للمرة الثانية.. صواريخ غزة تلغي مسيرة للمستوطنين وتفرض معادلة “القصف مقابل القدس”
إعداد يوسف أحمد
بعد ساعات قليلة من تهديد المقاومة الفلسطينية في غزة بجولة قتال أخرى، إذا أصر المحتلون على تسيير ما يسمى “مسيرة الأعلام” في البلدة القديمة بالقدس، ألغى الاحتلال بشكل رسمي مسيرة المستوطنين التي كانت مقررة الخميس 10 يونيو؛ لتفرض المقاومة رسميا معادلة “القصف مقابل الاعتداء علي القدس”.
المسيرة التي ألغتها شرطة الاحتلال في القدس المحتلة، بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، كانت تستهدف الاحتفال بضم القدس كلها لدولة الاحتلال عقب هزيمة الجيوش العربية في حرب 1967، وجاء إلغاؤها ليكشف ارتباك وخوف الاحتلال من صواريخ المقاومة.
وكانت حركة حماس وقائدها يحيى السنوار هددوا الاحتلال بمعاودة قصف تل أبيب وإشعال الأرض تحت أقدامهم لو سمحوا بالاعتداء علي القدس بمسيرة الأعلام أو تهجير أهلها أو الاعتداء على المسجد الأقصى، وجاءت استجابة الاحتلال لتؤكد أن ما بعد معركة “سيف القدس” ليس كما قبله.
وهذه ثاني مرة يلغي فيها الاحتلال المسيرة؛ حيث تم إلغاؤها عقب اندلاع المواجهة مع غزة وإمطار المدن الصهيونية بالصواريخ، والآن بعد تكرار حماس تهديدها بالرد على استفزازات الاحتلال.
كان مقرّرا إجراء المسيرة يوم “توحيد القدس” قبل أن يُعدّل مسارها نتيجة لضغوط شعبية ودولية، لتلغى لاحقًا بعد تهديدات المقاومة
وكان من المقرّر أن تجرى هذه المسيرة في يوم “توحيد القدس” (ذكرى احتلال الشطر الشرقي منها)، قبل أن يُعدّل مسارها نتيجة لضغوط شعبية ودولية، لتلغى لاحقًا مع إطلاق فصائل المقاومة الفلسطينيّة عدة صواريخ على مدينة القدس، في يوم المسيرة.
أسبوع مشتعل في القدس
وكانت صحف صهيونية قالت إن شرطة الاحتلال وافقت على تنظيم مسيرة المستوطنين بوقتها المحدد، لكن “في ضوء تقييم الوضع العملياتي والاستخباراتي”، وسترفع توصيتها للمستوى السياسي؛ ما فتح الباب أمام توقع أسبوع مشتعل في القدس المحتلة، وتوتر كبير، عبر انخراط المقدسيين وأهل الضفة في منع هذا الحدث الاستفزازي، وربما رد المقاومة في غزة بمعاودة القصف.
بيد أن مفوض الشرطة “الإسرائيلية” أبلغ بشكل نهائي منظمي مسيرة الأعلام، اليوم الاثنين، بإلغاء المسيرة، وبحسب قناة “كان” العبرية، قالت منظمات وكيانات يمينية متطرفة: إن “الشرطة الإسرائيلية أبلغتنا بعدم وجود موافقة على مسيرة الأعلام يوم الخميس، وسيتم إلغاؤها”.
وعلق رئيس حزب الصهيونية الدينية “بتسلئيل سموتريتش” قائلا: “خضعنا للأسف لـحمــاس وتم إلغاء مسيرة الأعلام”.
ولم تتوقف جهود نتنياهو ووراءه اليمين المتطرف للدفع نحو العنف؛ فالجماعات اليهودية الإرهابية المتطرفة سعت لاستئناف مسيرة الأعلام التي فشلت بفعل هبة فلسطين وصواريخ سيف القدس من غزة، كما سمح بمعاودة اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى من جديد، ما قال خصومه بأنه محاولة لإشعال الأرض ومنع رحيله عن الحكومة.
وقال عضو الكنيست رام بن باراك من حزب يش عتيد “هناك مستقبل”: مسيرة الأعلام المخطط لها الخميس المقبل في القدس محاولة لإشعال النار في المنطقة ومنع تشكيل الحكومة.
وقبل إلغاء المسيرة قدرت “القناة 13” أنه من غير المحتمل أن تطلق حماس صواريخ على القدس، كما فعلت خلال المسيرة الأصلية في 10 مايو، لكنها قد تؤدي إلى تسخين منطقة حدود غزة، بما في ذلك بالونات حارقة، وسبق أن كشفت مصادر إعلامية عبرية أن وزير الحرب “الإسرائيلي” بيني غانتس ومسؤولين في المؤسسة الأمنية والعسكرية، يعارضون إجراء مسيرة الأعلام التي تخطط جماعات يمينية يهودية لتنظيمها في البلدة القديمة بالقدس المحتلة، الخميس المقبل.
ونقل موقع “واللا” الإخباري عن غانتس قوله: “إن تنظيم المسيرة في التوقيت الحالي يمكن أن يضر بإجراءات سياسية، ويجر المنطقة إلى حالة أخرى من التوتر“.
وبين الموقع أن مسؤولين في الأمن “الإسرائيلي” والجيش أيضا حذروا من أن مسيرة الأعلام قد تؤدي إلى تصعيد أمني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإشعال حريق كبير في المنطقة.
ودفع هذا رئيس حزب الصهيونية المتدينة بتسالئيل سموتريتش انتقادات إلى غانتس، مدعيا بأنه “وزير دفاع جبان يرضخ للإرهاب”.
