لماذا نتغير مع تقدم العمر؟
بقلم د. سعد الكبيسي (خاص بالمنتدى)
يتألم كثير من الناس مع دخوله لسن الأربعين او الخمسين او بعدها لتغير الكثير من احواله ومزاجه فيما يخص مجاملة الناس والصبر على طبائعهم والتعامل معهم، حيث تقل هذه المجاملة ويصغر ذلك الصبر الذي كان كبيرا وتبدأ خصاله التي كان يخفيها بالظهور اكثر فاكثر باختيار او بغير اختيار، ولو عرف ان هذا الأمر طبيعي وعادي لما تالم.
وسبب هذا التحول عندي ان المرء يعيش في سن العشرينات والثلاثينات وربما قبل ذلك في حالة من التكلف والضغط على الذات لتكون اكثر تأقلما وتكيفا مع ما حولها، ويسعى جاهدا كي يكون مقبولا فيها، ولهذا فهو يكبت الكثير من عفويته وتلقائيته طمعا في رضا اكبر عدد من الناس، فلما يكبر يقل عنده هذا الضغط وتظهر عفويته اكثر ويقل حرصه على ارضاء الجميع ويصبح اكثر انتقائية لمن يجامله ويتودد إليه ويتواصل معه، وأكثر خبرة بمن يستحق ومن لا يستحق، واكثر صدحا بالحق وتعبيرا عن الرأي والمشاعر وتعلقا بالخالق لا المخلوق.
هو لم تتغير ولكن شخصيته الحقيقية أصبحت اكثر طهورا وزال عنها ركام التصنع والتكلف بفعل العمر والتجربة والخبرة.
وطبعا فهذه ليست دعوة لترك المجاملة والكلمة الطيبة مع الناس والصبر عليهم فهذه من الدين ومن محاسن الأخلاق وبعض التغير هذا لا يبيح له الفجاجة مع الناس أو جرحهم او التخلي عن مساعدتهم مثلا وإنما قصدنا أن نوضح ان تبدل وتغير بعض الأحوال في التعامل طبيعي جدا، حيث يتجه الإنسان مع تقدم العمر ليكون اكثر نضجا واتزانا وعفوية في علاقاته، وتخف عنده المبالغة ونزعة إرضاء الجميع حتى يصل لمرحلة ان يعيش كما هو، فلا يسمح لاحد ان يجبره على ما لا يريد، وان يتقبل نفسه والآخرين كما هم، ويغادر قلق وتوتر المكانة والقبول من الناس، وكل ذلك يهبه القرب الأكبر من عقله وقلبه ومشاعره وذاته، وفوق ذلك تكون علاقته مع الله اقوى واعمق واخلص.
والله اعلم.