كيف لعبت باكستان دوراً خفياً ومؤثراً في معركة طالبان؟!
بقلم أحمد زيدان
كما كانت باكستان شريكة في نصر فصائل المجاهدين الأفغان بحربهم ضد السوفييت في الثمانينيات، تعد باكستان اليوم شريكة في حرب طالبان واتفاقها مع القوات الأميركية على الرحيل، فعلى الرغم من انضمام باكستان المبكر مع التحالف الدولي الذي ضم 39 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لإسقاط حركة طالبان في اكتوبر/ تشرين أول من عام 2001 لإيوائها تنظيم القاعدة الذي هاجم أميركا في أحداث سبتمبر من نفس العام، إلاّ أن باكستان التي قدّمت ذلك الدعم وحالها يقول قلوبها معك وسيوفها عليك، كانت في الباطن تدعم حركة طالبان الأفغانية وتغض الطرف عنها ما وسعها إخفاء ذلك عن حلفائها الجدد الذين أُرغمت على الوقوف معهم ضد عمقها الاستراتيجي كما وصفه الرئيس الباكستاني يومها الجنرال برفيز مشرف.
على الجانب العسكري واصلت باكستان سياسة دعم وتسليح الحركة بطريقة ذكية وبعيدة عن الأعين العالمية التي ترصد كل شيء، مستفيدة من تجربتها في التعاطي مع كل أجهزة المخابرات العالمية بتسليح ودعم وتمويل المجاهدين الأفغان، ولعبت مناطق القبائل الباكستانية مقر مصانع السلاح الباكستاني دوراً في ذلك، إذ أن هذه المصانع الموجودة منذ الإمبراطورية البريطانية كانت تسهل شراء وبيع، وتهريب وجلب كل أنواع السلاح، وساعد في ذلك أكثر كون هذه المنطقة الوحيدة عالمياً خارج نطاق سيطرة الدولة وقوتها ومركزيتها.
لم تُمانع باكستان من تواصل حركة طالبان الأفغانية مع محاضنها الدراسية من مدارس ومساجد وعلماء، وبالتالي ظلت باكستان تسيطر وتتحكم بأدوات ناعمة على الحركة، وظلت الحركة بالمقابل تؤثر في الداخل الباكستاني، وتستفيد من هذا الهامش في الحشد والتعبئة لنفسها، مدركة تماماً أن ما يقتل الحركات الثورية هو قطعها عن خارجها وهو ما دفعت ثمنه باهظاً كما يقال حركات التمرد في وسط آسيا ضد القياصرة ثم البلاشفة، وهي الحركات التي أطلق عليها الروس تسمية “حركات الباسمتشي” أي حركات الأشرار بحسب تصنيفهم.
بقيت باكستان نقطة ترانزت حقيقية لحركة طالبان، وظلت البلاد نافذة العالم على طالبان، تماماً كما نافذة الأخيرة على العالم، وهو الدور الذي لعبته أيام الجهاد الأفغاني، والتزمت باكستان خلال الفترة الطالبانية بنصيحة ثمينة أهداها الرئيس الباكستاني الأسبق ضياء الحق أيام الجهاد الأفغاني لرئيس مخابراته يومها الجنرال أختر عبد الرحمن:” حافظ على أن يغلي الماء بشكل تدريجي، ولا تتعجل”، وهي نفس القاعدة الأصولية التي درستها حركة طالبان الأفغانية في كتب أصولها الفقهية وبمدارسها الشرعية:” من استعجل الشيء قبل أوانه عُوقب بحرمانه.”
فكانت درجة الغليان في الحالة السوفياتية تسع سنوات، أما في الحالة الأميركية والغربية فكانت الضعف، إذ أن ثمانية عشر عاماً احتاجت طالبان حتى تقنع الأميركيين بالحوار وبالانسحاب من أفغانستان، كلف ذلك الخزينة الأميركية سنوياً 30 مليار دولار، وهو أمر مرهق بشكل عام، فكيف لتاجر مثل ترمب حيث يحسب كل شيء بالدولار والاستثمار المالي، وليس غيره من الاستثمارات الأمنية والسياسية والتاريخية.
نجحت باكستان إلى حد كبير في الإبقاء على مسافة مع حركة طالبان، مسافة استطاعت من خلالها عدم تحمل غرمها، لكنها كسبت غنمها، ففاوضت طالبان الأميركيين والروس، وتنقلت في مفاوضاتها حتى اختارت الدوحة كمحطة مفصلية ونهائية وحقيقية، وهنا يُحسب لباكستان أنها لم تكن في الواجهة، وهو أمر يعكس ثقة الديبلوماسية الباكستانية بنفسها وبشريكها الطالباني، بخلاف من يتصدر التفاوض ويُبعد حلفائه فتكون الكارثة عليه وعلى حلفائه والقضية بشكل عام، ففي السياسة كما في المال لا بد من المغامرة، فكما الوالد يسمح لولده بالحبو والتحرك والمغامرة حتى يتعلم، فكذلك الحلفاء.
بذرت باكستان الكثير من البذور، وسقت ورعت، ولا شك فإن الانتصار الطالباني اليوم هو انتصارها، وتعزيز لوجودها ونفوذها وهو ما يثير قلق الدول المجاورة، وفي حال بدء حرب أهلية في أفغانستان على غرار ما حلّ بها بعد رحيل القوات السوفياتية فإن باكستان ستكون الفائز الأكبر، إذ أن هذه الحرب لن تكون أقل من تغلب البشتون من جديد، وهم العمق الاستراتيجي لباكستان، فهم القادرون على تحجيم نفوذ خصم باكستان التاريخي والتقليدي الهندي، بالإضافة إلى أن هذا الانتصار الطالباني في حال حصوله سيُلهم كل القوى الكشميرية ضد الهند.
(المصدر: مدونات الجزيرة)