إعداد الشيخ مروان الكردي
نستكمل هنا ما نشرناه على موقعنا سابقاً من مقال الشيخ مروان الكردي -حفظه الله- حول كيفية ضبط علوم اللغة والتمكن فيها وطرق تنميتها، وكانت من الحلقة الأولى عن علم النحو، والحلقة الثانية عن علم التصريف، والحلقة الثالثة عن علم البلاغة، وهذه الحلقة الرابعة والأخيرة وهي عن علم العروض:
عِلْمُ العَرُوضِ:
الْمَرْحَلَةُ الأُوْلَى: ضَبْطُ الْمُقَدِّمَاتِ وَالقَوَاعِدِ:
الدِّرَاسَةُ عِنْدَ الشُّيوخِ:
إِنَّ عِلْمَ العَرُوضِ([1]) لَيْسَ بِحَاجَةٍ إِلَى دِرَاسَةٍ كَثِيْرَةٍ عِنْدَ الشُّيوخِ بَلْ يَكْفِي الطَّالِبُ بِدِرَاسَةِ كِتَابٍ وَاحِدٍ كَـ: (مِيْزَانِ الذَّهَبِ للسَّيْدِ أَحمدَ الهَاشمِيِّ)، أَوْ: (أَهْدَى السَّبيلِ إِلَى عِلْمَي الخَليلِ لِمَحمُود الْمُصْطَفَى)، أَوِ: (الْمُرْشِدِ الوَافِي فِي العَروضِ وَالقَوَافِي لِمحمَّدِ بنِ حَسَنِ بْنِ عُثْمَانَ).
ثُمَّ يَحْفَظُ نَظْمَ صَفِي الدِّيْنِ الحِلِّيِّ فِي مَفَاتِيْحِ البُحُورِ، وَهُوَ:
طَوِيلٌ لَهُ دُوْنَ البُحُوْرِ فَضَائِلُ=فَعُولُنْ مَفَاعِيْلُنْ فَعُولُن مَفَاعِلُن
لِمَدِيْدِ الشِّعْرِ عِنْدِي صِفَاتُ=فَاعِلاتُنْ فَاعِلُنْ فَاعِلاتُ
إِنَّ الْبَسِيْطَ لَدَيهِ يُبْسَطُ الأَمَلُ=مُسْتَفعِلُن فَاعِلُن مُستَفعِلُن فَعِلُن
بُحُوْرُ الشِّعْرِ وافِرُهَا جَمِيْلُ=مُفَاعَلَتُنْ مُفاعَلَتُنْ فُعُوْلُ
كَمُلَ الْجَمَالُ مِنَ الْبُحُوْرِ الْكَامِلُ=مُتَفَاعِلُنْ مُتَفاعِلُنْ مُتَفَاعِلُ
عَلَى الأَهْزَاجِ تَسْهِيْلُ=مَفَاعِيْلُنْ مَفاعِيْلُ
فِي أَبْحُرِ الأَرْجَازِ بَحْرٌ يَسْهُلُ=مُسْتَفعِلُنْ مُسْتَفعِلُنْ مُسْتَفعِلُن
رَمَلُ الأَبْحُرِ تَرْوِيهِ الثِّقَاتُ=فَاعِلاتُنْ فَاعِلاتُنْ فَاعِلاتُ
بَحْرٌ سَرِيْعٌ مَا لَهُ سَاحِلُ=مُسْتَفعِلُنْ مُسْتَفعِلُنْ فَاعِلُ
مُنْسَرِحٌ فِيْهِ يُضْرَبُ الْمَثَلُ=مُسْتَفعِلُن مَفْعُوْلاتُ مُفْتَعِلُ
يَا خَفِيْفًا خَفَّتْ بِهِ الْحَرَكَاتُ=فَاعِلاتُنْ مُسْتَفعِ لُنْ فَاعِلاتُ
تُعَدُّ الْمُضَارِعَاتُ=مَفَاعِيلُ فَاعِ لَاتُن
اِقتَضِبْ كَمَا سَأَلُوا=مَفْعُوْلَاتُ مُفْتَعِلُ
إِنْ جُثَّتِ الْحَرَكَاتُ=مُسْتَفعِ لُنْ فَاعِلاتُ
عَنِ الْمُتَقَارِبِ قَالَ الْخَلِيْلُ=فَعُولُنْ فَعُولُنْ فَعُولُنْ فَعُولُ
حَرَكَاتُ الْمُحْدَثِ تَنتَقِلُ=فَعِلُنْ فَعِلُنْ فَعِلُنْ فَعِلُ
الدِّرَاسَةُ الفَردِيَّةُ:
كَمَا أَسْلَفْنَا فَإِنَّ عِلْمَ العَرُوضِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى دِرَاسَةٍ طَوِيْلَةٍ وَجَمْعِ كُتُبٍ كَثِيْرَةٍ وَيَكْتَفِي الطَّالِبُ بِالكِتَابِ الَّذِي يَدرُسُهُ عَلَى الشَّيخِ، ثُمَّ يَقرَأُ أَلفِيَةَ الآثَارِيِّ وَيَحْفَظُ مَا رَآهُ ضَرورِيًّا مِنْهَا لِيُسَاعِدَهُ فِي ضَبْطِ الْمُصْطَلَحَاتِ، أَوْ مِنْ مَنْظُومَاتِ غَيْرِهِ كَمَنْظُومَةِ الصَّبَّانِ أَوِ الخَزْرَجِيَّةِ أَوْ مَنظُومَةِ الشَّيْخِ مَعروفٍ النَّودهِيِّ الكُردِيِّ، وَإِذَا بَقِيَ عِنْدَهُ الْمَنثُورُ فَلَهُ تَركُ الْمَنظُومِ وَالإِقبالُ عَلَى الْمَنثُورِ إِنْ رَأَى فِيْهِ السُّهولَةَ.
الْمَرْحَلَةُ الثَّانِيَةُ: مَرْحَلَةُ التَّطْبِيْقِ:
إِنَّ طُرُقَ دِرَاسَةِ العَرُوضِ كَثِيْرَةٌ جِدًّا وَقَدْ حَاوَلَ كَثِيْرٌ مِنْ أَهْلِ الشَّأنِ تَيْسِيْرَهُ لِطَالِبِيْهِ([2])، أَمَّا الطَّرِيْقَةُ الَّتِي جَرَّبْتُهَا بِنَفْسِي وَاستَفَدْتُ مِنْهَا فَهِيَ:
- قِرَاءَةُ جَمْهَرَةٍ مِنَ الَأشْعَارِ لِمُدَّةٍ طَويلَةٍ مِنَ الزَّمَنِ، لِكَي تَتَعَلَّقَ أَشْعَارُ الفُحُولِ وَأَنغَامُهَا بِسَمْعِهِ وَتَرْسَخَ فِي ذِهْنِهِ.
- حِفْظُ عَدَدٍ كَبِيْرٍ مِنَ الْمَقطُوعَاتِ الشِّعْرِيَّةِ عَلَى البُحُورِ الشِّعرِيَّةِ كُلِّهَا، وَهذَا يُسَاعِدُهُ فِي الإِتيانِ بِمِثْلِ مَا أَتِى بِهِ الشُّعَرَاءُ الفُحُولُ، وَتَكُونُ الأَوزانُ مَأنوسَةً عِنْدَهُ وَيَكَادُ يَنْظِمُ الشِّعْرَ فِي أَوَّلِ وَهْلَةٍ مِنْ أَمْرِهِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ مَحفُوظَاتِهِ، وَبالتَّالِي يَسْتَفِيْدُ مِنْ كَلِمَاتِهِمُ البَهِيَّةِ النَّمَّاقَةِ الرَّنَّانَةِ وَتَصوِيرَاتِهِمُ الفَنَّيَّةِ البَدِيْعَةِ.
