛ فأجابوا بتعجّبٍ واستنكارٍ: وكيفَ ذلك؟! فما كان منه إلَّا أن تقدّم إلى العجوز نفسها؛ ونضحَ في وجههَا الماء فأفاقت من إغمائها؛ ليعاود ضربها بوحشّةٍ أكثر من سابقه، ثّم عرَّاها من ثيابها، وعاد إلى رفيقيه مزهوًّا بنذالته.
وصل ليجدَ الثّالثَ واقفًا يصفِّق ضاحكًا وهو يقول: لقد فزتُ أنا، أنا أنذلكم!! فاستنكرَ المُجرمَينِ: كيف تكون أنذَلنا وأنتَ لم تفعل شيئًا سوى الاكتفاءِ بالتَّصفيقِ والضَّحك لما نفعله بهذه العجوز؟؟! فقال لهما: هذه العجوزُ أمّي!!
ما تزال أنظمةٌ عربيّةٌ تعلنُ أنَّ فلسطين أمّها لكنّها تقفُ ضاحكةً مصفّقةً لنذالة الاحتلال الصّهيونيّ وهو ينكّل بأمّهم أشدّ تنكيلٍ لتفوز بلقب الأنذل.
وكم كنتُ أحسبُ أنَّ الامر سيقفُ عندَ هذا الحدّ من النّذالة في التّعامل مع القضيّة الفلسطينيّة حتّى طالعنا النّظام السّعوديّ الذي يعلنُ أنّه خادم الحرمين الشّريفين ليعتقل ثلّةً من خيار خُدّام المسجد الأقصى المبارك والعاملين لقضيّة فلسطين ليثبتَ أنّه الأسبق في مضمار النّذالة؛ مضمار إرضاء الصّهاينة والأمريكان.
• ما الذي يعنيه اعتقال خُدّام المسجد الأقصى؟!
ما الذي يعنيه اعتقال رجالٍ يعيشون في السّعوديّة من عقود ولم يُعرف عنهم مخالفةٌ واحدة لقوانينها أو تدخّل في شؤونها وكلّ الذي يفعلونه أنّهم يعملون على دعم القضيّة الفلسطينيّة بما يستطيعونه من جهد وفق ما تسمح به أنظمة المملكة؟!
ما الذي يعنيه أن يودَع رجلٌ مثل الدّكتور محمّد الخضري “أبو هاني” الذي تجاوز عمره ثمانين عامًا وهو يعيشُ في السّعوديّة منذ أكثر من ثلاثين سنةً السّجنَ فقط لأنّه يعمل في خدمة فلسطين والقدس والمسجد الأقصى المبارك؟!
ما الذي يعنيه أن تصبح خدمة المسجد الأقصى المبارك جريمةً تستحقّ المطاردة والسّجن عند خادم الحرمين الشريفين؟!
إنَّ هذا يعني بما لا يدعُ مجالًا للتّأويل والشّكّ أنَّ خادم الحرمين ووليّ عهده ونظامه قد تحوّلوا من خدمة الحرمين الشّريفين إلى خدمة الكيان الصّهيونيّ والذّود عنه بشكلٍ علني لا خجلَ فيه ولا وجل.
وهذا يعني بأنَّ خادم الحرمين ووليّ عهده لن يتوانيا عن فعل أيّ شيءٍ لتطبيق صفقة القرن، وما اعتقال العاملين لأجل فلسطين إلَّا جزء من تنفيذ هذه الصّفقة التي يتولّى النّظام السّعودي كِبرَها.
وهذا يعني بأنَّ المواجهة العلنيّة بين النّظام السّعوديّ والعاملين لأجل قضيّة فلسطين قد دخلت مرحلةً غير مسبوقة وتوحي بأنَّ الأيّام القادمة ستحمل الكثير من الشّراسة في الاتّهامات والملاحقات والحملات الإعلاميّة المسعورة لتشويه العاملين لأجل القضيّة الفلسطينيّة وخدمة المسجد الأقصى المبارك.
وهذا يعني بأنَّ على العاملين للقضيّة الفلسطينيّة وخدمة المسجد الأقصى المبارك داخل فلسطين وخارجها شدّ الأحزمة والتأهّب لموجةٍ من التّحريض السّعودي عليهم في مختلف أماكن وجودهم، والابتزازِ الذي سيمارسه خادم الحرمين ووليّ عهده بعد أن فقدوا البقيّة الباقية من صوابهم مع الأنظمة المختلفة للتّضييق على خُدّام المسجد الأقصى المبارك.
• ما دلالات بيان حركة حماس؟!
اعتدنا على حركة حماس أنّها تصبر على ضيم القريب، وتضع على الجرح ملحًا ولا تعلن أيّ بيان يوحي بمواجهةٍ مع أيّ نظام حتّى لا تتغيّر وجهة الصّراع مع الكيان الصّهيونيّ.
وقد تعرّضت قيادات من حماس للاعتقال في بلاد عدّة وفي المملكة السّعوديّة نفسها ومع ذلك لم تصدر أيّ بيانٍ في ذلك؛ غير أنّها أصدرت بيانًا تندّد فيه باعتقال القيادي فيها الدّكتور محمّد الخضري “أبو هاني” وابنه هاني وثلّة من أبناء الحركة في السّعوديّة؛ فما الذي جرى؟ وما دلالات ذلك؟!
من الواضح تمامًا من البيان الذي صدر يوم 9/9/2019م أنّه صدر بعد أن طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، ويظهر من البيان بأنّ البيان جاء بعد أكثر من خمسة أشهر من الاعتقال الذي كان يوم 4/9/2019م، وهذا يدلّ على أمور أهمّها:
أوّلًا: أنَّ حماس بذلت جهودًا كبيرةً في الوساطات والتّواصل من أجل حلّ الأزمة والإفراج عن المعتقلين، وأنَّ هذه الجهود قد فشلت ووصلت إلى طريق مسدود ووصلت حماس إلى قناعةٍ تامّة بأنَّ أيّة جهود أو وساطات لن تفلح مع النّظام السّعودي؛ فأصدرت البيان.
ثانيًا: يدلّ إصدار حماس للبيان على أنَّ المعتقلين في حالةٍ لا تقبل استمرار السّكوت عليها، وأنَّ حياتهم وسلامتهم قد بلغت مرحلة من الخطر توجب على الحركة أن تعلن للرّأي العام عن اعتقالهم بعد أن فشلت كلّ الوساطات عسى أن يكون هناك أثرٌ
ثالثًا: يدلّ إصدارُ حماس للبيان بهذا الشّكل الواضح الصّريح على أنَّ مرحلة الصّمت على استهداف العاملين لقضيّة فلسطين وخُدّام المسجد الأقصى المبارك قد انتهت وأنَّ أيّ استهداف للعاملين في خدمة قضيّة فلسطين لن يمرّ دون إعلان للأمّة؛ وأنَّ قيادة المقاومة لن تترك أبناءها لقمةً سائغةً لخُدّام الكيان الصّهيونيّ.
• ثمّ ماذا بعد؟!
إنَّ ما فعله النّظام السّعوديّ يدقّ ناقوس خطر كبيرٍ يوجب على الأمّة كلّها أن تكون مع المقاومة يدًا بيدٍ في مواجهة هذا الفجور المريع.
إنَّ استهداف خُدّام المسجد الأقصى المبارك في السّعوديّة بالاعتقال والمطاردة يستهدف الأمّة كلّها في واحد من أعظم مقدّساتها؛ مسرى الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ويستهدف الأمّة في أمّ قضاياها النّازفة فلسطين والقدس.
وهذا يوجب على الأمّة كلّها بشرائحها المختلفة من علماء ودعاة وسياسيين ومفكرين وكتّاب وإعلاميّين أن يكونوا في خندق الحقّ وأهله والمعتقلين والمطاردين والمستهدفين بتهمة العمل لأجل فلسطين.
وأن يبذلوا الجهد كلّه في تعرية فجور النّظام السّعوديّ والضّغط عليه بكلّ الوسائل السياسيّة والشّعبيّة والإعلاميّة من أجل كفّ يده عن العاملين لأجل فلسطين وإطلاق سراح خُدّام المسجد الأقصى المُعذّبين في سجون خادم الحرمين.
(المصدر: رابطة علماء أهل السنة)