بقلم أويس عثمان
من الطبيعي أن تجد هناك تنوعاً واختلافاً في قراءة المشهد السياسي، خصوصاً إذا كان بالغ التعقيد كما يجري حالياً في #سوريا، وما يرافقه من مشاهد جعلتها أشبه بملعب كبير، يلعب فيه من يشاء ونبقى نحن المتفرجون، تماماً كحال من يجلس على المدرجات، أو يشاهد المبارة خلف شاشة التلفاز.
لا أحد ينكر حجم الجريمة والمؤامرة التي تستهدف أمتنا، وليس سوريا فحسب، بل إن المؤامرة تستهدف دولنا جميعها خصوصاً تلك التي تحيط بالكيان الصهيوني، وعلى الأخص منها أهل #فلسطين، الذين أذاقوا الاحتلال الموت في العديد من المواقع والمواجهات.
سوريا باتت ضحية لنظام مجرم لم يراع إلاً ولا ذمة، وتربع على عرش القتلة و سفاكي الدماء، بالإضافة إلى الدول العظمى والتي تسعى لتقاسم النفوذ على هذا البلد المبارك، وفي الوقت نفسه باتت ضحية للفرقة وسوء قراءة المشهد من قبل المعارضة، وتغليب المصالح الفردية عند الكثير منهم على مصلحة الوطن والثورة.
ونظراً لطبيعة المشهد الضبابي والمتشح بالسواد، فإنه انعكس بلا شك على مواقف الحركات الإسلامية وخصوصاً حركة #حماس، التي تعتبر في مقدمة الحركات التي تنادي بالحرية ورفض الظلم ومقاومة الاحتلال حتى تحرير الأرض والإنسان.
فباتت تصرفات الحركة، وبياناتها محل رصد ومتابعة، وهذا أمر طبيعي، إذ الحركة منذ انطلاقتها وهي تملك رصيداً شعبياً كبيراً، نظراً للتضحيات التي قدمتها وما زالت تقدمها، ونظراً لطبيعة العدو الذي تحاربه، والقضية التي تدافع عنها والتي تعتبر أعدل وأقدس قضية في وقتنا الحالي.
تملك الحركة منذ انطلاقتها رصيداً شعبياً كبيراً، نظراً للتضحيات التي قدمتها وما زالت تقدمها، ونظراً لطبيعة العدو الذي تحاربه، والقضية التي تدافع عنها والتي تعتبر أعدل وأقدس قضية في وقتنا الحالي
لكن ومنذ اندلاع الثورة السورية، باتت مواقف الحركة تجاه الوضع السوري خصوصاً محل تشكيك من قبل البعض، إما بدافع العاطفة الجيّاشة التي تطالب الحركة باتخاذ مواقف حاسمة، تتفوق في بعض الدعوات على مواقف فصائل المعارضة السورية نفسها!
أما الدافع الثاني، فيتمثل بالسعي لتقويض سمعة الحركة، والتقليل من شعبيتها، عبر التشكيك بقياداتها، وثوابتها، وتجاهل العديد من المواقف والتضحيات التي قدمتها الحركة، في سبيل تصفية الحسابات معها، مما يخدم الاحتلال بالشكل الأول، وفي نفس الوقت يخدم أربابهم الذين يسعون لتصفية الحسابات مع جماعة الإخوان المسلمين عموماً، وعلى رأسهم “حماس” كأحد فروع الجماعة، وذراعها المقاوم في فلسطين.
بين الانتقاد والارتزاق!
ليس من المقبول أبداً الحجر على الآراء وإغلاق باب النقد تجاه السياسات الداخلية، فالنقد والمعارضة وتعدد الاجتهادات والاختلاف، هي ظواهر صحية تسهم بقوة في ديمومة الحياة التنظيمية الداخلية، وتحارب بدورها الاستبداد والانحراف بالحركة عن بوصلتها الصحيحة ، لكن هناك فرق بين الانتقاد والتشكيك والدخول في النوايا.
مع بالغ الأسف، بات البعض في انتقادهم للحركة، يخرجون من دائرة النقد والحرص عليها واختلاف الرأي، إلى التماشي مع ما يشيعه “المرتزقة” أتباع المستبدين، من بث الإشاعات، وضرب سمعة الحركة، والإنكار لتاريخها المجاهد، وما تواجهه اليوم من تحديات ومصاعب تستهدف الفتك بها وتدميرها.
بات البعض في انتقادهم للحركة، يخرجون من دائرة النقد والحرص عليها واختلاف الرأي، إلى التماشي مع ما يشيعه “المرتزقة” أتباع المستبدين، من بث الإشاعات، وضرب سمعة الحركة، والإنكار لتاريخها المجاهد، وما تواجهه اليوم من تحديات ومصاعب تستهدف الفتك بها وتدميرها
وأصبح أولئك بتشكيكهم يشكلون أبواقاً إضافية تخدم الاحتلال، وتخدم مصالح أولئك الذين يسعون للتطبيع مع الكيان الصهيوني والتنازل عن القدس، لأن كلاً من الاحتلال وأعوانهم، يعلمون أن الحركة هي على رأس المدافعين عن قضية الأمة الأهم والأبرز، فإن سقطت سقطت القضية وضاعت وحقق الاحتلال وأعوانه مرادهم. و لا يخفى على أي أحد، أن ما يستهدف غزة اليوم من حصار وتضييق، وحملات التشويه “الرسمية” وغير الرسمية للحركة، ومهاجمتها ليل نهار، هي مقدمة للسعي لتصفيتها وإنهاء وجودها، أو على الأقل تدجينها ، لتصبح معارضة صورية لا تملك سوى الشجب والإدانة.
لا عصمة.. ولا ظلم
لا أدعي العصمة لمن يتولون شؤون الحركة وإدارتها، فهم بشر مثلنا يصيبون ويخطئون، ولا يعني وجود تاريخ طويل لهم من المقاومة والجهاد أن قراراتهم منزهة عن النقد والاعتراض، بل إن القادة أنفسهم يدركون أنهم قد يصيبون ويخطئون!
لكن في نفس الوقت علينا أن لا ندعي العصمة لاجتهاداتنا وآرائنا، فما نراه خطأ قد يكون صواباً، وما ننكر عليه قد يكون خاطئاً إن اطلعنا على التفاصيل والوقائع التي رافقت هذا الموقف أو ذاك.
علينا أن لا ندعي العصمة لاجتهاداتنا وآرائنا، فما نراه خطأ قد يكون صواباً، وما ننكر عليه قد يكون خاطئاً إن اطلعنا على التفاصيل والوقائع التي رافقت هذا الموقف أو ذاك
لكن من الظلم والإسفاف، أن يوقعني اختلاف الرأي في منزلق الخروج عن الأخوة، بحيث أدعي السقوط، أو التبعية لطرف هنا أو هناك، أو التخلي عن المبادئ، أو الدعاء عليها بالفشل والبوار.
ولهذا من المنطق أن أخالف هذا القرار أو ذاك، وأراه غير صحيح أو خاطئ، لكن على أن يكون مصحوباً بحسن الظن، ففي النهاية نقول “اجتهدوا فأخطؤوا”، أو “لعل لهم من الظروف ما أجبرتهم على ذلك”، أو “نسأل الله أن يلهمهم لاتخاذ الصواب في المرات القادمة” المهم أن لا أكون ضمن معاول هدم شعبية الحركة والإضرار بها.
لا للعاطفة
أدرك تماماً حجم القهر الذي يتملك كل منا وهو يشاهد الشهداء في سوريا يتساقطون يومياً بكافة أنواع الأسلحة، ولا أنكر أننا ما نفيق من صدمة إلا وأتتنا صدمة أشد وأبشع من سابقتها، فالثورة السورية قدمت أكثر من نصف مليون شهيد -على أقل تقدير- والمشهد بات أكتر قتامة، والمستقبل بات أكثر سواداً -في رأيي- من ذي قبل.
فنحن كأفراد بلا شك يتملكنا الغضب، والقهر، بل وربنا نشتم وندعو على ذلك النظام المجرم ومن معه أمام الناس وعلى صفحاتنا وغيرها، وهذا طبيعي، فإن لم تحرّك تلك المجازر شيئاً فيك، فاعلم أن إنسانيتك قد ماتت!
فلو أن فلاناً شتم ذاك النظام، أو قال كلاماً يؤيد الثورة، أو حتى يرفض العدوان الأمريكي على سوريا، فمن سيأبه له، غير مئات من الأفراد ممن يتشاركون معه وسائل التواصل، ومن سيتضرر بقوله أو تصرفه؟!
لكن حينما تتحدث حركة لها وزنها كحركة حماس، بعاطفية، ودون موازنة، فإن الأمر يعني خطوة غير محسوبة قد تكلف الفلسطينيين غالياً، ويكفي شعبنا ما عاناه تاريخياً جراء القرارات التي أضرت به، وعصفت بمصالحه، في العديد من الدول.
إن المنهجية الصحيحة التي أراها في التعامل مع هذا الأمر والتي تلخص ما سبق تتمثل بما يلي:
1- الثقة بالقيادة، وإحسان الظن بهم، فلست أحرص على الدعوة منهم، ولابد من إدراك أن لديهم من التفاصيل والوقائع التي ربما لم أطلع عليها والتي إن اطلعت عليها لتغير حكمي في الأمر، أو لعذرتهم على مواقفهم.
2- الاستماع إلى وجهة النظر الأخرى، فليس شرطاً أن أكون على صواب، بل قد تكون هناك وجهات نظر منطقية مقبولة، وفي حالة وجود ذلك فإن الأمر يعني وجود تعدد في الرأي والاجتهاد وهو أمر مقبول ومستساغ.
ليس شرطاً أن تكون على صواب، بل قد تكون هناك وجهات نظر منطقية مقبولة، وفي حالة وجود ذلك فإن الأمر يعني وجود تعدد في الرأي والاجتهاد وهو أمر مقبول ومستساغ
3- لا يقبل بأي حال التشكيك في النوايا أو إطلاق التهم المختلفة، فهذا خروج عن المنطق والهدي الصحيح في التعامل مع هذه القضايا، وخدمة للاحتلال وأعوانه في ضرب شعبية الحركة وانتشارها بين الناس.
4- الحرص على الاستفسار عن هذا الموقف في حال توفرت الفرصة لذلك، وعدم فصل موقف معين عن باقي المواقف تجاه هذه القضية أو تلك، فلربما يكون لها معنى مختلف إن وضعت ضمن سياق المواقف العامة.
5- الدعوة لهم بالهداية والسداد، والعمل على تقديم النصح لهم، وفي حال عدم القناعة بتصرفاتهم وكنت منتمياً لهم، فبإمكانك ترشيح غيرهم ممن يتولون هذا المكانة إن رأيتهم أجدر بذلك وأولى.
(المصدر: موقع بصائر)