كيف يتحقق الأمن – د. عوض القرني “فرج الله عنه”
كلما تحدث أحد من المصلحين عن خطورة الفساد وسوء عاقبة انتشار المنكرات و ضرورة إقامة موازين العدل في الحياة قدر المستطاع أثار بعض الناس في وجوههم دعوى باطلة وهي أن السعي للإصلاح سيؤدي لاضطراب الأمن الذي لا ينازع عاقل في ضرورته المحورية لاستقرار واستمرار الحياة ولمناقشة هذه المغالطة والوهم
أقول:
قد جعل الله لكل شيء سببا ومن ذلك الأمن كغيره من ضرورات وحاجات وكماليات الحياة
والأمن يتحقق ويستمر ويبسط بمقدار تحقق أسبابه و أهمها العدل وانتفاء الظلم
والأمن يتحقق بالتقوى والتأهيل للقائمين عليه والعدل بين الناس كافة وأعلى وأرقى صور العدل هي تطبيق شرع الله ثم الأخذ بالأسباب التي تتطور بتطور أحوال الناس وأهمها وحدة الصف واجتماع الكلمة على الحق .
فإن لم يهتدوا للحق كحال كثير من الأمم فعلى منهج جامع يضعه لهم عقلاؤهم ويرتضيه أكثرهم عن رضى وطيب نفس فتستقيم وتستقر عليه حياتهم الدنيا و يمنعون به التظالم فيما بينهم مع مايشوبه من باطل وضلال وخطأ لكنه خير من الهرج المطلق والظلم الشامل:
قال تعالى
“ضرب الله مثلاً قريةً كانت آمنةً مطمئنةً يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون”
وقال ﷺ ((إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وإذا سرق فيهم الشريف تركوه)) أو كما قال ﷺ
وعن التفرق والإختلاف قال سبحانه:
” وأَطِيعُوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ”
و قال ﷺ (( إن فساد ذات البين هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر لكن تحلق الدين))
وما حدث في عدد من البلدان العربية التي قامت شعوبها بالثورة ضد طواغيتها
من إضطراب الأمن وضيق المعايش له أسباب مباشرة يراها ويعرفها كل إنسان من ضعف السلطة وتنازع الناس واختلافهم .
لكن هذا كله نتيجة لسبب أعمق وأطول وأبعد وهو تسلط الظلم وانتفاء العدل ومحادة الله ورسوله وليس فقط عدم طاعته لعقود متتابعة وسكوت الناس عن ذلك.
قال تعالى:” وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا”
فتمكن الفجار الظلمة مؤذن بخراب الديار وذهاب الأمن وتكدر العيش
وهذا التمكن إما بغلبة وسطوة كما ذكرت الآية الكريمة أو بكثرة لا تقاوم كما ورد في الحديث الشريف المروي عن عدة من أمهات المؤمنين ومنهم عائشة حين
((قالت :
أنهلك وفينا الصالحون
يارسول الله.
قال ﷺ
نعم إذا كثر الخبث.))
بل إن بعض الأحاديث النبوية رتبت بعض صور إضطراب الأمن وضنك المعيشة على ذنوب محددة كما في قوله ﷺ وهو مجرد مثال : ((مَا ظَهَرَتِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ حَتَّى أَعْلَنُوهَا إِلا ابْتُلُوا بِالطَّوَاعِينِ وَالأَوْجَاعِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي أَسْلافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا ، وَلا نَقَصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلا ابْتُلُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمُؤْنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ ، وَمَا مَنَعَ قَوْمٌ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ ، وَلَوْلا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا ، وَلا خَفَرَ قَوْمٌ الْعَهْدَ إِلا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذَ بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله يتخيروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم ))
رواه ابن ماجة والبزار و البيهقي وحسنه الألباني
وبالتالي فحفظ الأمن بمعناه الشامل هو نتيجة للإستقامة على أمر الله من جميع طبقات المجتمع وكل ما كان موقع الإنسان أهم كان الأمر في حقه أكثر وجوباً وانحرافه عن أمر الله أبلغ أثراً في إضطراب الأمن
وقد ذكر القرآن الكريم أن الضمان لعدم الهلاك هو وجود المصلحين فقال سبحانه وتعالى:
“وماكان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون”
(المصدر: قناة د. وصفي عاشور أبو زيد على التيليغرام)