ترجمةٌ عن مقالة نشرتها صحيفة الواشنطن بوست – موقع أمة بوست
يُعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القاضي بالحدّ من تدفق المُهاجرين المُسلمين تفرقةً عُنصريةً واضطهاداً دينياً في نظر أغلبية الأمريكيين بما إنه مُوجهٌ ضد الدول ذات الأغلبيةِ المُسلمةِ مع إضفاءه أفضليةً للمُتقدمين غير المُسلمين لطلب الهجرة وإعطاء الأولوية القُصوى لهم.
تكمن الفرضية في إقرار القانون في التزام ترامب بوعوده الانتخابية من ناحية وتصنيف الولايات المُتحدة للقاصدين قِبلَتِها ارتكازاً على مُعتقداتهم من ناحيةٍ أخرى.
أما لشرائح أخرى من الأمريكيين فإن قرار ترامب لا يعدو أن يكون تمييزاً طائفياً ليس لأن نص القرار بالنسبةِ لهم لا يُفَرِق بين المُسلمين و غير المُسلمين بل لكونهم لا يعُدون الإسلام ديانةً على الإطلاق!!
فإذا بحثت عبر مُحرك جوجل عن الإسلام بين الدين و السياسة كان من السهل جداً أن تعثر على مواقع من عينةPoliticalIslam .com التى تدَّعى امتلاكها لمعلومات وطرق تحليله من شأنها دعم فرضية كون الإسلام نظاماً سياسياً أكثر من كونه ديانة.
لم يقتصر الأمر على باحات نظريات المؤامرة على الإنترنت وحسب بل تعدَّاه ليصل إلى أرض الواقع حيث قال أندرو مكارثىالمُستشار السابق لمحكمة جنوب نيويورك في عموده بمجلة The National Interestt: ” أنه عند الحديث عن الإسلام يجب أن يتبادر إلى الذهن فوراً أننا نتحدث عن فكر دينى وسياسى اجتماعي شامل “.
في ذات السياق، أضاف المُشرِّعُ الجمهورى جون بينيت مؤكداً أن الإسلام ليس ديانة ولكنه نظاماً سياسياً يستخدم وجوداً قُدسياً ليُحقق غاياته التوسعية في السيطرة على العالم .
هذا اللغط القائم يتلخص في مقولة أحد الكهنة الإنجيلين الذي يُبرز أهمية التفرقة بين ما إذا كان الإسلام ديانةٌ فعلاً أم نظاماً سياسياً و أجندة إستراتيجية ترتدى عباءة الغيبيات و العبادة .
إن الاعتقاد المُتنامى بصحة هذه الفكرة يُبرز صدعاً عميقاً في الرؤية الأمريكية لمسألتي الحوار الديني وحُرية الاعتقاد ويفتحُ أيضاً باباً لمُحاميو الحُريات للولوج منه و الاعتراض على أي قرارات “طائفية” تُصدرها إدارة ترامب بحق المُسلمين .
من الصعب علينا تخيُّل تعريف اصطلاح الديانة مع عزل الإسلام ..فللإسلام مليارٌ ونصف المليار من المُتبعين العابدين ليل نهار الذين يدينون بإلهٍ واحدٍ ويتبعون كتابٍ مُبين فمن أين استمدت هذه الرؤية الخاطئة منبعاً ووجود ؟
ينطلق المُستشار وهجت على في بحثه الذي يُقدمه المركز الأمريكي للتقدم Center For American Progress C.A.P، المُعنون بــ”الخوف” إلى دور الباحثين اليهوديين و الناشطين المُعاديين للإسلام المُحامى ديفيد يروشالمى مستشار مركز سياسات الأمن بواشنطن و فرانك جافنى رئيس نفس المركز و مؤلف كتاب “الشريعة ..وجودٌ يُهدد أمريكا “والذي يدور محتواه نحو أقلياتٌ مُسلمة تبغى احتلال أمريكا بفرض شريعتها عليها !!
و يقول جافنى في كتابه أن الشريعة وإن احتوت على عناصر روحانية من عباداتٍ وشعائر لكنها لا يُعتد بها كديانة من المنظور الغربى وتابع مُندداً باستقبال أوروبا وأمريكا لللاجئين مُطالباً بحظر كافة المؤمنين بالشريعة مثلما تفرض أمريكا قيود على مُعتنقى الفكر الشيوعي الهدَّام وفقاً لقوله .
“هم يُعرِّفون الشريعة بشكل مشوه يتعارض عمَّا يوقن بصحته أي مُسلم ” وفقاً للدكتور وهجة على و قُيِّضَ لهذا التشوه الفكري أن ينتشر بين قطاعات واسعة من الأمريكيين حتى أن دُزينتينمن الولايات وضعت في حُسبانها تشريع قوانين ضد الشريعة إلى جانب طبعاً فريق ترامب من المُتعصبين و علاقته الوطيدة بجافنى.
للعديد من الأمريكيين فإن الجدل الدائر حول طبيعة الدين كفكرة مُجردة، و قوانينه و نظريته السياسية والشريعة يولدُ صورةً كاملةً عند المسيحيين و لا سيما البروتستانت حول طبيعة الدين عموماً والإسلام بالأخص .