- وَضْعُ الأَنْغَامِ وَالأَلْحَانِ لِكُلِّ بَحْرٍ مِنَ البُحُورِ الشِّعرِيَّةِ، مُرَاعِيًا طُوْلَ البَحْرِ وَقِصَرَهُ، حَسَبَ تَفْعِيلَاتِهِ لِيَنْسَجِمَ اللَّحْنُ مَعَ البَحْرِ([3]).
- تَحدِيدُ يَوْمٍ أَوْ يَومَيْنِ أَوْ أَيَّامًا حَسَبَ فِطْنَةِ الطَّالِبِ وَاستِجَابَتِهِ لِهذَا العِلْمِ، لِبَحْرٍ وَاحِدٍ مِنَ البُحورِ وَلا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِهِ وَيُكَرِّرُ مَقْطُوعَاتٍ شِعْرِيَّةً وَقَصَائِدَ بِهذَا اللَّحْنِ وَالنَّغَمِ الَّذِي وَضَعَهُ للبَحْرِ، سَيَرَى بَعْدَ مُدَّةٍ أَنْهُ يُمْكِنُهُ نِسْبَةُ الأَبياتِ إِلَى هذَا البَحْرِ وَإِدرَاكُهَا بِسُهولَةٍ، إِنْ شَاءَ اللهُ تَعالَى.
- الإِتيَانُ بِبَيْتٍ أَوْ بَيْتَيْنِ للشُّعَرَاءِ الكِبَارِ وَتَقْلِيْدُهُم فِي الوَزْنِ نَفْسِهِ، وَفِي هذَا يَعْتَمِدُ الطَّالِبُ عَلَى النَّظَرِ فِي كَلِمَاتِ الشَّاعِرِ مِنْ جِهَةِ حَرَكَاتِهَا وَسَكَنَاتِهَا وَيُحَاوِلُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ تِلْكَ الكَلِمَاتِ وَيَنْظِمَهُ مُدَّةً مِنَ الزَّمَنِ، فَسَيَرَى أَنَّهُ استَفَادَ مِنْ هذِهِ الْمُحَاوَلَةِ استِفَادَةً عَجِيْبَةً بإِذْنِ اللهِ تَعَالَى.
تَكوِيْنُ الْمَلَكَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَتَنْمِيَتُهَا
وَلَا شَكَّ أَنَّ الطَّالِبَ بَعْدَ قَطْعِ مَرْحَلَةِ ضَبْطِ القَوَاعِدِ وَتَطْبيْقِهَا يَبْحَثُ عَنْ تَنْمِيَةِ مَلَكَتِهِ اللُّغَوِيَّةِ وَالإِتيَانِ بالكَلَامِ الفَصِيْحِ النَّصِيْعِ، وَلِهذِهِ الْمَرْحَلَةِ نَنْصَحُ بِالخُطوَاتِ التَّالِيَةِ:
- إِمْعَانُ النَّظَرِ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى وَالتَّدَبُّرُ فِيْهِ وَالِاستِفَادَةُ مِنْ أَسَالِيْبِهِ لأنَّهُ أَفْصَحُ كَلَامٍ مَنْثُورٍ عَلَى الإِطْلاقِ.
- الِاشْتِغَالُ بالدَّوَاوينِ الشِّعرِيَّةِ وَشُروحِهَا وَلَا سِيَّمَا الفَطَاحِلَ مِنْهُم كَامرِئِ القَيْسِ وَزُهَيْرٍ وَكَعْبٍ وَالنَّابِغَةِ وَالأَعْشَى وَعُبَيْدِ بنِ الَأبْرَصِ وَطُرْفَةَ وَعُمْرَ بنِ أَبِي رَبِيْعَةَ وَالْمُتَنَبِّيِّ وَابنِ الرُّومِيِّ وَأبِي تَمامٍ وَجَرِيْرٍ وَالفَرَزْدَقِ وَالشَّرِيْفِ الرَّضِيِّ وَغَيْرِهِم مِنْ مِئَاتِ الشُّعَرَاءِ الكِبَارِ([4]).
- الإِلْمَامُ بِكُتُبِ الْمُتَقَدِّمينَ مِنَ البُلَغَاءِ كَالجَاحِظِ([5]) وَابنِ قُتَيْبَةَ([6]) وَالْمُبَرَّدِ([7]) وَابنِ الْمُقَفَّعِ([8]) وَأبِي حَيَّانَ التَّوحِيْدِيِّ([9]) وَأبِي مَنْصُورٍ الثَّعَالِبِيِّ([10]) وَابنِ الجَوْزِيِّ([11]) وَالصَّلاحِ الصَّفَدِيِّ([12]) وَالحَرِيْرِيِّ([13]) وَغَيْرِهِم مِنْ أَئِمَّةِ البَيَانِ وَاللِّسَانِ وَعَلَى رَأسِهِمُ الإِمَامُ الأَلْمَعِيُّ أَبُو هِلَالٍ العَسْكَرِيُّ ذُو التَّصَانِيْفِ الجِيادِ([14]). فَالعُلَمَاءُ كَثيرونَ وَالكُتُبُ كَثِيْرَةٌ وَلَا يُمْكِنُ الإِيمَاءُ إِلَى الكُلِّ، وَفِي هذَا القَلِيلِ كِفَايَةٌ، وَالطَّالِبُ أثنَاءَ رحلَةِ البَحْثِ وَالتَّتَبُّعِ للقِرَاءَةِ يَقِفُ عَلَى مَا لَا يأتِي بِبَالِ العَبْدِ الضَّعِيْفِ.
- الإِلْمَامُ بِكُتُبِ الْمَقَامَاتِ([15])، لأنَّ فِيْهَا تَصْوِيراتٍ فَنِيَّةً رَائِعَةً وَكَلِمَاتٍ جَذَّابَةً مُزَخْرَفَةً، وَلَا سِيَّمَا مَقَامَاتِ الحَرِيْرِيِّ وَشُروحَهُ وَمَقَامَاتِ بَدِيْعِ الزَّمَانِ الهَمَذَانِيِّ وَمَقَامَاتِ الزَّمَخْشَرِيِّ وَمَقَامَاتِ السُّيوطِيِّ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْمَقَامَاتِ.
- الِاعْتِنَاءُ بِكُتُبِ الأمَالِي([16]) وَشُرُوحِهَا كَأَمَالِي القَالِي وَأمَالِي ابنِ الشَّجرِيِّ وَمَجَالِسِ ثَعْلَبٍ أَوْ أَمَالِيْهِ وَأمَالِي ابنِ الحَاجِبِ وَغَيْرِهَا مِنَ الكُتُبِ الكَثِيْرةِ للمُتَقَدِّمينَ وَالْمُتَأخِّرينَ، فَفِي هذِهِ الكُتُبِ مِنَ الفَوَائِدِ وَالدَّقَائِقِ مَا اللهُ بِهَا عَلِيْمٌ.
- قِرَاءَةُ كُتُبِ البُلَغَاءِ مِنَ الْمُعَاصِرينَ كَمُصْطَفَى صَادِقٍ الرَّافِعِيِّ وَمَحمُود أحمَد شَاكرٍ وَمُصْطَفَى لُطْفِي الْمنفلُوطِيِّ وَغَيْرِهِم.
وَإِذَا أَقْبَلَ الطَّالِبُ عَلَى هذِهِ الكُتُبِ وَأمْعَنَ النَّظَرَ فِيْهَا وَجَدَ بَلَاغَةً وَفَصَاحَةً بإِذنِ اللهِ تَعَالَى وَيَتَرَقَّى أسلُوبُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا مَا دَامَتْ أَنْفَاسُهُ تَتَعَانَقُ مَعَ أَنْفَاسِ البُلَغَاءِ وَالفُصَحَاءِ.
وَلَا أَخْتَارُ تَرْتِيْبًا للمُبْتَدِي فِي قِرَاءَةِ هذِهِ الكتُبِ وَاختِيَارِ هؤلَاءِ العُلَماءِ، لأَنَّهُ لَوْ دَرَسَ بالْمَنْهَجِيَّةِ الَّتِي رَسَمْنَاهَا وَلَازَمَهَا وَأَتْقَنَهَا، لَفَهِمَ تِلْكَ الكُتُبَ لِأنَّهُ يَمْلِكُ آلَةَ الفَهْمِ وَتُسَاعِدُهُ تِلْكَ الْمَنْهَجِيَّةُ الرَّصِيْنَةُ بإِذْنِ اللهِ تَعَالَى.
وَهذَا كُلُّهُ للْمُخْتَصِّ أَوْ لِطُلَّابِ العُلُومِ الشَّرعِيَّةِ، وَإِذَا أَرادَ الطَّالِبُ ثَقَافَةً عَامَّةً فَقَط، فَعَلَيْهِ فِي النَّحوِ بِكِتَابِ (النَّحوِ الوَاضِحِ)([17]) وَفِي الصَّرْفِ بـ(شَذَا العَرفِ) وَفِي البَلَاغَةِ بِـ(جَواهِرِ البَلَاغَةِ)، وَمَعَ هذَا يُمْعِنُ النَّظَرَ فِي كُتُبِ أُدَبَاءِ العَصْرِ كَالَّذينَ أَشْرَنَا إِلَيْهِم وَغَيْرِهِم، سَيَسْتَفِيدُ بإِذنِ اللهِ تَعَالَى وَفِي هذَا كِفَايَةٌ لَهُ إِنْ أَتْقَنَهُ. وَاللهُ تَعَالَى أَعلَى وَأَعْلَمُ.
([1]) يُعْرَفُ بِهِ صَحِيْحُ الشِّعْرِ مِنْ سَقِيْمِهِ.
([2]) إِنَّ أَشْهَرَ الطُّرُقِ لتَعْلِيْمِ العَروضِ هِيَ طَرِيْقَةُ التَّقْطِيْعِ بِالكِتَابَةِ العَروضِيَّةِ (وَهِيَ يُكْتَبُ مَا يُقْرَأُ وَيُتَلَفَّظُ بِهِ وَيُطْرَحُ مَا لَا يُقْرَأُ)، ثُمَّ وَضْعُ عَلَامَةِ: (/) للْمُتَحَرِّكِ وَ: (0) للسَّاكِنِ، وَمِنْ طَرِيْقِهَا تُوضَعُ التَّفْعِيلَاتُ ومِنْ ثَمَّ يُحَدَّدُ البَحْرُ الشِّعْرِيُّ.
فَهذِهِ الطَّرِيْقَةُ صَعْبَةٌ مُشْكِلَةٌ وَالطَّالِبُ يَكُونُ بِحَاجَةٍ إِلَى وَقْتٍ طَويلٍ لإِدْرَاكِ البُحُورِ وَنِسْبَةِ الأبياتِ إِلَى بُحورِهَا، فَكَيْفَ بِضَبْطِ الزِّحَافَاتِ وَالعِلَلِ وَنَظْمِ الشِّعْرِ؟!
وَفِي هذِهِ الآونَةِ الأَخِيرَةِ ظَهَرَتْ طَرِيْقَةٌ أُخْرَى وَهِيَ مَا يُسمَّى بالعَرُوضِ الرَّقَمِيِّ، وَمِنْ هُنَا يَعْتَمِدُ الطَّالِبُ عَلَى الكِتَابَةِ الرَّقَمِيَّةِ لِمَعْرِفَةِ التَّفعِيلَاتِ، وَهُنَا أَيْضًا قَدْ تَطْرَأُ عَلَى الطَّالِبِ مَشَاكِلُ وَعَوَائِقُ.
([3]) هُنَاكَ بَعْضُ الجُهُودِ لإِنْشَادِ تِلْكَ البُحُورِ وَوَضْعِ الأَنْغَامِ لهَا، وَلكِنْ فِي بَعْضِهَا استِخدَامُ آلَاتِ الْمُوسيقَى، وَإِذَا كَانَتِ النِّيَّةُ صَافِيَةً فَلَسْتَ بِحَاجَةٍ إِلَى استِمَاعِ الْمَنْهِي عَنْهُ وَاللهُ تَعَالَى يُسَهِّلُهُ عَلَيْكَ مَا دُمْتَ تَقْصِدُ مِنْ إِتقَانِ هذَا العِلْمِ نَشْرَ العِلْمِ وَالخَيْرِ وَالدِّفَاعَ عَنِ الحَقِّ بِمَنظُومَاتِكَ وَأَشْعَارِكَ، وَلَا تَيأَسْ فَإِنَّ العُلَمَاءَ أَتْقَنُوهُ وَضَبَطُوهُ دونَ استِخْدَامِ هذِهِ الأَشْيَاءِ وَكَانَ الخليلُ ابتَكرَهُ دونَ أَنْ يَسْتَمِعَ إِلَى الْمُوسيقَى، فَأَنْتَ بِحَاجَةٍ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الجُهْدِ وَعَدَمِ العَجَلَةِ وَسَتُصْبِحُ شَاعِرًا فَحْلًا بإِذْنِ اللهِ تَعَالَى.
([4]) وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُحَدِّدَ أَشْعَرَ شُعَرَاءِ العَرَبِ لَا يُمْكِنُنَا إِلَّا بِبَحْثٍ مُفَصَّلٍ مُسْتَقِلٍّ، وَبَعْدَ ذلِكَ يَكُونُ التَّرجيحُ صَعْبًا للغَايَةِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُحَقِّقُونَ فِي ذلِكَ اختِلَافًا شَاسِعًا وَتَبَايَنتْ آرَاؤُهُم تَبَايُنًا كَبِيْرًا، وَالْمعِيَارُ العَقْلِيُّ يَقْتَضِي أَنْ نُحَدِّدَ الَأغْراضَ الشِّعرِيَّةَ وَنُمَيِّزَ أَشْعَرَ الشُّعَرَاءِ فِي هذَا الغَرَضِ، فَمَثلًا للغَزَلِ عُمَرُ بنُ أبِي رَبِيْعَةَ وَفِي الزُّهْدِ أبُو العَتَاهِيَةِ وَفِي الْمَدْحِ الْمُتَنَبِّيُّ، وَهذَا يَكُونُ صَعْبًا وَمُشْكِلًا أيْضًا، لِقُرْبِ مَرَاتِبِ الشُّعَرَاءِ فِي الغَرَضِ الوَاحِدِ.
([5]) وَمِنْ كُتُبِهِ: البَيَانُ وَالتَّبِيينُ، الحَيوَانُ، الرَّسَائِلُ، البُخَلَاءُ، وَغَيْرُهَا كَثِيْرٌ.
([6]) وَمِنْ كُتُبِهِ: الشِّعْرُ وَالشُّعَرَاءُ، عُيونُ الأَخبارِ، غَرِيْبُ القُرآنِ، غَريبُ الحَدِيْثِ، الْمَعَانِي الكَبِير فِي أبياتِ الْمعَانِي، أَدَبُ الكَاتِبِ، وَغَيْرُهَا كَثِيْرٌ.
([7]) وَمِنْ كُتُبِهِ: الكَامِلُ، التَّعَازِي وَالْمَرَاثِي، الفَاضِلُ.
([8]) وَمِنْ كُتُبِهِ: كلِيلةُ ودمنَةُ، الأدبُ الكبيرُ، الدُّرَّةُ اليَتِيمَةُ، وَغيرُهَا مِنَ الرَّسَائِلِ الْمُفيدَةِ.
([9]) وَمِنْ كُتُبِهِ: الإِمْتَاعُ وَالمؤانَسَةُ، البَصَائِرُ وَالذَّخَائِرُ، الصَّداقَةُ وَالصّديقُ، وَغيرُهَا.
([10]) وَمِنْ كُتُبِهِ: فِقْهُ اللُّغَةِ، اللُّطَفُ وَاللَّطَائِفُ، التَّمَثُّلُ وَالْمُحَاضَرَةُ، الإِعْجَازُ وَالإِيْجَازُ، خَاصُّ الخَاصِّ، النِّهَايَةُ فِي الكِنَايَةِ، ثِمَارُ القُلُوبِ، يَتِيْمَةُ الدَّهْرِ، فَهُوَ حَامِلُ لِوَاءِ البَلَاغَةِ وَالفَصَاحَةِ فِي عَصْرِهِ بِلَا مُنَازِعٍ وَلهُ كُتُبٌ كَثِيرَةٌ غَيرُ هذِهِ.
([11]) وَمِنْ كُتُبِهِ: صَيْدُ الخَاطِرِ، الْمُدْهِشُ، بَحْرُ الدُّمُوعِ، وَكُتُبُهُ الأُخرَى الغَرِيبَةُ العَجِيْبَةُ.
([12]) وَمِنْ كُتُبِهِ: لَوْعَةُ الشَّاكِي وَدَمْعَةُ البَاكِي، تَصْحِيحُ التَّصْحِيفِ وَتَحْرِيرُ التَّحرِيفِ، نُصْرَةُ الثَّائِر عَلَى الْمَثَلِ السَّائِرِ، نكثُ الهِمْيَانِ في نُكَتِ العُمْيَانِ، تَوْشِيْعُ التَّوشِيْحِ، الشُّعُورُ بالعُورِ، جَلْوَةُ الْمُذَاكَرَةِ فِي خَلْوَةِ الْمُحَاضَرَةِ، تَشْنِيفُ السَّمْعِ فِي اكِتِسَابِ الدَّمْعِ، وَغَيْرُهَا مِنَ الكُتُبِ البَلِيْغَةِ وَالرَّسَائِلِ النَّصِيْعَةِ الفَصِيْحَةِ.
([13]) وَمِنْ كُتُبِهِ: الْمَقَامَاتُ، دُرَّةُ الغَوَاصِ فِي أَوْهَامِ الخَوَاصِّ.
([14]) وَمِنْ كُتُبِهِ: دِيوَانُ الْمَعَانِي، الفُرُوقُ اللُّغَوِيَّةُ، كِتَابُ الصنَاعَتَيْنِ(الكِتَابَةِ وَالشِّعْرِ)، جَمْهَرَةُ الأَمْثَالِ، كُتُبُهُ فِي التَّصْحِيْفِ مُفِيْدَةٌ جِدًّا وَلَيْسَتْ بِحَاجَةٍ إِلَى التَّوصِيْفِ وَالتَّدليلِ.
([15]) أُسلوبُ الْمَقَامَةِ مِنَ الأسالِيبِ البَدِيْعَةِ فِي الأدَبِ العَرَبِيِّ يَقومُ الكَاتِبُ بِسَرْد ِمَقطُوعَاتٍ قصَصيَّةٍ رَاقِيَةٍ بِألْفَاظٍ جَزلةٍ وَحبكٍ أدبيٍّ سَلِسٍ رَنَّانٍ مِنَ الكَلَامِ الْمَنثُورِ وَالْمَنظُومِ، وَيَخلُقونَ لَهَا بَطَلًا وَهميًّا للأغْرَاضِ الَّتِي يَكتُبُهَا الْمُصَنِّفُ، وَقَدْ يَكُونُ الشَّخْصُ وَاقِعِيًّا.
([16]) وَهُوَ جَمْعُ إِمْلَاءٍ وَهُوَ قِيامُ الشَّيْخِ بِإملاءِ مَا عِنْدَهُ مِنَ العِلْمِ وَالْمَعرِفَةِ عَلَى تَلامِيْذِهِ وَهُم يَكتُبونَهُ، أو يَقُومُ بِكِتَابَتِهِ بِنَفْسِهِ فِي مُخْتَلَفِ العُلُومِ وَالفُنونِ وَالفَوَائِدِ.
([17]) وَفِيْهِ بَعْضُ الْمَسَائِلِ الصَّرْفيَّةِ أَيْضًا.
(منتدى العلماء)