هدف استراتيجي حققه الفلسطينيون
وقبل الإلغاء، حذرت حركة المقاومة الإسلامية حماس، الاحتلال من تنفيذ “مسيرة الأعلام” عبر المرور من “باب العمود” (أحد أبواب المسجد الأقصى) بمدينة القدس المحتلة.
وقال الناطق باسم الحركة في القدس محمد حمادة، في بيان صحفي: “نحذر من مغبة الحماقة الجديدة التي ينوي الاحتلال تنفيذها في القدس، وذلك بالسماح من جديد لما تُسمى (مسيرة الأعلام) بالمرور عبر باب العامود“.
وأضاف أن “خطوة الاحتلال هذه تأتي لهدف ترميم صورته التي تمرغت بالتراب يوم أن نسفت مقاومة شعبنا الباسلة في الضفة والقدس والداخل، وفي مقدمتها صواريخ المقاومة من غزة العزة والبطولة عليهم كبرهم، وأدخلتهم الملاجئ بعد أن كانوا يخططون لتدنيس المسجد الأقصى يومها بآلاف من مستوطنيهم“.
وتابع: “نحذر الاحتلال من استخدام القدس وسيلة للهروب من أزماته الداخلية وفشله في حل مشكلاته السياسية“.
ودعا أهالي مدينة القدس والداخل المحتل إلى “أن يهبّوا زرافات ووحداناً نحو المسجد الأقصى، وذلك يوم الخميس المقبل والمرابطة في المسجد الأقصى وحوله لحمايته من خبث الصهاينة ومخططاتهم“.
كما أكد رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة يحيى السنوار أن المقاومة تمكنت خلال المعركة الأخيرة من تحقيق جملة أهداف إستراتيجية، أبرزها يتمثل في الإثبات للعدو أن للمسجد الأقصى من يحميه ويدافع عنه، وهو مستعد لدفع كافة الأثمان في سبيل ذلك.
وبين أن المقاومة من خلال المعركة أحبطت ما وصفه بـ”مشروع صهيوني خبيث” لتقسيم المسجد الأقصى زمانيا ومكانيا.
ورأى أنه بعد “النصر الكبير” الذي تحقق خلال الحرب الأخيرة، فإن ما بعد مايو 2021 ليس كما قبله، وأن الحرب الأخيرة مع الاحتلال أثبتت للعدو أن للأقصى من يحميه، وهو هدف استراتيجي حققه الفلسطينيون.
وحذر رئيس حركة “حماس” في قطاع غزة يحيى السنوار الاحتلال الإسرائيلي من الاعتداء مجددًا على المسجد الأقصى المبارك، مؤكدًا أن المقاومة “ستحرق الأرض فوق رأسه” لو عاد لذلك.
وقال حول دعوات جماعات “إسرائيلية” يمينية متطرفة لتنظيم “مسيرة الأعلام” الاستفزازية: “إن عادوا (إسرائيل) للاعتداء على الأقصى سنعود لنحرق الأرض فوق رؤوسهم، ولا شك أو تردد في ذلك من جانبنا“.
حماس: “نحذر الاحتلال من استخدام القدس وسيلة للهروب من أزماته الداخلية وفشله في حل مشكلاته السياسية”
نجاح معادلة “تثبيت الردع”
ومع انقشاع غبار معارك القدس وغزة، ظهرت معادلة ردع جديد، نجحت حماس وحركات المقاومة في غزة في فرضها على الاحتلال هي “القصف مقابل الاعتداء على الأقصى وأهالي القدس”.
والمعادلة الجديدة التي سعت المقاومة لتثبيتها مكسب كبير؛ لأن التوازن السابق، عقب حروب غزة المتعاقبة، كان مقصورا على “صاروخ مقابل صاروخ”، بالنسبة لغزة فقط، لكنه الآن يُطبق على القدس؛ وهو ما جعل الصحفي “الإسرائيلي” بن كسبيت يقول: “هذه المرة الأولى منذ قيام الدولة التي يقوم فيها تنظيم فلسطيني بإنذار إسرائيل بوقت محدد، بشأن قصف القدس، وينفذ إنذاره بجدوله الزمني”.
وكتب الخبير العسكري “مايكل ميلشتاين”، بمركز موشيه ديان بجامعة تل أبيب، في موقع “إسرائيل ديفينس” 6 مايو 2021 أن “حماس تقيم معادلة جديدة مع إسرائيل”.
أيضا قال مراسل القناة 13 الصهيونية “تسيفي حزكيلي” إن “حماس حققت إنجازا كبيرا ونجحت بفرض نفسها كمسؤولة عن القدس وصاحبة القرار وسيد البيت، عبر ربطها الأحداث بما يجري في المسجد الأقصى وهذا إنجاز كبير لحماس”.
وتقوم المعادلة الجديدة التي اعترف خبراء ومحللون صهاينة بنجاح مقاومة غزة في فرضها علي دولة الاحتلال، هي “وقف الاعتداء على القدس مقابل وقف صواريخ المقاومة”.
وكان رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، أكد تثبيت “معادلة القدس الجديدة” بقوله: “لقد رسخت القدس ميزان قوة جديد سياسيًا وجماهيريًا وميدانيًا على المستوى الداخلي والخارجي وإرادة شعبنا تنتصر”.
وقال في تصريح صحفي 10 مايو 2021 بأن “معادلة ربط غزة بالقدس ثابتة ولن تتغير، فعندما نادت القدس لبّت غزة النداء”.
وأوضح أن “الحركة قررت الاستمرار في مجابهة الاحتلال الإسرائيلي ما لم يوقف كل مظاهر العدوان والإرهاب في القدس والمسجد الأقصى المبارك”.
(المصدر: مجلة المجتمع)