مقالاتمقالات مختارة

لقاء الأزهر والفاتيكان

بقلم زينب عبد العزيز – صحيفة الأمة الألكترونية

تم انعقاد حلقة نقاشية يومي 22 و23 فبراير الماضي (2017) بمركز الحوار بالأزهر ووفدا من الفاتيكان، برئاسة الكاردينال چان لوي توران، حول “دور الأزهر الشريف والفاتيكان في احتواء التعصب والعنف باسم الدين”. وقد ضم كل وفد خمسة عشر مشاركا، وتضمن وفد الفاتيكان المونسنيور خالد عكاشة، المسلم السابق و”رئيس مكتب الحوار مع الإسلام”، واللهم لا تعليق.. وقد تم اختيار هذا التاريخ تحديدا احتفالا بذكرى زيارة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، الذي كان قد أعلن صراحة وعلنا، عام 1982، عن قرار مجمع الفاتيكان الثاني تنصير العالم وأنه قرار لا نقاش ولا رجعة فيه.. كما كان مجمع الفاتيكان الثاني (1995) قد أنشأ أثناء انعقاده لجنتان خاضعتان لرئاسة البابا مباشرة، احداهما من أجل “تنصير الشعوب” والأخرى من أجل “الحوار بين الأديان”.. وفي عام 1998 تم إنشاء لجنة الحوار بين المجلس البابوي والأزهر للحوار بين الأديان.

الكاردينالچان لوي توران :

 في شهر نوفمبر الماضي (2016)، عقد الكاردينال توران اجتماعا صحفيا في مدينة لورد، تمهيدا للقائه في القاهرة، وفيما يلي بعضا مما صرح به : “سنناقش أساسا مسألة رعوية : كيفية التعايش مع الإسلام. وهنا لا بد من تعريف كلا من المسيحية والإسلام، وهل من الممكن أن نعمل معا لصالح المجتمع … هناك بوادر طيبة، ففي 2015 قام شيعة إيراد بترجمة “كتاب التعليم الديني للكنيسة الكاثوليكية إلى اللغة الفارسية لكي نتعارف بصورة أفضل”. وللعلم، هذا الكتاب صدر سنة 1992 ويتضمن شرحا للكتاب المقدس بكل ما تود الكنيسة أن يعرفه الأتباع أو أي قارئ كان، وليس الكتاب المقدس نفسه.. ويواصل الكاردينال حديثه للصحافيين قائلا: “استعدنا العلاقات مع الأزهر التي كانت قد توقفت منذ أحد عشر عاما”، لكنه لم يفصح عن السبب وهو السب المتعمد للإسلام والرسول عليه الصلاة والسلام في المحاضرة التي ألقاها البابا السابق بنديكت 16، لكن الكاردينال توران أشار متعمدا إلى”الخطاب الـ 138 والفاتيكان “(2007)، ذلك الخطاب الذي بادر من وقعوا عليه باستجداء معاودة الحوار بزعم أننا نعبد نفس الإله !!.

وأوضح الكاردينال توران للصحفيين أنها كانت أول مرة يستجدي فيها المسلمون معاودة الحوار مع الفاتيكان، لأن الإرهاب يهمش الكثير من الجهود، فنحن محكوم علينا بالحوار.. إما الحوار أو الحرب”. كما أثار مسألة التعليم الديني في المدارس..

والكاردينال جان لوي توران، لمن لا يعرفه، هو القائل في نوفمبر 2007 “حينما يتعلق الأمر بالحوار مع المسلمين فإنه يكون مستحيلا وأن المسلمين إذا كانوا يريدون حوارا مع الفاتيكان فعليهم أن يتخلوا عن تقديسهم للقرآن الذي يعتقدون أنه كلام الله الذي لا يقبل النقد” (وارد في جريدة الأسبوع 6/3/2008). وهو ما يذكرني بالوثيقة التي وقعت عليها لجنة حوار الأديان بالأزهر، أيام الشيخ الزفزاف، في إبريل 2005، مع وفقد أمريكي أطلق على نفسه اسم “سفراء السلام” وهي الوثيقة التي تدعو إلى حرية التبشير في العالم الإسلامي، وهي الوثيقة الصادرة عن وزارة الدفاع الأمريكية، وكان التقرير يتحدث عن إعادة تشكيل المجتمعات الإسلامية..

عودة إلى لقاء الأزهر والفاتيكان :

 من الغريب ألا ترد أية إشارة في هذا الحوار، منذ يومين، بين الأزهر والفاتيكان، حول حقيقة الإرهاب التي لم يعد يجهلها أي إنسان، وأن التنظيم المدعو “داعش” هو من اختلاق المخابرات المركزية الأمريكية لهدفين أساسيين:

1 ـ إن أعضاء هذا التنظيم هم جنود التحالف العسكري الغربي ووسيلته في هز وزلزلة الدول العربية والإسلامية التي يريد استغلالها، فهم الذين قاموا بتدريبه وتمويله وتزويده بالعتاد والمعدات باعترافاتهم الرسمية. كما انه يمثل الحجة التي يبررون بها التدخل في الشؤون الداخلية لتلك البلاد بزعم “الحرب على الإرهاب”.

2 ـ هؤلاء المرتزقة الذين يعتمدون كلية على قادة الإرهاب في الغرب هم أدوات شيطنة إجرامية لقتل المدنيين لتبرير إجراءات إقامة دولة بوليسية تحمي “الديمقراطية” ويستخدمونهم لتجنيد الرأي العام في الغرب ضد الإسلام والمسلمين.

