تستغل القيادة الدينية في إيران المذهب الشيعي لإثراء نفسها ومرجعيات المذهب الدينية برغم ادعائهم الزهد والفقر والإخلاص، لتكتشف أن هؤلاء المرجعيات والقيادات الدينية يقعدون على مليارات الدولارات من عائدات يعتبرها الإيرانيون والمتدينون الشيعة ركائز المذهب وعماد التقوى ومصدر الإلهام الإلهي. لقد تحولت تلك المرجعيات منذ بداية عصر الثورة الخمينية إلى مراكز مالية ضخمة تؤثر في السياسة والاقتصاد والمجتمع، وليس ذلك فقط بل مرتكزاً للتدخل في دول المشرق العربي، كما أنها مصدر تمويل واسع لعملية فرز مذهبي داخل البلدان العربية.
لا يعتمد رجال المرجعيات الشيعية الإيرانية على المواطنين الإيرانيين وحدهم (يبلغ عدد سكان إيران 84 مليون نسمة) بل على الأموال القادمة من المراكز الشيعية المنتشرة حول العالم تحت عدة مسميات، إضافة إلى زوار الأضرحة والقبور، والأموال التي يقولون إنها لمساعدة الملهوفين وإغاثة المحتاجين من أبناء طائفتهم “الشيعية”، تذهب إلى خزائن تلك المرجعيات وإلى بناء شركاتهم وأموالهم الخاصة.
تلقي هذه الورقة ضوءاً حول الأموال التي تحصل عليها المرجعيات الشيعية وسبب ثرائهم “الفاحش” بينما ملايين الإيرانيين تحت خط الفقر، وفق محورين اثنين: “أموال الخُمس”، وعائدات المزارات والنذور، وكيف يستخدمها النظام الإيراني في توسيع هيمنته الاقتصادية في إيران، والوطن العربي.
أموال الخُمس:
يعد الخمس أمراً مهماً، وركناً أساسياً في المذهب الشيعي، وفي الحقيقة فإن التيارات داخل المذهب تفتعل بين وقت وآخر جدلاً فقهياً حول إجازته، فبينما المذهب السُني يرى أن الخمس من الغنائم في الحرب فإن المذهب الشيعي يُقرُّه مما يفيض على المسلم من أمواله، وهي مفروضة على كل تاجر صغير أو كبير وعلى كل مواطن ميسور الحال براتب مجزٍ أو صاحب مزرعة، سواء كان الشيعي داخل إيران أم خارجها. وتوزع على ستة أسهم، ثلاثة للمرجعيات والثلاثة الأخرى أيضاً للمرجعيات، فهي توزع سهم لله تعالى، وسهم للنبي عليه الصلاة والسلام، وسهم للإمام، وهذه الثلاثة تدفع لصاحب الزمان (المهدي المنتظر) وبما أنه غائب تسلَّم إلى المرجعيات. والأسهم الثلاثة الأخرى تسلَّم للأيتام والمساكين وأبناء السبيل وتدفع للمؤسسات التابعة للإمام التي هي ملك للمرجعيات، وتوزع بمعرفتهم إلى بقية الشيعة الفقراء في بقية بقاع العالم من التابعين (الشيعة الجعفريين) ونادراً ما يتلقونها.
تقول الإحصائيات إن ناتج القومي للفرد في إيران سنوياً قريب من 17 ألف دولار يذهب خمسه للمراجع يعني 3400 دولار عن كل شخص، وإذا ضربت هذا العدد في 50 مليون شيعي في إيران يساوي مائة وسبعين مليار دولار سنوياً! فهم إن لم يأخذوا الخمس من كل فرد فإنهم يأخذونه من شركات العملاقة التي تعمل في إيران. والرقم يكون أكثر بكثير من هذا الضرب والتقسيم البسيط.
ومع هذا نرى أن الإيراني يبيع كِليَته من أجل رغيف الخبز ويتسول في الأسواق ويلجأ للدعارة ويخرج من البلد مع شهاداته العالية لأنه لا يجد عملاً في البلد. ولا تهتم به دولة ولا تقضي حاجته حكومة.
إن أموال الخُمس هي ضريبة جبرية على أبناء الشيعة حولت المرجعيات الدينية إلى شركات جباية منظمة تلبس لبوس الإسلام وتتوعد الرافضين بالعذاب الشديد يوم الحساب. وليست فقط في أماكن بقاء المرجعيات والحوزات أو المزارات فهذا قصور وجب الإشارة إليه؛ بل إن أي مرجعية يفتتح له مكتباً أو اثنين أو أكثر في كل مدينة وبلدة مثل مكاتب شركات الصرافة والتحويلات المالية، وليست حكراً على إيران بل إن الأموال الواصلة من الخارج من المغتربين الشيعة في الغرب والشرق ومن الشيعة العرب تعادل الأموال المسلوبة من المواطنين الإيرانيين جبراً وتحت تهديد الغضب الديني وميليشيا “الباسيج” والحرس الثوري.
تأخذ الأموال لـ “المرجعيات” الذين يكنزونها ذهباً وأموالاً واستثمارات، في حين الجوع والفاقة يطاردان الإيرانيين كأشباح في دولة تحكمها “الخرافة” لا الدين، وتعبث بمصالحها الزمرة الفاسدة كما تعبث باستقرار دول المشرق العربي.
المزارات والتبرعات والنذور:
قبل ثورة الخميني كان في إيران 1400 مزار، ويسمى في إيران “إمامْ زَادَهْ” بمعنى “ولد الإمام”، لكن بعد مضي قرابة 40 سنة من ثورتهم ازدادت المزارات بشكل عجيب حتى وصل عددها 12 ألفاً.
عام الثورة 1978 كان عدد الإيرانيين 30 مليوناً وبعد مرور 40 سنة صار عددهم 80 مليوناً لكن وصلت عدد المزارات من 1400 إلى 12 ألفاً، وهذا يعني تكاثر نسل الأموات أكثر من الأحياء وهذا الأمر صار محل سخرية الإيرانيين أنفسهم.
وتتحكم أيضاً بالمزارات الشيعية الأخرى كما في العراق (42) مزاراً (معلومات رسمية)، وفي سوريا أكثر من (15) مزاراً، وحاولت أن تضم الأردن قبل سنوات مقابل سعر رمزي للمشتقات النفطية مع السماح للإيرانيين بزيارة المزارات المقدسة، لكن المملكة الأردنية رفضت، وتحاول الآن مع مصر.
المزارات الشيعية هي بمثابة شركات مغلقة من مساهم واحد بالنسبة لإيران، فالأموال الناتجة عن السياحة الدينية إلى تلك المزارات تعد بالمليارات سنوياً، فإذا ما فرضنا أن مليوناً وثمان مائة شيعي يحجون طوال العام إلى مدينة “مشهد” من أجل التبرك بـ “الروضة الرضوية أو مسجد ومرقد الإمام علي بن موسى الرضا”، وبالرغم من أنه أشهرها إلا أن ذلك غيض من فيض مقارنة بمجموع المزارات حول الجمهورية والمزارات التي تتحكم بها في الدول العربية. هذه العائدات من المؤسسات المغلقة في إيران كفيلة بنهضة ثلاث دول في العالم الثالث، وتمثل موازنتها لعدة أعوام.
ودائماً عندما يتكلم رجال الدين في إيران فإنهم يتحدَّثون من عالم خاص بهم، فهم يشرعون للسلطة التي تعفيهم عن أي مساءلة. أبرز المرجعيات في إيران موجودة في “قُم” و “مشهد” حيث تنتشر السياحة “الجنسية” زواجي المتعة والمسيار التي تُدر دخلاً كبيراً أيضاً للمرجعيات؛ فقد تحولت الهيئات الدينية المسؤولة في إيران عن عقود التوثيق إلى ممارسين لهذه العملية كوسطاء، بحيث تتيح للراغبين في زواج المتعة انتقاء من يرغبون بهن من ألبوم صور يملكونه في مكاتبهم، مقابل مبالغ مالية معينة، خارجة عن إطار العقد، وهو ما كوَّن ثروة هائلة لدى هذه المؤسسات تموَّل من خلالها التدخلات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكان محمود أحمدي نجاد قد أكد في مطلع عام 2013م امتلاكه وثائق فساد بالمئات تدين رجال الدين في معسكر خامنئي. ويبرر رجال الدين هذه العمليات بكونها حلاً حكومياً يهدفون من خلاله لإيجاد الحلول للمشاكل الجنسية لدى الشباب في إيران، التي تعود إلى زيادة نسبة الفقر، وزيادة نسبة العنوسة لدى الشباب في إيران؛ إذ تفوق 47%، وتزداد البطالة لدى هذه الشريحة إلى ما يفوق (48%) من نسبة البطالة الإجمالية بـ 25%.
فبدلاً من استخدام الأموال التي يتم جنيها من عائدات الخُمس والمزارات لأجل مواجهة الفساد المنتشر وإيقاف الفقر الذي يواجه فئة الشباب يقومون بإثراء أنفسهم عبر التربح بآلام الإيرانيين وأوجاعهم.
دور الحكومة الإيرانية:
تغض الحكومات الإيرانية المتعاقبة الطرف عن هذه العائدات التي تحصل عليها المرجعيات فهذه العائدات لا يتم توريدها إلى أجهزة الدولة، بالرغم من كون هذه الأموال سيادية، بما في ذلك أموال الخمس التي تتلقاها من خارج البلاد، فهي لا تدخل سيادة الأجهزة الإيرانية أو بنوكها ومؤسساتها المالية، بل هي أموال تابعة للمراكز الدينية الإيرانية الشيعية وديوان المرشد الأعلى وقوة الحرس الثوري. ويكّون هؤلاء مركزاً مالياً ضخماً في إيران يتحكمون فيه بالاقتصاد والسياسة والمجتمع، فلها موانئها الخاصة وأساطيلها التجارية البحرية والجوية ولا يتم فرض أي ضريبة عليها.
يمكن القول إن الحرس الثوري بدعم المرجعيات يملكون إيران من أقصاها إلى أقصاها، فهي اللاعب السياسي والأمني والاقتصادي والدولي لإيران منذ الثورة الخمينية، وهذه الأموال التي تعمل على ثراء القادة والمرجعيات في إيران تعود بالضرر على كل إيراني في بلاده، كما أنها تستهدف أمن دول الشرق الأوسط، فالمزارات والمرجعيات تسهم بشكل دائم في عمليات جمع التبرعات للمسلحين الحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق وفي سوريا بحجة الأوضاع الإنسانية التي تتحول إلى ذخيرة حية تقتل الإنسان العربي، وتحرم الإيراني من أموال بلاده لصالح مجموعة من الملالي الفاسدين.
فعلى سبيل المثال مقر “خاتم الأنبياء” الذي من اسمه تعتقد أنه جمعية خيرية تجمع الملابس الشتوية للأطفال في مناطق النزاع، لكنها في الحقيقة إمبراطورية المال في إيران حيث يضم 812 شركة في إيران وخارجها، وله أسهم كبيرة في عدد من البنوك والمصارف، ويملك طائرات وسفن تجارية ومصانع السيارات والبتروكيماويات والألمنيوم والصناعات البحرية وصناعة الجرارات والصلب والحديد ومصانع الأدوية والمطاحن وشركات الحفر والصناعات الغذائية، والملابس والسجاد، والأجهزة الإلكترونية، وكل ما يخطر في البال من شؤون الحياة يملكون فيه طريقاً. وهذا المقر هو الذي يملك الحق الحصري لتنفيذ مشاريع الحكومة وهو الذي يشتري أياً من خصخصتها.
لن ينفك نظام الملالي الحاكم من إثراء مراكزه المالية وتوسعة دائرة المستفيدين من المعممين ضمن دائرة نفوذه، وهو ما يغري الآخرين بالانضمام إلى صفوف الحرس الثوري والدائرة المتعفنة في المرجعيات الدينية من أجل الثراء السريع. لذلك لأجل إنقاذ مستقبل الإيرانيين عليهم التحرك لوقف هذا الفساد الذي ترعاه القوة الباغية التابعة للمرشد، وكذلك على الدول العربية أن تحكم مسألة الخُمس لدى الشيعة من أجل عدم خروجه إلى خارجها وأن يتم توزيعه على فقراء المذهب بدلاً من تمويل دول أجنبية يفترض أنها تخضع لحصار دولي وعقوبات اقتصادية.
(المصدر: البيان)