لماذا يخشى العالم الإسلامي الصين ويسكتون عن قمع الأيغور في تركستان الشرقية؟
يثير خلافٌ بين الزعماء الدينيين الإندونيسيين الكِبار والحكومة الإندونيسية حول كيفية الرد على حملة قمع الصين المسلمين الإيغور ، وهم أحد الشعوب التركية المسلمة، تساؤلاتٍ حول قدرة العالم الإسلامي على البقاء صامتاً تجاه واحدٍ من أبرز الاعتداءات المُنسّقة على الدين في التاريخ الحديث.
وحسب تقرير لموقع Lobe Log الأميركي، أصرَّ نائب الرئيس الإندونيسي، يوسف كالا، على أنَّ الحكومة لن تتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد الأخرى، رافضاً دعوة مجلس العلماء الإندونيسي، الذي يُمثِّل أكبر هيئة دينية بالبلاد، إلى إدانة حملة قمع الصين المسلمين الإيغور التي شهدت احتجاز نحو مليون من المسلمين التُرك بمعسكرات إعادة التأهيل في إقليم شينجيانغ شمال غربي الصين.
الدول الإسلامية التزمت الصمت تجاه حملة قمع الصين المسلمين الإيغور
وقد يكتسب هذا الخلاف أهميةً أكبر بعد الانتخابات التي ستجرى في أبريل/نيسان 2019، والتي يُتوقَّع أن يفوز فيها الرئيس الحالي جوكو ويدودو، إذ يشغل أمين معروف، الذي اختاره ويدودو نائباً له في حالة فوزه بولايةٍ رئاسيةٍ أخرى، منصب رئيس مجلس العلماء. ومنذ انضمام «معروف» إلى قائمة ويدودو الرئاسية، ابتعد عن ممارسة مهام منصبه في المجلس.
مع ذلك، يتماشى موقف كالا، الحريص على جذب استثمارات صينية في البنية التحتية الإندونيسية، مع موقف غالبية الدول الإسلامية، التي اختارت التزام الصمت تجاه حملة قمع الصين المسلمين الإيغور ؛ سعياً لعدم تعريض العلاقات مع جمهورية الصين الشعبية للخطر.
مع أنَّ العديد منها أبدى ردوداً غاضبة على حوادث سابقة أقل خطورةٍ بكثير، مثلإدانة الكاتب البريطاني سلمان رشدي بسبب روايته التي تحمل اسم The Satanic Verses أو «الآيات الشيطانية»، والرسوم الكاريكاتيرية الدنماركية المُسيئة إلى النبي محمد، وحرق نسخة من القرآن على يد قسٍّ أميركي.
وفي رد فعل مشابه، قال مُشاهد حسين، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الباكستاني، إنَّ المبدأ الأساسي للعلاقات الباكستانية-الصينية هو الامتناع عن التعليق على أي شيء متعلق بقضايا داخلية في البلد الآخر، مع أنَّ نحو 200 رجل أعمال باكستاني صغار أطلقوا حملةً للإفراج عن زوجاتهم الأويغوريات من المعسكرات الصينية، ورفع حظر السفر المفروض على أطفالهم أو السماح لهم بزيارتهم.
وقال حسين لوكالة أسوشييتد برس: «بالنظر إلى العلاقة بين باكستان والصين، وفي العالم الإسلامي على وجه الخصوص، تبدو السردية الصينية مقبولةً على نطاقٍ واسع بأنَّها هي السردية الصحيحة».
وعلى المنوال نفسه، تبنَّت تركيا، رغم صلاتها العرقية والثقافية بالشعوب التركية المسلمة في الصين ودعمها السابق مطالب الأويغور، موقفاً مماثلاً من قمع الصين المسلمين الإيغور في ظل توسُّع الاستثمار الصيني والمساعدات المالية الصينية لها.
والصين لا تزال الوجهة السياحية الأبرز للمسلمين في آسيا
وباستثناء بضعة احتجاجات في بنغلاديش والهند وبيانات انتقادية من جانب قادةٍ ماليزيين، امتنع المسلمون في مختلف أنحاء العالم، إلى حدٍّ كبير، عن الضغط على حكوماتهم، للاحتجاج على التطورات الجارية في إقليم شينجيانغ، بل ما زالت الصين تحتفظ بمكانتها في صدارة الوجهات السياحية الآسيوية التي يقصدها المسافرون المسلمون.
وواجه نبيل شريف، مؤسس شركة Serendipity Tailormade للعُطلات الحلال ومقرها بالمملكة المتحدة، صعوباتٍ أخلاقية في تشجيع السياحة الإسلامية إلى الصين، لكنَّه خلص إلى أنَّ ذلك «يضمن بطريقةٍ ما عدم نسيان طائفة الأويغور».
وعلى الرغم من تبرير «شريف»، فإنه لا يوجد دليلٌ علني يُذكَر على أنَّ العالم الإسلامي يكترث بمحنة الأويغور. ويبدو أنَّ القادة المسلمين والصينيين يراهنون على أنَّ الصمت مستدام تجاه قمع الصين المسلمين الإيغور ، لكنَّ هذه قد تكون استراتيجية محفوفة بالمخاطر.
ويتمثَّل أحد هذه التهديدات في أنَّ حملة القمع بإقليم شينجيانغ تمتد لتطول شعب «الهُوي»، وهم مسلمون صينيون غير تُرك، إذ وقَّعت منطقة نينغشيا ذات الحكم الذاتي، التي يسكنها شعب الهوي، اتفاق تعاون مؤخراً مع إقليم شينجيانغ بشأن مكافحة الإرهاب، لتستفيد من تجربة الإقليم القمعية ضد المسلمين التُرك، أو –على حد وصف صحيفة Global Times الصينية التابعة للحزب الشيوعي– «لتستفيد من تجربة شينجيانغ في تعزيز الاستقرار الاجتماعي».
والانتقادات الغربية للصين وضعت الدول المسلمة في موقف محرج
وفي السياق نفسه، تُسبِّب الانتقادات الغربية المتصاعدة لحملة قمع الصين المسلمين الإيغور -التي تبلغ ذروة صرامتها ضد المسلمين، لكنَّها تستهدف كذلك جماعات دينية أخرى، بينها المسيحيون الإنجيليون- حرجاً للدول المسلمة.
ومن المرجح أن يؤدي هذا الانتقاد إلى مقاطعة بعض الشركات الغربية المنتجات المصنوعة في إقليم شينجيانغ بأيدي سجناء معسكرات إعادة التأهيل، التي تصفها الصين بأنَّها مؤسساتٌ للتدريب المهني، أو بأيدي الأشخاص الذين أُفرِجَ عنهم مؤخراً، لكن أُجبِروا على العمل في المصانع المرتبطة بالحملة القمعية.
وتَتبَّع تحقيقٌ أجرته وكالة أسوشييتد برس، هذا الأسبوع، شحنة ملابس رياضية واردة من مصنع مرتبطٍ بهذه المعسكرات إلى شركة Badger Sportswear في الولايات المتحدة، والتي تورِّد منتجاتها إلى متاجر كتب جامعية وفرق رياضية بجميع أنحاء البلاد. وقال الرئيس الرئيس التنفيذي للشركة جون أنطون: «سنوقِف العمل مع هذا المصنع طواعيةً، وسننقل الإنتاج إلى مكانٍ آخر، في حين نُجري تحقيقاً في الأمور التي أُثيرت».
ودعا كريس سميث، النائب الجمهوري بالكونغرس الأميركي عن ولاية نيوجيرسي وعضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى حظر الواردات من الشركات الصينية المرتبطة بمعسكرات الاعتقال.
وهذا لا يمنع من ظهور مشاعر معادية للصين
لكن إحدى المفاجآت المحتملة قد تتمثل في ظهور مشاعر معادية للصين بعددٍ من الدول الإسلامية، التي يرتبط بعضها بِصلاتٍ عرقية مع المسلمين التُرك في الصين، وذلك نتيجةً النظر إلى الشروط التجارية الصينية لتمويل المشروعات والقروض المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق، التي أطلقتها الصين باعتبارها مصيدة للإيقاع بهذه الدول في شَرك الديون.
وفي توضيحٍ للمخاطر، اعترض قونايش سلطانوف، عضو البرلمان الكازاخي ونائب رئيس الوزراء الكازاخي السابق والسفير السابق لدى الصين، على نهج الحكومة المتمثل في الحذر البالغ؛ سعياً لتحقيق التوازن بين علاقاتها وحاجتها إلى الدفاع عن حقوق الكازاخ.
وقال سلطانوف، بعدما أدلت عاملةٌ من أصلٍ كازاخي فرَّت من أحد المعسكرات الصينية إلى كازاخستان، إحدى جمهوريات آسيا الوسطى، بشهادتها في المحكمة حول ما شاهدته: «يجب إجراء محادثاتٍ مع المندوبين الصينيين. وينبغي لكل وفدٍ يذهب إلى هناك أن يثير هذا الموضوع… القضية الأساسية هي ضرورة احترام حقوق الكازاخ الإنسانية في أيِّ بلدٍ بالعالم».
(المصدر: عربي بوست)