بسّم الله الرَّحمن الرحيم
كيف يُؤلف الدكتور علي محمَّد الصَّلَّابي كُتبه ومَقالاته!؟
“من مَعينِ التَّجربة”
بقلم د. طالب عبد الجبَّار الدُّغيم (خاص بالمنتدى)
تُثار من حين لآخر تساؤلات وانتقادات بشأن منهجية الدكتور علي محمَّد الصَّلَّابي في تأليف كتبه ومقالاته، سواء في التفسير، أم قَصص القرآن، أم التاريخ الإسلامي. وفي بعض الأحيان تُوجه الاتهامات لشخصه عياناً بياناً عبر شبكات التواصل الاجتماعي دون تحقق أو تدقيق، مما يُجدد الجدل والنقاش الإعلامي، ويثير القيل والقال. وغالباً ما تتجه هذه الانتقادات إلى الطعن في مصداقية وأمانة الدكتور علي محمَّد الصَّلَّابي العِلمية. وبينما يتساءل أحدهم: كيف ينجح الدكتور علي الصَّلَّابي في نشر هذا الكمّ الكبير من المؤلفات والمقالات؟ يذهب آخر للقول: إن كُتبه في التاريخ الإسلامي أشبه بمن يجمع الحطب في الليل “حاطب ليل”، غير مميِز بين النافع والضار. في حين يعترض آخر على افتقار مقالاته ومنشوراته للتوثيق الدقيق، متسائلاً عن مدى اِلتزامه بالأمانة العلمية. ويُضيف آخرون نقداً حول اقتباساته دون استئذان أو استشهاد دقيق من أصحاب الكتب والمراجع المعاصرين!
وبالرغم من أن الدكتور علي محمَّد الصَّلَّابي، قد أجاب عن هذه التساؤلات مِراراً، مُبيناً في منشوراته، ولقاءاته الصحفية، وجلساته مع بعض الباحثين والمهتمين، طبيعةَ عملهِ، واِهتماماته، ومنهجيته في البحثِ والتَّصنيفِ والتأليفِ، فقد قَدَّرْتُ أنَّ من الإنصافِ أن أشارك برأيي حول أعمال ومؤلفات الدكتور علي محمَّد الصَّلَّابي، خاصة أنني عَملت معه مدة تزيد عن ستِّ سنواتٍ، راجعتُ فيها أعماله، ودقَقتها، وحرَّرتُها، وأضفت على بعضها، وكانت أكثر من خمسةَ عشر مؤلفاً. وبِحكم هذه التجربة، فإنّ تلك الأسئلة المطروحة، تدفعني لتقديم وجهة نظري، على النحو التالي:
أولاً: إن منهجية الدكتور علي محمّد الصلَّابي في التأليف لم تتغير طوال العقود الثلاثة الماضية، سواء في طريقة جمع المادة العِلمية أم في توثيقها، أم في كثرة الاستشهاد بالمصادر الأصلية، أم الكتابات الحديثة (المعتمدة)، فهو يعمل على حشد المعلومات والأدلة لتثبيت وتدعيم أفكاره، وحُججه، وأحياناً يَعتمد في الكتاب الواحد على أكثر من 150 مصدراً ومرجعاً، كما في كتابه “الدولة الحديثة المسلمة” (200 مصدر ومرجع)، وكِتابه الشهير “السيرة النبوية” (359 مصدراً ومرجعاً)، وكتابه “الأنبياء الملوك (عليهم السلام) وهيكل سليمان المزعوم” (228 مصدراً ومرجعاً)، وكتابه “لوط (عليه السلام)” (188 مصدراً ومرجعاً)، وكتابه “هود (عليه السلام)” (177 مصدراً ومرجعاً)، وكتابه “صلاح الدين الأيوبي” (215 مصدراً ومرجعاً)، وهذه على سبيل الأمثلة لا الحصر.
وهناك أمثلة كثيرة في كتب الدكتور علي الصَّلَّابي، حيث نجد في الفصل الواحد، أو المبحث الواحد من الكتاب، الذي لا يزيد عدد صفحاته عن 50 صفحة، قرابةَ 50 مصدراً ومرجعاً موثقاً. ويعتمد – أحياناً في ورقة علمية، أو مقال واحد بين 5 إلى 15 صفحة – على 20 مصدراً ومرجعاً، وذلك مع إحالة واضحة إلى صاحب المصدر أو المرجع، مع توثيق دقيق لعام ودار النشر ورقم الطبعة وغيرها، وهو لا يستند إلى مرجع واحد فحسب، بل يستمد المحتوى العلمي لكُتبه من مجموعة واسعة من المصادر والمراجع التي لا يمكنه أن يستشير جميع مُؤلفيها وأصحابها بما يأخذ من كُتبهم، أو كيف يأخذ، أو كيف يُحبون أن يأخذ! وشأنه في ذلك شأن أي باحث ومؤلف يَستنير بآثار وأعمال وأفكار من سبقه من المؤلفين والباحثين، وأهل العلم المختصين، فيقتبس أو يأخذ بتصرف، وأحياناً يُضيف على ما أخذ، وهذا دأب غالبية المؤلفين والكُتّاب في كل زمان ومكان، وما كان الدكتور علي الصلَّابي بِدعاً منهم!!
ثانياً: أمضيتُ وقتاً طويلاً في متابعة، وتدقيق، ومراجعة منهجية الدكتور علي محمَّد الصَّلَّابي في تأليف الكتب؛ من خلال تواصلي الوثيق معه، واِطلاعي المباشر على مسوَّدة الكتب الأصلية، وكوني أشرفت على مراجعة، وتحرير كثير من كتبه، فلاحظتُ – بجلاء – أنه يتبع خطةً زمنيةً مدروسةً، ومُنظمةً في عملهِ، رغم انشغاله بقضايا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ومساعيه الإصلاحية في الشأن السياسي والاجتماعي في ليبيا.
وقد بَنى خطَّته في التأليف على مراحل متتابعة؛ تبدأ من مرحلة شراء الكتب من المعارض، ودور النشر، ومن المواقع الإلكترونية، ثم ينتقل إلى مرحلة ترتيبها، وإحصائها، وسبرها، وقراءة ما ينفعه منها، ثم تلخيص كثير من أفكارها، ويستمر أكثر من شهرين أو ثلاثة أشهر متتابعة، وبعدها يعمل على تدوين المسودة الأولى بخطِّ يديهِ؛ بقلم أزرق على ورق مقوَّى، ويستمر في ذلك عدة شهور إضافية، حتى يُخرجَ المسودة الأولى، والتي تنتقل إلى التفريغ على الحاسوب، والتحرير، والمراجعة اللغوية والعلمية، من خلال إرسال النسخة لبعض المختصين والأكاديميين، وهذه المراجعة تنتهي بتقييم، وتعديلات وفق ملاحظاتهم، التي تؤخذ بعين الاعتبار، وتنتهي هذه المرحلة بكتابة مقدمة لكِتابه من أحد المفكرين أو العلماء المختصين، وبالتالي، يحوّل الكتاب إلى دور النشر، التي تُخضعه لمراجعة تحريرية محكمة، وأخيراً، يضع الدكتور علي الصَّلَّابي رأيه الشخصي في الكتاب قبل طِباعته، وشحنه، وتوزيعه، ونشره بين الناس.
ثالثاً: من بين التجارب العِملية التي عِشتها مع الدكتور علي محمَّد الصَّلَّابي كانت المشاركة في جلسات عمل مكثفة؛ لإعداد تصورٍ أوليٍ للبدء بتأليف مشروعنا المشترك “موسوعة التاريخ العباسي”، والتي تَضمنت بحثاً، وتحقيقاً، ومطالعاتٍ في أهم المصادر والمراجع التاريخية والسياسية والفقهية والعسكرية والدبلوماسية لتلك الفترة، وتناقشت معه خلال عدة جلسات، استمرت لأكثر من ثلاثة أشهر، ورأيت منه ما لم أره من غيره من الكُتاب والمؤرخين والعلماء الذين عرفتهم؛ في صبره، وورعه، وتواضعه، وسعة صدره، وتقديره، وحسن استماعه، وجَلساته الطويلة التي لا يمل منها، ولا يقطعها إلا بأوقات صلاة الفريضة، أو باستراحة قصيرة نتناول خلالها القهوة العربية والتمر. فقد سبرنا خلال تلك الفترة أهم محطات التاريخ العباسي، وقرأنا عنه في أبرز المصادر التاريخية (البداية والنهاية لابن كثير)، و(سير أعلام النبلاء وتاريخ الإسلام للذهبي)، بالإضافة للاطلاع على مراجع متنوعة، وكثير من البحوث العلمية والأطروحات الجامعية القديمة، من مكتبته العلمية الضخمة في إستانبول، وكانت تجربتي معه نافعةً، وماتعةً، ورائعةً.
رابعاً: لاحظت بأن الدكتور علي محمَّد الصَّلَّابي، كان يُعيد توثيق المرجع الذي يعتمده في مؤلفاته، دون أن ينسب لنفسه فقرة أو جملة غير موثقة، إلا إذا كتبها بيده، وكانت من بناتِ أفكاره، أو تُعبّر عن وجهة نظره في مسألة ما، وينطبق ذلك على التدوينات والمقالات والمنشورات، التي ينشرها في المواقع والصحف على شبكة الإنترنت، ولكن تجدر الإشارة، إلى أن بعض تلك الصحف والمواقع، تحذف قائمة المصادر والمراجع الموجودة في نهاية المقال، وذلك كجزء من سياسة النشر لديهم التي قد تشترط عدداً معيناً لكلمات المقال، والتدوينة، كما هو الحال في: مدونة العرب، ومدونات الجزيرة، وصحيفة العرب، وعربي 21، ومجلة المجتمع الكويتية، وغيرها؛ لأنهم يَعتبرونها تدوينة تعكس فكرة ما، أو توصل رسالة محددة، ولا تستحق ذكر المصادر والمراجع.
خامساً: لا يُؤلف الشيخ الدكتور علي محمَّد الصَّلَّابي كُتبه عبثاً لزيادة عناوين الكتب، أو للمباهاة بها، فالرجل ينشر كتبه بما يواكب حاجات الأمة، وقضاياها، فحين رأى حالة الإحباط، وخيبة الأمل في الأمة في تسعينات القرن الماضي، وبداية الألفية الثالثة، التي تزامنت مع غزو أفغانستان (2001م)، واحتلال العراق (2003م)، والاعتداءات الصهيونية في فلسطين، خرج بسلسلة التاريخ الإسلامي؛ ابتداءً بالسيرة النبوية، ومروراً بتاريخ الخلفاء الراشدين، والأمويين، والسلاجقة، والزنكيين، وصلاح الدين، والعثمانيين، وحين كثرت مشاريع أهل الباطل الذين أفسدوا في مجتمعاتنا المسلمة، ظهر بعدة كتب، مثل “فقه النصر والتمكين”، و”فقه القدوم على الله”، و”كفاح الشعب الجزائري”، و”الحركة السنوسية”، و”سنة الله في الأخذ بالأسباب”، ولم ينسَ كفاح الشعب الليبي للخلاص من الظلم، وأهمية إصلاح مؤسسات الدولة والمجتمع بعد عام 2011م، فخرج بكتابه “العدالة والمصالحة الوطنية؛ ضروة دينية وإنسانية”، وكتاب “المشروع الوطني للسلام والمصالحة”. كما ألّف كتباً للتقريب بين المذاهب والإصلاح بين التيارات الإسلامية، كما في كتابه “الإباضية مدرسة إسلامية بعيدة عن الخوارج”.
كما وجد نقصاً واضحاً في المكتبة الإسلامية في مجال قصص الأنبياء والمرسلين (عل ضوء المنهج القرآني)، فأصدر موسوعته الضخمة “نشأة الحضارة الإنسانية وقادتها العِظام”؛ لتكون سرداً بأسلوبٍ منهجي وتفسيري، استغرق فيها سنوات حتى أتمها. وفي معركة الشعب الفلسطيني والمسلمين وأحرار الإنسانية ضد المعتدين “الصهاينة”، وإزاء اعتمادهم على أكاذيب وافتراءات تاريخية في احتلالهم فلسطين والمسجد الأقصى، نشر كتابه “الأنبياء الملوك (عليهم السلام) وقصة الهيكل المزعوم”، وكشف زُورهم، وبهتانهم بالأدلة القطعية. ومع استفحال مظاهر الانحلال الخلقي والشذوذ الجنسي في العالم أصدر كتابه “لوط عليه السلام ودعوته في مواجهة الفساد والشذوذ الجنسي وعقاب الظالمين”، وهكذا…
سادساً: إن منهج كثير من أهل العلم والمحدثين والمؤرخين القدامى والمعاصرين اعتمد على “التدوين التاريخي النَّقلي”، أو “منهج النَّقلة”، وهذا المنهج عُرف لدى عدد من العلماء والمفكرين المسلمين، الذين حَرصوا على نقل المعلومة من المصادر السابقة دون تغيير أو تحليل، وكان من أبرز المفسرين والمؤرخين الذي اتبعوا هذا المنهج (رحمهم الله)، الإمام الطبري (224 – 310ه/839 – 923م)، الذي اشتهر بكتابه “تاريخ الرسل والملوك”، حيث كان ينقل الروايات كما وردت عن مختلف المصادر. وأبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي (510 – 597ه/ 1116 – 1201م)، الذي اعتمد في كُتبه – مثل “المنتظم في تاريخ الملوك والأمم” – على النقل الحرفي من المصادر السابقة. وكذلك العلامة ابن كثير الدمشقي (701 – 774ه/1301 – 1373م) في موسوعته التاريخية “البداية والنهاية”، حيث نقل كثيراً من الأحداث كما وردت في المصادر السابقة.
هذا بالإضافة إلى ما كتبه الإمام جلال الدين السيوطي (849 – 911ه/1445 – 1505م)، وهو من أبرز العلماء المسلمين الموسوعيين في زمانه، حيث ألف عديداً من الكتب في التاريخ، والتفسير، والحديث، والفقه. وفي مجال التأريخ، اعتمد السيوطي على منهج النقل الحرفي من المصادر؛ ففي كتابه (تاريخ الخلفاء)، اعتنى بجمع المعلومات من المصادر القديمة، مع الحفاظ على نصوصها كما وردت، دون أن يضيف تحليله الشخصي إلا ببعض النقاط. وقد كان السيوطي يهتم بتوثيق المعلومات المنقولة عن السلف، مُذكّراً بأسماء المؤرخين، والمصادر التي اعتمد عليها، مما جعل أعماله تعتبر مراجع موثوقة لمن يرغب في البحث عن أصل المعلومة.
ومن المؤرخين والمفكرين المسلمين المعاصرين الذين اعتمدوا النقل الحرفي في كتاباتهم، يبرز المفكر السياسي والمؤرخ السوري الدكتور مصطفى بن حسني السباعي (1333 – 1384ه/ 1915 – 1964م)، وهو أحد المفكرين الذين كتبوا في مجال التاريخ الإسلامي، حيث استند في كتاباته إلى النقل من المصادر القديمة، مع بعض التعليق والتحليل.
ومن بين المؤرخين المعاصرين الذين اتبعوا هذا المنهج، يبرز المؤرخ الإسلامي المصري الدكتور محمود محمد شاكر (1327 – 1418ه/ 1909 – 1997م)، الذي اعتمد في كتاباته على المصادر الإسلامية التقليدية، وحافظ على النصوص كما هي، مع إظهار السياق التاريخي دون تدخل كبير. إلى جانبه، يبرز أيضاً المؤرخ والمفكر الإسلامي الهندي الدكتور محمد حميد الله (1326 – 1423ه/1908 – 2002م)، الذي نلمس منهجه في كتاباته في التاريخ الإسلامي، حيث أضاف تحليلاته معتمدًا غالبًا على نقل النصوص من المصادر التقليدية. ومن أمثلة ذلك كتابه “مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة”، الذي جمع فيه الرسائل والوثائق السياسية التي استطاع الوصول إليها من تلك الفترة.”
أما المنهج الذي يعتمد على النقل الحرفي في العالم الغربي، فيُعرف أحياناً بـ“النقد النصي” (Textual Criticism) ، أو “التحقيق النصي“(Textual Editing) ، في بعض السياقات، وهو منهج يركز على جمع النصوص القديمة، ومع ذلك، فإن هذا المنهج عادةً ما يترافق مع بعض الملاحظات النقدية، لذا لا يعد نقلاً حرفياً كاملاً. ومن أمثلة المؤرخين الغربيين بنديكت أندرسون (1936-2015م) في عمله الشهير “المجتمعات المتخيلة (Imagined Communities)”، إذ استخدم أندرسون مصادر تاريخية متنوعة، ومن ذلك نصوص أدبية وإعلامية، بشكل قريب من النقل الحرفي، مع تقديم تحليل ونقد عميق لبعض النصوص.
وفي واقع الأمر، فإن منهج الدكتور علي محمَّد الصَّلَّابي في تناول المصادر والمراجع، وفي كتابة مؤلفاته يماثل ما ذكرتُه، فالرجل حَذِرٌ أشدَّ الحذرِ، من الاجتهاد في تغيير النصوص المنقولة، ولا يرغب في الاجتهادِ كثيراً في تحليلِ ونقدِ الأفكار في كُتبه، بل يَعتمد مقارباتٍ علميةٍ لمجموعة واسعة من المصادر والمراجع، ويقتبس مما اِطلع عليه، أو ما اقتنع به من آراء وكتابات المفسرين والباحثين، علاوة على ذلك، فهو يستحضر النصَّ القرآنيَّ في كل فرصةٍ تتاح له في أثناء الكتابة، حيث يعتبر بأن القرآن الكريم، هو مصدرُ المصادر، وأصدقها إطلاقاً، في سرد قصة وتاريخ الإنسانيةِ؛ ماضيها وحاضرها ومستقبلها، ولذلك، يقول الدكتور علي الصَّلَّابي: “من يكتب التاريخ الإسلامي لا بد له من خلفيةٍ شرعيةٍ، للوصول إلى الحقيقةِ التاريخيةِ”.
سابعاً: عثرت – خلال بحثي – على بعض المقالات والمنشورات التي تنسب إلى الدكتور علي الصَّلَّابي دون الرجوع إليه، وبعضها يكون مزوراً، وغير دقيق، وفي بعض الأحيان نجد معلومات ونصوصاً منشورة، أو أفكاراً مقتبسةً من مؤلفات ومقالات الدكتور علي الصَّلَّابي، أو من تسجيلاته المصورة، ولكنها تُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي مبتورة، وغير مكتملة، وذلك لغايات، ومقاصد شخصية أو سياسية، غالباً لها علاقة بالأزمة الليبية.
ثامناً: تَربّى على مؤلفات وبرامج الدكتور علي محمَّد الصَّلَّابي الكثير من أهل العلم، وطلبة المدارس، والجامعات في العالم الإسلامي، ونَهلوا منها في بحوثهم، وأطاريحهم الجامعية، ومحاضراتهم، ودرسوا منهجه، واهتماماته، وتوجهاته. ولا يختلف اثنان على أنه من بين أكثر من طبع ووزع كُتباً في وقتنا الحاضر، ويُعتبر كتابه “السيرة النبوية” أحد أشهر المؤلفات التي بحثت في سيرة النبي الأعظم ﷺ ودعوته. كما ألف وتَرجم كتابه المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام) لمعظم اللغات العالمية الرئيسية، وفي مقدمتها الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والإيطالية والروسية والألمانية، واستفاد منه كثيرون من المسلمين وغيرهم.
تاسعاً: لم أجد في كتابات وأعمال الدكتور علي محمد الصَّلَّابي ما يُشير إلى أن أهدافه تتعلق بالسعي وراء الشهرة، أو تحقيق مكاسب مالية، حتى يُكثر من إنتاجها. فالرجل لا يتقاضى أي مقابل مادي عن مؤلفاته من أي جهة أو دار نشر، رغم أن ذلك قد عُرض عليه مرارًا، لكنه رفض. بل على العكس، يمنح صلاحية طباعة ونشر وترجمة كتبه لكل من يرغب في ذلك، مما أدى إلى طباعة آلاف النسخ من مؤلفاته وترجمتها إلى أكثر من عشرين لغة حول العالم. وإن هاجس احتساب الأجر وطلب الرضا والقبول من الله، هو الدافع الذي يُلازمه دائمًا، وهو يُكرر أهدافه التي تتلخص في التمكين لدين الإسلام، ومواجهة الأفكار الباطلة والمنحرفة، وحشد طاقات الأمة في معركتها مع الباطل، إضافة إلى توفير مكتبة تاريخية إسلامية شاملة للأجيال الحالية والمستقبلية.
عاشراً: الكمال لله وحده، ولا عصمة لأحد من البشر؛ فكل عمل إنساني يعتريه القصور، وقد جلَّ من لا يخطئ. وبما أن الأعمال البشرية لا تخلو من النقص، فإنها تبقى عرضة للنقد والتحليل. لذا، فإن مؤلفات الدكتور علي محمد الصلابي، التي تزيد على ثمانين عملاً في مجالات التاريخ، والعقيدة، والتفسير القرآني، والفكر السياسي الإسلامي، ليست بمنأى عن هذا الواقع؛ إذ قد تتخللها بعض النواقص والعيوب. فمن الطبيعي أن نجد فيها أحيانًا استطرادًا في البحث، وخروجًا عن الفكرة الرئيسية في النص، واقتباسات قد تحتاج إلى تنصيص، بالإضافة إلى بعض الأخطاء اللغوية أو الصياغات التي قد تبدو ضعيفة في المسودات الأولى قبل المراجعة والتحرير. وعلى الرغم من ذلك، يُظهر الدكتور الصَّلَّابي قدرةً متميزة في الجمع بين المنهج الإسلامي التقليدي والأسلوب الأكاديمي العصري في تفسير القرآن، وكتابة التاريخ الإسلامي. وبصفته داعيةً ومؤلفًا، يَجتهد في عمله، ويَستشير أهل الخبرة، مُتقبلًا النقد البنّاء بصدر رحب، ويَسعى لتلافي أي أخطاء إن وجدت، وفي أقرب وقت ممكن.
الحادي عشر: هذه شهادة لله وللتاريخ، تستند إلى تجربة شخصية عميقة، مررت بها خلال فترة زمنية قضيتها بالقرب من الدكتور علي الصَّلَّابي، وقد تعلمت خلالها الكثير. وأقدّم هذه الشهادة بنية خالصة لله سبحانه وتعالى؛ نصرةً ودعمًا للمؤمنين من أهل القرآن، ورجال الفكر، وطلبة العلم.
وفي الختام، أرى أنه من الواجب على علماء الأمة، وباحثيها، وأكاديمييها، وأبنائها وطلابها، أن يتحلّوا بالعدل والإنصاف، وحسن الظن، وقول الحق، مع استشعار مراقبة الله في أحكامهم وأقوالهم وأفعالهم وتصرفاتهم، حيث إن الجميع مسؤول أمام الله، ‘وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً’. إن الله سبحانه وتعالى يأمر بالعدل والإحسان والإخلاص في العمل، وبذل النصيحة برفق وصدق وأناة. ولا شك أن العلم النافع هو عطاء رباني عظيم، قال تعالى: ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ (البقرة: 32).
اللهمّ علّمنا ما جهلنا، وذكّرنا ما نسينا، وافتح علينا من بركات السماء والأرض،
واغفر لنا وارحمنا، إنك أنت السميع العليم.
والحمد لله رب العالمين.