والمقصود من كل ذلك الخلط هو شن حربا غير شرعية لغزو الشرق الأوسط تحت لافتة “الحرب العالمية على الإرهاب”.. ويعلم الله لماذا لم يصدر عن لجنة الأزهر الموقرة إن الإرهاب هو نفسه ذلك الغرب الصليبي المتعصب، الذي يقود هذا العنف الصارخ الذي اختلقه للسيطرة على الموارد الطبيعية بأنواعها ولفرض ديانة اختلقوها، وتكفي مطالعة مقال “الكتاب المقدس والإرهاب” لنرى الإرهاب الحق..

وقد أوردت جريدة “لا كروا” الفرنسية التابعة للفاتيكان ومؤسساته، في عددها الصادر أمس، 24 فبراير 2017، ان السيد عبد الرحمن موسى، مستشار الإمام الأكبر للعلاقات الخارجية، صرح بأنهم “اجتمعوا لتبادل النقاط المشتركة، وليدينا الكثير، وللعثور على وسيلة لدمجها”، مضيفا: “إذا استطعنا إقامة السلام بين رجال الدين، سيكون من الأسهل نقلها لأتباع الديانتين”! فهل  يُفهم من هذا ان المطلوب مننا هو دمج الديانتين وطمس معالم الإسلام ؟

بينما قال الكاردينال لوي توران في نفس مقال جريدة “لا كروا”: “إن مثل هذا اللقاء بمثابة هدية للإنسانية، إذ عندما ننقسم تعد خدمة للتطرف”، مضيفا “إن الحوار تم في نطاق اهتمامات البابا فرنسيس الذي وضع قضية الحوار بين الأديان من أولويات رئاسته”.. وتقول الجريدة في ختام هذا المقال: “إن التوقعات تختلف اليوم في الأساس، فبينما يتطلع الفاتيكان إلى عمل لاهوتي متعمق، من خلال لقاءات منتظمة، يرى الأزهر ـ الواقع في خلافات مع السيسي لرفضه تحديث الخطاب الديني ـ يقوم بحسابات سياسية. إذ إن وجهة نظر الأزهر حاليا هي تصويب صورة الإسلام أولا. وإن كنا نتحاور معهم فهو لكي يدرك الأزهر موقف الكنيسة ولكي نجد أرضية مشتركة للحوار”..

بينما أكد الكاردينال توران قائلا: “إن المسؤولين الدينيين يجب أن تكون لديهم الشجاعة للتعبير عن رفضهم للعنف الذي يُمارس باسم الدين، وان المتعصبين   والمتطرفين هم السبب الأساسي للرأي المسيء حول الأديان”. وقد أوصي بإغلاق محطات التلفاز ومواقع الإنترنت التي تروج للأفكار المتطرفة.. وينتهي مقال جريدة “لا كروا” بأن هناك خبر يتردد في أروقة الأزهر يشير إلى أن البابا فرنسيس، الذي كان قد دعاه البطريرك تواضرس الثاني حينما التقي به، كما دعاه الإمام الأكبر أحمد الطيب، قد يأتي قريبا لزيارة مصر”..

أما التوصيات الثلاثة عشر التي تضمنتها الوثيقة التي تمخض عنها هذا اللقاء، فهي بحاجة إلى مقال على حدة، لكل ما تضمنته هذه البنود صراحة أو بعبارات ملتوية ..

وقبل أن أنهي هذا العرض الخاطف وكل ما يتضمنه من مرارة مؤلمة، ليت المعنيين بالحوار في الأزهر يدركوا معنى عبارة”الحوار بين الأديان”، التي يعني في النصوص الفاتيكانية: “كسب الوقت حتى تتم عملية التنصير”.. وليت أعضاء اللجنة الموقرة، بل وكل الأزهر، كمؤسسة دينية لها مكانتها في العالم الإسلامي، أن يطلب من سيادة البابا فرنسيس قبل دعوته وقبل حضوره، أن يعترف بالإسلام ديناً منزلا من عند الله، بدلا من إزاحته ووضعه ضمن ديانات جنوب شرق آسيا، وأننا يقينا “لا نعبد نفس الإله” معه.. لأنه لا يكف عن ترديد هذه العبارة رسميا في كثير من خطبه، وأننا نؤمن ونصلي كل يوم بسورة الإخلاص، التي لا يمكن بتر نصفها لكي نرضيه، فهي تنص على كل مسلم مؤمن بدينه قول: “قل هو الله احد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد”، وتوضيح أن نصفهاالثاني هذا، الذي ألغوه في ذلك الخطاب المشؤوم، يثبت ما قامت به الكنيسة من تحريف في رسالة السيد المسيح، ذلك النبي المقتدر، عليه السلام، بتأليهه في مجمع نيقية الأول سنة 325 م، ثم أضافت لهذه البدعة بدعة الشرك بالله عز وجل، هي بدعة التثليث، الذي تم فرضه في مجمع القسطنطينية سنة 381 م..وكلها أحداث ثابتة في وثائقهم ومراجعهم.

ليت المسلمون في الأزهر، وجميعهم أحسبهم مسلمون مؤمنون، أن يطلبوا صراحة من الفاتيكان وكل العاملين به وخاصة من البابا فرانسيس، قبل دعوته وحضوره، أن يرفعوا أيديهم عن الإسلام، وان يكف ذلك الكيان الكنسي عن المطالبة بتعديل النص واقتلاع الآيات التي تثبت ما قاموا به من تحريف في الرسالتين السابقتين.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى