مقالاتمقالات مختارة

لا تحسبنّ أنّ الشعب الجزائري فقد وعيه ويقظته

لا تحسبنّ أنّ الشعب الجزائري فقد وعيه ويقظته

بقلم أ. د. عمار طالبي

إنّ ما نشاهده من مظاهرات سليمة واعية لا تجد بينها عنفا، ولا تخريبا ولا حرقا، ولا عدوانا على الممتلكات العامة والخاصة، له دلالة قوية، فإنّ الشعب الجزائري ما يزال على العهد، واعيا مدركا لوضع وطنه، تواقا لمستقبل أفضل، ولديمقراطية، وحرية، تحفظ كرامته ووجوده، ووحدته الوطنية، ولاشك أنّه يشعر بوجود أزمة أخلاقية اقتصادية سياسية، ولا يقبل مصادرة حقه في ممارسة حريته عن طريق مؤسسات تمثله أصدق تمثيل، لا يرضى أي نوع من أنواع الفساد، والرداءة، وثقافة اليأس، أو تهديد الأمن الوطني، ولا يرضى أن يتراجع دور الجزائر على المستوى العالمي، ولا يقبل الاستخفاف به ولا الإصرار على تغييبه عن ممارسة حقوقه المشروعة، ويرغب أشد الرغبة وأقواها في الاحتكام للقواعد الديمقراطية، والركون إلى التداول على السلطة بكلّ حرية، ونزاهة، ولا يسمح لنفسه أن يدخل في نفق مظلم، ويتشوق إلى تنظيم مؤسسات شرعية قوية لمواجهة التحديات الداخلية والعالمية، ويريد تغييرا حقيقيا بطريقة سليمة حضارية للحفاظ على وطنه ودولته من أي تتفكك أو تنحل وحدته وينشد الانتقال الديمقراطي بطريق الاقتراع الحر القانوني النزيه، إننا نخشى أن تتفاقم الأزمة وتتعرض الأمة ووحدتها للخطر، إن لم يقع التغيير العاجل في هذه الانتخابات الرئاسية المقبلة، وذلك بمشاركة ديمقراطية في نظام الحكم بلا تزييف في الانتخاب وباحترام مبادئ العدالة القانونية، وعدم العدوان على الشروط الدستورية، وعدم الاعتماد المطلق على المحروقات لتمويل ميزانية المدفوعات، وعدم ارتفاع النفقات العمومية بصورة مقلقة، ونحن نرى عدم تناسب النتائج الاقتصادية مع ضخامة الأموال المرصودة للتنمية الاقتصادية مع الجهود المبذولة المعتبرة، ورغم إنفاق ما يقارب 700 مليار دولار في ظرف 15 سنة، مع ما نراه من الاضطرابات الجيوسياسية إقليميا ودوليا، وما لها من تأثير سلبي على وطننا ونخشى أن يؤدي ذلك كله إلى زيادة سوء التدبير والرداءة والفشل لا قدر الله.

إنّ ما أبداه الشعب الجزائري من وعي، والأمن من انضباط، وعدم استعمال العنف المفرط، ظاهرة طيبة تبشر بالخير والحرية، لأنّ الضغط والعنف يولد العنف، ويؤدي إلى سفك الدماء والحمد لله لم تسفك قطرة واحدة في هذه المظاهرات الشعبية، وهذا يجعلنا نؤمن أكثر بتحقيق الانتقال الديمقراطي الذي يوفر الحريات ويضمن الاستقرار، وتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية، لمصلحة كلّ الجزائريين وذلك بالرجوع إلى بيان أول نوفمبر مرجعية واضحة للدولة الجزائرية، واحترام مكونات الشعب الجزائري الأساسية ولقيمها وهويتها، وتأكيد رفض العنف بكلّ أشكاله في العمل السياسي سواء من الدولة، أو الشعب مع التحلي بالأخلاق العامة واحترام جاد لكرامة كلّ مواطن، ورفض التدخل الأجنبي رفضا مطلقا، والحفاظ على التعددية السياسية الحقيقية، وحرية الانتخابات القانونية وتحقيق دولة القانون وتنفيذه، واستقلال القضاء استقلالا واضحا ممّا يضمن الفصل بين السلطات، وإبعاد كلّ مظاهر الاحتكار السياسي والاقتصادي والإعلامي والثقافي، وتجسيد مبدأ الرقابة بكلّ أنواعها، واحترام العدالة، وتقوية الفاعلية السياسية في المجتمع الدولي، لتكون للجزائر كلمتها المحترمة كما كانت وإشاعة الثقافة الديمقراطية واحترام كرامة الإنسان باعتباره إنسانا ومواطنا عزيزا في وطنه والدفاع عنه خارج وطنه.

والعناية بالشباب وتكوينه علميا ومهنيا، ومساعدته ليكون في الجامعات باحثا علميا فعالا منتجا، فإن البحث العلمي قاطرة التقدم والتنمية، ولنصل بإذن الله إلى مجتمع اقتصاد المعرفة في عصرنا هذا. عصر العلم والتقنية.

إنَّنا نشعر بأمل قوي في ان شعبنا لا يقبل دون الحرية بديلا، ولا يرضى هوانا ولا ذلا، وتاريخه يشهد بذلك، فمهما تراكمت عليه المظالم وأصابته الأزمات فإنه يجد لها مخرجا ويتحداها وينتصر عليها وإننا نهنئه بهذه السلمية في التعبير عن الرأي الحر في مظاهراته هذه الأيام.

(المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى