لماذا سلمان العودة؟
بقلم محمد السعيد
«حين تكون الدولة واقعة تحت سلطة فصيل أو حزب بشكل دائم فليس ثمّ ضمانة من وقوع الاستبداد. وشر أنواع الاستبداد هو ما مورس باسم الدين، وحمل الناس على قبوله وتسويغه، وإلا تعرضوا للعقاب الدنيوي، والوعيد بالحرمان الأخروي أيضًا». *سلمان العودة.
شارفت مُدة اعتقال الأستاذ سلمان العودة أن تصل سنتان بعد أن قامت السلطات السعودية باعتقاله في العاشر من سبتمبر (أيلول) 2017. ذهبت معظم الأقوال والتحليلات إلى أن السبب المباشر وراء الاعتقال قيام الأستاذ سلمان بنشر تغريدة يدعو فيها الله بأن يؤلف بين قلوب قادات الدول الخليجية، إلا أن السُلطة الحاكمة في المملكة رأت في الأمرِ عِصيانًا وتحديًا لها وهي سُلطةٌ لا تقبل حرفًا واحدًا يدعو بالخير وفض النزاع في الحصار المفروض على قطر.
لكن هل تكمُن مسألة الاعتقال كُلّها في تغريدة؟ لا أعتقد أبدًا؛ فالناظر في مسيرة هذا الشخص والقارئ لكتبه المشاهد لبرامجه يجد فيه أسبابًا كثيرة تدفع السلطات لاعتقاله.
كثُرت التدوينات والمقالات التي تحدثت عن الشيخ ومسيرته العلمية والعملية لذلك لن أدخل في هذه التفاصيل وسأعبرها مجتازًا إلى سردٍ لبعض التصورات والأسباب أراها كوّنت بوتقةً جعلت من صاحبها فريسةً لسُلطة الحاكمة.
الخِطاب الدعوي
يشكل الخِطاب الدعوي ركيزةً أساسية لعمل الداعية سلمان العودة فهو صاحب خِطابٍ قلّ نظيره وندر عند نظرائه في ساحة المملكة، خِطابٌ عَفويٌ وسطي بعيدٌ عن الغلوّ والتشدد، غير مصطنع ومُتكلف، برامجه ومؤلفاته حملت نوعًا تجديديًا في الخطاب الإسلامي وهو من أشد ما يحتاجه الإسلام اليوم بعد أن عَلَى الغبار الخطابات القديمة وباتت لا تصلح لواقع اليوم، كان العودة أَحدَ هولاء فأرادوا إسكاته لكي لا يعيث في الأرضِ فسادًا على حد تعبيرهِم ويزيد من فرقة صف المؤمنين!
الحياة السياسية
حملت حياة الأستاذ في طيّاتها جانبًا سياسيًا منذ بداياته فهو من أكثر المنادين بالإصلاحات والتغيير داخل المملكة من بين العلماء والدعاة، ومِرارًا ما أشار في برامجه ومؤلفاته إلى ضرورة إعطاء الشعب حريته وكرامته وعدم حكمه بالاستبداد والظلم وضرورة القيام بالتغيير الاجتماعي والإصلاح المجتمعي وكان أيضًا من أوائل المناصرين المؤيدين لجميع الثورات العربية، وقد حَمَلَت التهم التي وُجِهت له جانبًا كبيرًا في التدخل بالسياسة وشؤون الدولة وهو ما تخشاهُ السلطة بالطبع، لا تريد أمثالهُ من يتكلمون بالحقوق والحريات ويناصرون القضايا العالمية المعارضة لسياسات الدولة وتوجهاتِها السلطوية.
علاقته مع علماء المملكة
لم تكن علاقة الشيخ سلمان مع علماء المملكة علاقةً طيبة، لمخالفته إياهم في كثير من القضايا والأمور ومن بين التهم الموجهة له تهمة «مخالفة منهج كبار العلماء المعتبرين»، إضافةً إلى الخطاب الدعوي القائم على العطف والمحبة والاحترام مع الغير بعيدًا كل البعد عن التكفير وأحكامه والخطاب المتشدد عند عموم علماء المملكة، أيضًا مواقفه من بعض التنظيمات الإسلامية والأحزاب السياسية في الدول العربية الذين لم ترض عنهم الدولة وعلماؤها.
وما أشبه مِحنة الإمام الفاضل أحمد بن حنبل رحمه الله بمحنة الأستاذ سلمان، كِلاهما مُعتقلٌ من قِبَلِ السلطة الحاكمة لعدم رضوخه لتعاليمها وأحكامها وأقوالها، لم يغيروا أقوالهم ولم يبدلوا مواقفهم ولم يبيعوا دينهم بدنياهم لينالوا حُظوةً عند الحاكم كغيرهم من المشايخ والعُلماء الذين أخذوا الدين مَطيةً لأهدافهم وشهواتهم.
يرفعُ التاريخ من قدر هؤلاء الثابتين الثائرين الصابرين ويَحُط من قَدْرِ ظلامهِم وجلادِهم إلى أسفل سافلين.
إن صدقت الأخبار المنشورة مؤخرًا حول نية سلطات المملكة بإعدام الشيخ سلمان مع صاحِبيهِ الدكتور علي العمري والشيخ عوض القرني – فرج الله عنهم – لعُمري أنها ستكون حركةٌ قاصمة لظهر المملكة وحكم ابن سلمان وسلالته، لِتغرس بذار ثورةً تقتلع تلك الحكومة والسلطة، حكومةٌ تقوم على خدمة البيت الحرام وتصنعُ كُلَّ حرام في كُلِّ بقعة عربيةٍ إسلامية.
في الختام أستعرِضُ بيتٍ شِعري كتبه الأستاذ سلمان وهو أديبٌ من مُحِبي الشعر وكتب الشعر مِرارًا، إذ يقول:
صبرًا على الدهر إن جلّت مصائبُه إن المصائبَ مما يوقظُ الأُمما
لربما صدقتم يا سيدي، لُربما تستيقظ الأمم عما قريب.
(المصدر: ساسة بوست)