بقلم د. صالح النعامي – مجلة البيان
يمكن القول إن حادثة اغتيال القيادي في “كتائب عز الدين القسام”، الجناح العسكري لحركة حماس مازن فقها تحمل في طياتها، من ناحية نظرية، طاقة كامنة لتغيير بيئة الصراع بين المقاومة في قطاع غزة والكيان الصهيوني.
فمستقبل المواجهة بين المقاومة والكيان الصهيوني تتوقف على قرارات حركة حماس وطابع تعاطيها مع العملية التي يفترض أن تم إقرارها من رأس الهرم السياسي في تل أبيب ممثل في شخص رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. ففي حكم المؤكد أن صانع القرار الصهيوني أخذ بعين الاعتبار السيناريوهات المختلفة بناء على توقعاته بشأن ردة فعل حركة حماس.
ففي حال قررت حركة حماس الرد على العملية، فإن مستقبل المواجهة يتوقف أيضا على طابع الرد ونطاقه الجغرافي. فعلى سبيل المثال، لو تم الرد في الضفة الغربية على شكل عمليات ذات طابع فردي، فإنه سيكون من الصعب جدا على الكيان الصهيوني تسويغ تنفيذ ردود عليها. أما في حال تم الرد من قبل حماس في قطاع غزة على شكل عمليات إطلاق صورايخ أو غيرها من الردود المباشرة، فإن هذا سيمثل مسوغا للرد الصهيوني ويمنحه صدقية دولية.
لقد خطط الكيان الصهيوني عملية الاغتيال لكي تتم دون أن يتم توفير مبررات لحركة حماس للرد عليها، حيث تم الحرص على أن تكون عملية الاغتيال من قائمة العمليات التي تطلق عليها المخابرات الصهيونية “عمليات بدون توقيع”، أي تلك التي لا تترك شواهد مادية تدين الكيان الصهيوني.
لو كانت الحكومة الصهيونية معنية بتوفير مسوغات لتدهور الأوضاع لنفذت العملية باستخدام طائرات بدون طيار. وفي هذه الحالة ستتم عملية الاغتيال بدون مخاطرة تذكر. لكن تل أبيب لا تريد أن تقدم ما يمكن أن يمثل دليلا مادية يبرر لحركة حماس الارتكاز عليه في تنفيذ ردود على عملية الاغتيال.
تنتمي عملية اغتيال فقهاء إلى ما تطلق عليه المؤسسة الأمنية الصهيونية إستراتيجية “المواجهة بين الحروب”، والتي يطلق عليه بالعبرية اختصارا “מבמ”…والتي تهدف الى استغلال الفترة التي تلي الحروب أو الحملات الكبرى للمس بالبنى التنظيمية والعسكرية والبشرية للمقاومة من أجل تحسين مكانة الحكومة الصهيونية في أية حرب قادمة.
صحيح أن للكيان الصهيوني مصلحة كبيرة في تصفية فقهاء بسبب اتهامه بتوجيه خلايا تعمل ضد الاحتلال في الضفة الغربية. لكن هذا الافتراض لا يتعارض مع أن تصفيته جاءت كأحد متطلبات “إستراتيجية المواجهة بين الحروب”.
ينطلق الصهاينة من افتراض مفاده أن تحولات درامتيكية يرجح أن تحدث في المستقبل وتفضي إلى انفجار الأوضاع في الضفة الغربية. وحسب السيناريو الصهيوني، فإن مسوغات الانفجار تتمثل في حالة الإحباط الشديد التي يعيشها الشارع الفلسطيني في ظل انسداد الأفق السياسي للتسوية بعد تولي حكومة اليمين المتطرف مقاليد في تل أبيب وصعود دونالد ترامب للحكم في الولايات المتحدة؛ إلى جانب حالة انعدام اليقين التي تسود أروقة السلطة الفلسطينية في ظل مؤشرات قرب ترجل رئيس السلطة محمود عباس عن ساحة الأحداث دون أن يكون هناك توافق على خليفة له.
وترجح تل أبيب أن انفجار الأوضاع سيمثل فرصة ذهبية لحركة حماس للتأثير على الأوضاع بشكل غير مسبوق، وتتوقع أن يلعب فقهاء دورا متميزا في ذلك، على اعتبار أنها تتهمه أصلا بالمسؤولية عن توجيه العمليات، مما زاد من الدافعية لاغتياله.
إن أكثر ما فاقم المخاوف لدى الكيان الصهيوني من مستقبل الأمور في الضفة الغربية ودور حماس المستقبلي والمحوري فيها، حقيقة أن دراسة صهيونية أجريت مؤخرا أظهرت أن الأغلبية الساحقة من منفذي العمليات الفردية يرتبطون بحركة حماس.
من هنا، جاءت عملية اغتيال فقهاء لتحقق هدفين أساسيين، وهما: تقليص مستوى عمليات المقاومة التي تنفذ في الضفة الغربية، وتحسين مكانة الحكومة الصهيونية في حال اندلعت مواجهة شاملة مستقبلا، سيما في الضفة الغربية.
وبخلاف ما روجت له بعض قيادات حركة حماس وبعض النخب الصهيونية، فإنه لا يمكن لعملية الاغتيال أن تنفذ بواسطة عملاء للاحتلال من الفلسطينيين. صحيح أن المخابرات الصهيونية ستكون سعيدة لو تمت عملية الاغتيال على أيدي عملاء، لكن المخابرات الصهيونية تفترض أن العملية بهذا القدر من المخاطرة والدقة يتطلب تنفيذها قدرات مهنية ودافعية كبيرة، ويصعب أن تتوفر مثل هذه المهنية والدافعية لدى عميل. مما يرجح أن يكون عناصر وحدة صهيونية قد نفذوا هذه العملية،في حين يسهم العملاء في توفير المعلومات حول تحركاته.
بخلاف ما جاء في بيان حركة “حماس، فإن قطاع غزة ليست ساحة عمل لجهاز الموساد، بل من اختصاص جهاز “الشاباك”، وهو ينفذ عمليات التصفية في مناطق غزة والضفة بواسطة وحدات خاصة تابعة للجيش والشرطة الصهيونية. ويمكن ترجيح أنه إن كان منفذي العملية قد سلكوا البحر أن يكونوا تابعين لوحدة الكوماندو البحرية أو ما يسمى بـ “القوة 13″، المسؤولة عن عدد كبير من عمليات الاغتيال في الضفة وقطاع غزة.
إن خسارة قائد للمقاومة بهذا القدر وتلك المكانة يستدعي التحقيق في الظروف الأمنية والحلقات المفقودة التي يمكن أن تكون قد ساعدت الصهاينة على تنفيذ العملية وذلك من أجل استخلاص العبر واتخاذ الاحتياطات الأمنية اللازمة.
لكن على كل الأحوال، فأن التجربة قد دللت على أن عمليات الاغتيال لم تسهم في التأثير بشكل جدي على المقاومة وفاعليتها. فقد اغتال الكيان الصهيوني العشرات من قيادات المقاومة ولاتزال تواجه التحديات تلو التحديات والتهديدات تلو التهديدات.