يرى دكتور شادى حميد عضو مركز بروكينجز للدراسات السياسية (ومؤلف كتاب التميز الإسلامي : كيف يغير الصراع حول الإسلام شكل العالم برُمته) صعوبة في الحديث عن المسألة لعدم امتلاك المسيحية شريعة خاصة بها كما الحال في الإسلام وحتى لو سمع الناس بنيةٍ صالحة و بنُبل المقصد فلن يسعهم أن يفهموا لعدم وجود قرين للشريعة في الديانة المسيحية ككل وبالرغمِ من كون فكرة الشريعة غير مألوفةٍ للمسيحين فإنها ليست اختراعاً إسلامياً خالصاً حيث أن هُناك تشابهاً ملحوظاً بين الشريعة الإسلامية و الهالاخاه التي تدخل في أجزاءٍ من الإنجيل و يعدَّها اليهود والمسيحيين نصاً قُدسياً. وكلا الكلمتين شريعة وهالاخاه تُعنى لُغوياً الدرب أو الطريق الذي بمُقتضاه يسير الناس على تشريعٍ سماوي من شأنه أن يضمن سعادتهم و رُقيه
أتُهِمَت اليهودية أيضاً بكونها فكراً سياسياً فضلاً عن كونها ديانة و ذلك استناداً على وثائق “بروتوكولات حُكماء صهيون ” المغلوطة تاريخياً و التي تنص زوراً على اعتقاد حفنة من اليهود بوحدوية صلاح اليهودية سياسةً وديانة وكونها الطريق الوحيد لقيادة العالم وهَدى البشرية.
فكلاً من الشريعة والهالاخاه تتضمن قوانين من شأنها رِفعة الحياة البشرية على الصعيدين الفردى والجماعي وهذه القوانين بدورها لا ترسم خطاً واضحاً للفصل بين الدين وبين كافة ميادين الحياة الأخرى فجميعها مُترابطة تصب في نفس المنبع ألا وهو ارتقاء الإنسان.
بالتأكيد فإن شريحةٌ كبيرة من المُسلمين تؤمن بأن الدين يدخل في سائر ميادين الحياة و يُنظِمُها بما فيها المُعاملات السياسية وشئون الحكم وإدارة الدولة لكن الأمر بذاته يُمكن إقراره من جانب أي مُعتنقٍ لديانة مُتحمسٍ لمذهب مُتبعٍ لعقيدةٍ وكتاب .
وإن تشابك الاعتقاد وولاية الأمر ليس حِكراً على الإسلام .خذ مثلاً بات روبرتسون المُبَشِرّ المعمدانى البروتستانتى المشهور الذي أوغل في ميدان الانتخابات الرئاسية عام 19888 مُرتكزاً على إدعاءٍ واهٍ مؤداه أن الله أوحى إليه أن انزل لخدمة شعبك وكُن عليهم رئيساً !!
وبعد خسارته بث روبرتسن إحدى آماله للإعلام و فحواها تحويل إحدى الأحزاب الأمريكية الكُبرى إلى حزب مسيحي بنيةً وفكراً ولكنه عاد في 2007 ليؤكد أن الإسلام ليس ديانة و لكنه حراكٌ سياسي عالمي فنقض بذلك ما اتفقت عليه أهواءه السالفة الذكر و رفض هنا ما روَّج له سابقاً من ارتباط الدين بالسياسة .
إن النظر للإسلام كسياسة يصب في مصلحة اتجاه السياسة الأمريكية فمنذ سقوط صروح الشيوعية اتجه بعض المُفكرين وعلى رأسهم فيلسوف هارفارد السياسى صامويل هنتجتون إلى الفرضية القائلة بوقوع الصراع مُستقبلاً بين الحضارة الغربية الأوروبية والحضارة الإسلامية .
تُضيف العالمة جوسلين سيزارى الأستاذة بجامعة برمينجهام ومؤلفة كتاب :” لم يخاف الغرب من الإسلام ؟ ” بقولها أن الفكرة التي كانت تُضارع ليبرالية الأمريكان كانت الشيوعية ..فلما هُزِمت الأخيرة برزت الحاجة إلى إيجاد عدوٍ جديد ..عدوٍ لا يُمكنه أن يكون الإسلام كديانة و اعتقاد بل يجب أن يتمثل في النظرية السياسية الإسلامية.
بشكلٍ عام وعلى المدى الواسع يوجد شِقاق في الحوار المُجتمعى الدائر حول الإسلام وخصوصاً في نُقطتى حق الاعتقاد وحماية الأقليات وبين من يرون الصورة على أنها معركةً فكرية وصدام حضاري بين أيديولوجيتين سياسيتين تتصارعان على قيادِ العالم .
فكما تُشير سيزارى فإن النظر للإسلام من هاتين النقطتين يُتيحُ التزاماً بمواد الدستور التي تنص على حرية الاعتقاد مع خلق حِس بكون الإسلام عدواً سياسياً وجودياً يُضارع الأمريكيين عظمةً وقيادة مما يؤدى بنهاية المطاف إلى التغاضي أو إهمال كافة الإجراءات المدنية القاضية بحماية حُرية الاعتقاد المكفولة دستورياً والتي تتماشى مع كون المرء مُتديناً في هذه البُقعة من الأرض الأمر الذي نجم عن رؤية الإسلام بشكلٍ عدواني باعتباره اتجاهاً سياسياً مؤذياً يُهدد الوجود الأمريكي وسيادته .