مقالاتمقالات مختارة

لقد آن الأوان لقيادة جديدة للعالم الإسلامي

لقد آن الأوان لقيادة جديدة للعالم الإسلامي

بقلم نور الدين العلوي

هل تأخر ميلاد هذه القيادة أم هذا أوانها؟ إنها هنا وتعلن عن نفسها وتعلن في ذات الوقت نهاية احتكار نظام آل سعود للكلام باسم الإسلام. لذلك نشهد مع ميلاد قيادة جديدة إعلان الحرب السعودية عليها قبل عقد الاجتماع الأول.

لكننا نميل إلى الاعتقاد أن التاريخ قد تغير وأن ماء جديدا سيجري تحت جسور أمة انتظرت قيادتها الموحدة لقرنين كاملين. الزمن ملك الأجيال القادمة وستكون لها قيادة تضع لها قدماً راسخة في العالم. لنكتب بتفاؤل فالربيع العربي والإسلامي ليس مظاهرات في الشوارع وانتخابات صغيرة لبلدان صغيرة وحسب بل هو ميلاد أفكار كبيرة بحجم أمة مضطهدة ومكافحة. ميلاد أول تجمع اقتصادي وسياسي إسلامي وعربي يعلن عن نفسه في كوالمبور. في نهاية سنة 2019.

مهاتير محمد يستنهض أمة

نستعيد هنا روح الفكرة التي حكمت طموح كثير من المسلمين لتجميع المسلمين في تكتلات قارية وأخرى فوق قارية وفشلها جميعا في التحول إلى قيادة شاملة. نتذكر أن فكرة المؤتمر الإسلامي قد ولدت في الجزائر على يد عبد الحميد بن باديس سنة 1936 وتخريبها من قبل المستعمر الفرنسي.

وعودة روحها في مؤتمر طنجة الداعي إلى وحدة أقطار المغرب العربي ضمن وحدة الأمة العربية المنضوية تحت جامعة الدول العربية والتي عجزت عن توحيد الموقف العربي من كل القضايا التي طرحت في ميثاقها، وخطابات زعماء قطريين كانوا أحرص على التفكيك من حرصهم على التجميع.

إلى حين ميلاد فكرة المؤتمر الإسلامي بعد حريق القدس سنة 1969. واتخذت جدة (السعودية) مقرا مؤقتا للمنظمة في انتظار تحرير القدس التي لم تحرر بل التهمها الاستيطان تحت أنظار الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي لكن الفكرة لم تمت وهاهي تطل برأسها خارج الرقعة العربية من العالم الإسلامي بدعوة شجاعة من الرئيس الماليزي مهاتير محمد.

دعا مهاتير محمد كل من تركيا وقطر وباكستان وإيران واندونيسيا والجزائر لتأسيس كتلة اقتصادية إسلامية مشابهة لكتلة البريكس والاتحاد الأوروبي لتقوم بدور قيادة اقتصادية وسياسية للأمة الإسلامية. ودعا بالمناسبة قيادة حركة حماس بغزة للحضور بما يكشف الوجه السياسي للمنظمة التي وضعت الانحياز للمقاومة الفلسطينية العربية الإسلامية ضمن أسس وجودها وخطة عملها.

كما وضع مشكلة ماينمار والجرائم الصينية ضد الايغور المسلمين على جدول الأعمال. منطلقا من فكرة بسيطة ولكنها شديدة التأثير أن”العالم الإسلامي في وضعه الحالي لا يمكنه الوقوف في وجه أحد. إذ يقول نحن ضعاف جدا. أي شخص يمكنه التلاعب بنا، يمكنهم حتى جعلنا نحارب بعضنا البعض. هذا حالنا”. وهو الشعور العام لدى كل مواطن عربي ومسلم في العالم.

قوة اقتصادية وسياسية قادمة

في عالم التكتلات القوية والفاعلة يمكن بحساب بسيط رؤية القدرات الكامنة والمحتملة لهذا التجمع إذا أفلح طبعا في تجميع عناصره ولحمها والاتفاق على خطة عمل بعيدة المدى إذ أن هناك خلافات حقيقية تشق هذه البلدان ويمكن أن تتحول إلى عائق في تشكلها المنتظر.

فالعلاقات بين إيران وباكستان ليست هادئة وكذا الأمر بين تركيا وإيران وباكستان وكذا بين إيران وقطر. هذا فضلا عن الاختلاف المذهبي العميق بين السنة والشيعة ولكن بلغة الأرقام بهذه الدول مجتمعة تشكل سوقا اقتصادية من 700 مليون نسمة ما بين ساكن ومنتج ومستهلك. ومجموع دخلها السنوي الخام يصل إلى (2.2 بليار دولار) بأرقام سنة 2017. والتكتل مفتوح فيما يبدو لانضمام بقية الدول مثل الجزائر التي يبدو أنها وعدت بالحضور والمشاركة ولا نستبعد حضور دول افريقية (دول الساحل والصحراء).

إن تأسيس مثل هذه التكتلات يعطي أملاً كبيراً لشعوب هذه الدول في تعاون اقتصادي لا يخضع لضغوط الكتل الاقتصادية الأقوى المحيطة به مثل الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وهي الكتل التي ستجد في هذا التكتل عدواً قوياً يحرمها أولاً من أسواقها التي استولت عليها وأخضعتها. كما تجد فيه منافساً على أسواق أخرى من خارجها اعتبرها دوما مجالاتها الحيوية التي لا تسمح لأحد بالدخول إليها.

وهذا جوهر معركة الأوربيين مع الصين على أفريقيا مثلا وبشكل أقل أهمية معركة فرنسا وإيطاليا على ليبيا وبلدان المغرب العربي بعد 2011. لكن لنتحدث عن الحظوظ والمعيقات غير الاقتصادية فهي في ما يبدو لي هي الأشد تأثيرا لأنها بدأت التحريض بعد ضد التكتل الذي يشهد اليوم18 ديسمبر/ كانون أول مؤتمره التأسيسي.

السعودية بالمرصاد

قيادة العالم الإسلامي محتكرة منذ الخمسينات تقريبا من قبل نظام آل سعود. وهي تستعمل موقع الحرمين المقدسين عن المسلمين وسيلة لهذه الزعامة. ولذلك سمى ملك السعودية نفسه بخادم الحرمين الشريفين دون أي تفويض من المسلمين. ومن أجل ذلك حاربت كل نظام عربي تقدم لقيادة العرب بدءاً من نظام عبد الناصر وانتهاء بنظام صدام حسين مروراً بالنظام الجزائري رغم أنهم لم يزعموا احتكار الحديث باسم الدين الإسلامي ولم ينافسوها على الزعامة الدينية بل اكتفوا بالبحث عن زعامة اقتصادية وسياسية.

الحديث باسم الإسلام بما هو قيادة للمسلمين جعل السعودية وخاصة في العقود الأخيرة تحارب كل من تقدم للقيادة من الحركات الإسلامية لأنه يشكك في شرعيتها ويحرمها من مكاسب مادية وسياسية كثيرة وأهمها مفاوضة الولايات المتحدة باسم المسلمين الذين لم يفوضها لذلك.

ونعتقد أن سر وقوف السعودية وأنصارها مثل الإمارات والبحرين في وجه ثورات الربيع العربي هو تتمة لهذا الاحتكار وحماية لمغنمه. فالربيع الذي قدم الحركات الإسلامية للحكم عبر الانتخاب وهو ما شكل لها كابوساً مرعباً. فهذه الحركات وصلت بشرعية الانتخاب لا بالادعاء السياسي من جانب واحد ولو بإسناد فقهي (شرعي) لم يمنحه الناس لهم.

والتكتل الجديد في جوهره يقترح قيادة جديدة للمسلمين بغير إسناد شرعي (ديني) فلا وجود لهذا الإسناد الفقهي في الواقع ولكن قيادة اقتصادية تؤتي أكلا سياسياً يستفيد منه المسلمون في كل بقاع الأرض وبالتالي يحرم آل سعود من زعامة مدعاة ومن مصالح قارة حققتها باسم الإسلام. السعودية ترى عدواً قادماً لا إمكاناً لتقوية الجسم الإسلامي بمشاركتها فيه فهي قوة لا يستهان بها لجهة الإنتاج كما للاستهلاك.

التكتل يقترح خريطة اقتصادية جديدة تنقل مراكز الثقل الاقتصادي والسياسي بعيداً عن السعودية. فتهمش دورها إذ تصير مجرد متفرج على مواقع الإنتاج ومعابر الترويج من حولها دون قدرة على التأثير فيها.

ومع تقدم التكتل الجديد تفقد السعودية كل دورها في التأثير على السياسيات الدولية الأمريكية خاصة والغربية عامة بما في ذلك احتكار التفاوض باسم فلسطين باعتبارها راعية القضية وحامية القدس الشريف. بمعنى لن يبقى لآل سعود شيئا يبيعونه للعالم.

التكتل يحرر قيادة المسلمين من السعودية. لذلك نفهم التنمر السائد الآن في وسائل إعلامها الموجهة والتي أعلنت النفير وشنت الحرب الكلامية في انتظار إعلان التحالف البين مع الصهاينة ضمن مشروع القرن للحرب على هذا التكتل واحتمالات نجاحه.

التكتل سيولد وله أعداء أكثر من الأصدقاء ولن تكون السعودية إلا رأس حربة سيضطرها أعداء التكتل إلى دفع المزيد من الإثمان لحلفاء مثل الصين يلتقون معها في عداء التكتل الجديد وطبعا ستتعرض إلى المزيد من الابتزاز من قبل الصهاينة ضمن صفقة القرن نظير نصرة أمريكية وصهيونية.

ولكن الخوف من الأعداء لا يعيق الراغبين في تملك القوة. هذا قانون تاريخي نرى أن المتحالفين الجدد لا يولونه أهمية وإن كنا نحسب أنهم سيحسبون له حساباً. ويكفي أن نتذكر حجم اقتصادهم وحجم أسواقهم لنقول إنهم رغم كل العوائق يملكون أسباب البقاء والنجاح. ولا تملك السعودية في مواجهتهم بأقل من خمسين مليون ساكن وجيش انهزم في كل حرب خاضها إلا نظم قصائد الرثاء على زمن صدق فيه بعض الناس أن آل سعود يخدمون الإسلام فعلا. ولكن الأيام دول بين الناس ونسمي ذلك بالقانون التاريخي.

(المصدر: تي آر تي TRT العربية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى