مقالاتمقالات مختارة

كيف نحيي فهمنا للسياسة على ضوء الهدي الاسلامي

كيف نحيي فهمنا للسياسة على ضوء الهدي الاسلامي

بقلم د. أحمد عجاج

عندما كان النبي محمد عليه الصلاة والسلام ينشر رسالته كان الفهم السائد ان الناس بطاعتهم لله عليهم واجبان: الاذعان التام لتعاليمه، والتعاون الجماعي مع بعضهم بعضا لتحقيق رضا الله من جهة وتحقيق سعادة الناس في المجتمع من جهة اخرى.
سعادة الناس هي جهد بشري خالص يسترشد بتعاليم الله، والبشر مدعوون للمشاركة الفعلية في صناعة هذه السعادة؛ هذه المشاركة تشبه مشاركة شعب اثينا في القرن الخامس قبل الميلاد؛ اي ان المشاركة في الحياة العامة ومنها السياسة واجب، وان النكوص عنه ينقص من اهلية الانسان في المجتمع! والمتتبع لحركة الاسلام في العصر النبوي يرى ان الناس كانت فعلا مشغولة بكل حدث دنيوي وديني، وكانوا يتداولونه، ويتناقشونه، وكان الحسم في غياب الاجماع للرسول؛ وحسم الرسول بذاته هو اجماع شعبي لأن الناس تؤمن ان الرسول يمثلها دنيا ودين!

ما تغير في هذا المسار ان المجتمع وبالتحديد بعد وفاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدأ يدخل ما يمكن ان اسميه كراهية المشاركة الجمعية للناس ( الديمقراطية المباشرة على الطراز الاثيني) في الشأن العام؛ وبالتحديد بعد انتصار معاوية بن ابي سفيان حيث بدا واضحا ان نموذجا خطرا قد ظهر: شعب مقابل حكومة!

هذا التغير كان له اثر سلبي على التطور السياسي الاسلامي؛ اصبحت الحكومة تمثل فئة ثم طبقة، ثم طائفة، وهكذا دواليك ومقابلها جماعات من الناس يتناقص عددها في الانخراط في الشأن العام اما خوفا او تأنفا، او هربا بايمانها، او سكوتا لمصلحة.
هكذا برز اسلام سياسي جديد تمثله حكومة تدير الشأن العام ولا يعنيها اراء الناس، ولا يقوى الناس للاسباب التي ذكرناها على المشاركة والتعبير والرفض والنقد!
هذا التطور أخَّر الاسلام كنظرية سياسية، وضرب منظومة قيمه، ومهد لما نعرفه اليوم الحكومة الاستبدادية وبعدها اصبحت طاعتها من طاعة الله ومقاومتها مقاومة لإرادة الله!

لذا فإن عملية الاصلاح، كما اراها، تبدأ بالنظر مجددا في هذا المستجد الخطير والعمل على اعادة العمل بالسيرة النبوية (المدنية) الاولى التي اندمجت فيها الحكومة بالناس لدرجة يصعب التمييز بينهما!
اختم مستشهدا بمقولة بركليس السياسي اليونان والقائد العسكري، في خطاب شهير له يمدح فيه الديمقراطية المباشرة الاثينية، ويتباهى بها على غيرها من النظم. المهم في خطابه هذا فقرة لها علاقة بموضوعنا، حيث يقول التالي: ” نحن لا نقول ان الشخص الذي لا يشارك في السياسة، شخص يدير شأنه الخاص ولا علاقة لنا به، بل نقول ان ليس له مكان بيننا”.

العبرة ان الاسلام النبوي كان يحتم على كل شخص ان يكون مشاركا في السياسة وشؤون المجتمع، وان من لا يفعل ذلك ليس له مكان في مجتمع المسلمين. هذا الفهم السياسي دثرته ظهور الحكومة وتغولها وعلينا استرداده لكي نحيا من جديد!

(المصدر: موقع المنهل)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى