مقالاتمقالات مختارة

لماذا تقدمت طالبان وتعثر الربيع العربي؟!

لماذا تقدمت طالبان وتعثر الربيع العربي؟!

بقلم أحمد زيدان

كإعلامي يكتب المسودة الأولى للتاريخ عاش التجربة الأفغانية ويعيش حالياً التجربة السورية وتجربة الربيع العربي بشكل عام، من واجبه أن يدلي بدلوه بخصوص تقدم التجربة الأولى وتراجع أو تعثر بكلام أدق التجربة الثانية، ومثل هذا السؤال الكبير بحاجة إلى كتب ودراسات وورشات عمل حقيقية ومعمقة للوصول إلى جذر المشكلة وتفاصيلها وتفرعاتها، نظراً للتباين الكبير بين المجتمعات أولاً، وثانياً للتباين الكبير في مصالح وتعقيدات اللاعبين الكبار والمحليين في التجربتين.

لكن أول ما يخطر على بالي في الفرق الحاصل بين التجربتين هو المذهبية التي طبعت الشعب الأفغاني بمذهب واحد ومدرسة فكرية واحدة، وبالتالي مدارس ومحاضن تخرج سنوياً الآلاف وربما عشرات الآلاف من الطلبة، كلهم يحملون الفكر نفسه، والسياسة نفسها، وتحركهم مدارس واحدة تعود في أصلها إلى المدرسة النظامية البغدادية الذي وضع أسسها نظام الملك الذي اغتاله الحشاشون يومها، لكن لا يزال عمله يُجرى عليه.

المحاضن أو المدارس الدينية التي تدفع بالمقاتلين إلى صفوف حركة طالبان الأفغانية إنما يحملون حمضاً نووياً واحداً، وبالتالي ثمة تناغم بين القائد والعالم والشيخ والمولوي وبين الطلبة على الأرض، ولذا كانت مثل هذه المدارس هي القلاع الحقيقية التي صمدت في وجه البريطانيين، وهي التي صمدت بوجه الاحتلال السوفياتي في أفغانستان، كما صمدت بوجه العجرفة والصلف الهندي، وأخيراً لا تزال تتقدم في مواجهة الحرب الأميركية المشنونة على أفغانستان، مما جعلها تصمد لأكثر من 18 عاماً لتُرغم أميركا لاحقاً ومن معها من التحالف الدولي البالغ عدد دوله 39 دولة على التفاوض مع طالبان، والتوصل لاتفاق يقضي بسحب قواتهم منها.

مثل هذه المذهبية مفقودة في عالمنا العربي، لاسيما على صعيد الحركات السياسية التي آثرت اللامذهبية وهو ما أفقدها المرجعيات الدينية، بل ووضعها في مواجهة حقيقية مع العلماء والمشايخ الذين ارتبط معظمهم مع السلطان، وبالتالي كان ثمة فجوة وهوّة سحيقة بين الطرفين لم تستطع ثورات أن تردمها، ما دامت الخميرة بالأصل والأساس غير موجودة.

مما ساعد الحركة الطالبانية الأفغانية العامل القبلي التقليدي، وهو عقد ناظم للقبائل والشخصية الأفغانية، بخلاف الافتقار إلى العقد الناظم للشخصية العربية مع تفكيك منظومة القبلية العربية، وإحلال عبادة الفرد والاستبداد محلها، وبالتالي افتقر العالم العربي وشعوبه ومعهم نخبه المتمردة الثورية إلى أطر وقوالب تجمع الجميع، كقوالب مدارس مذهبية واحدة لها رؤوس وأعلام ورموز كحال المدارس المذهبية في السابق من المدرسة المالكية إلى الشافعية والحنفية والحنبلية، والتي كانت مدارس بعيدة كل البعد عن تأثير السلطة الزمنية، ما دامت السلطة الروحية مستقلة بالمال وبأفكارها.

تغنى الأفغان بجبالهم، فكان “الجنرال جبل” هو أهم ما امتلكته الحرب الأفغانية في وجه غزاتها، وانعكست التضاريس الجغرافية الجبلية الوعرة على الشخصية الأفغانية، فجعلها صعبة المراس والشكيمة، فصبرت وصابرت ورابطت لعشر سنوات في مواجهة الغزو السوفياتي لأفغانستان، وأكثر من 18 عاماً في مواجهة التحالف الدولي.

بلا شك فإن للداعم الباكستاني دور كبير في هذا كله، حيث لعبت باكستان دوراً محورياً في دعم غير مباشر للحركة الطالبانية، التي سمحت لها بتمثيل نفسها سياسياً وجهاً لوجه مع الأميركيين وغيرهم، فلم تفاوض عنهم، ولم تلتق الخصوم نيابة عنهم، وهو ما قوّى موقفها وموقف الحركة، فكان كل غنم في صالحها، وكل غرم على كتف الحركة وعاتقها، ومثل هذا الدور الباكستاني الذي حرص على عدم استعداء قوى إقليمية مهما تنافرت بما يتعلق بالشأن الأفغاني، تمام كحرصه على ابتزاز الاحتلال بطريقته الاستخباراتية التي اتقنها منذ  الحرب السوفياتية.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى