مقالاتمقالات المنتدى

كيف قدّم موسى (عليه السلام) نفسه أمام فرعون وملئه في دعوته له؟

كيف قدّم موسى (عليه السلام) نفسه أمام فرعون وملئه في دعوته له؟

 

بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)

 

إن العقيدة التي جاء بها الرسل جميعاً عقيدة واحدة ثابتة، تقرر ألوهية واحدة للعوالم جميعاً ولا تتطور من الآلهة المتعددة إلى التثنية، إلى الوحدانية في نهاية المطاف، فأما جاهليات البشر حين ينحرفون عن العقيدة الربانية فلا حد لتخبُّطها بين…. والأرواح والآلهة المتعددة والعبادات الشمسية والتثنية والتوحيد المشوب برواسب الوثنية، وسائر أنواع العقائد السماوية التي جاءت كلها بالتوحيد الصحيح، الذي يقرر إلهاً واحداً للعالمين، وتلك التخبطات المنحرفة عن دين الله الصحيح.

ولقد واجه موسى -عليه السلام- فرعون وملأه بهذه الحقيقة الواحدة التي واجه بها كل نبي -قبله أو بعده- عقائد الجاهلية الفاسدة، واجهه بها، وهي تعني الثورة على فرعون وملئه ودولته ونظام حكمه. إن ربوبية الله للعالمين تعني -أول ما تعني- إبطال شرعية كل حاكم يزاول السلطان على الناس بغير شريعة الله وأمره وتنحية كل طاغوت عن تعبيد الناس له -من دون الله- بإخضاعهم لشرعه هو وأمره، واجهه بهذه الحقيقة الهائلة بوصفه رسولاً من رب العالمين. [في ظلال القرآن، ٣/١٣٤٦].

 

قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٠٤) حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (١٠٥)﴾ ]الأعراف:١٠٤-١٠٥[.

قال السَّعدي: إني رسول من مرسل عظيم وهو رب العالمين، الشامل للعالم العلوي والسفلي، مربي جميع خلقه بأنواع التدابير الإلهية التي من جملتها أنه لا يتركهم سدى، بل يرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين وهو الذي لا يقدر أحد أن يتجرأ عليه، ويدعي أنه أرسله، وهو ولم يرسله [تفسير السعدي، ٣/٧١-٧٢].

  • ﴿وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾:

﴿وَقَالَ مُوسَى﴾: حين جاء إلى فرعون يدعوه إلى الإيمان.

﴿يَا فِرْعَوْنُ﴾: ناداه بلقبه بأدب واعتزاز، ناداه ليقرر له حقيقة أمره، كما يقرر له أضخم حقائق الوجود.

﴿إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾: لقد جاء موسى -عليه السلام- بهذه الحقيقة التي جاء بها كل رسول قبله، حقيقة ربوبية الله الواحد للعالمين جميعاً، ألوهية واحدة وعبودية شاملة، لا كما يقول الخابطون في الظلام من “علماء الأديان” ومن يتبعهم في زعمهم عن تطور العقيدة إطلاقاً وبدون استثناء لما جاء به الرسل من ربهم أجمعين.

  • ﴿حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾:

﴿حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ﴾؛ أي: حريص على ألَّا أقول على الله إلا الحقَّ؛ أي: جدير بذلك وحرِيٌّ به. [تفسير ابن كثير، ١/٤٥٤].

فما كان الرسول الذي يعلم حقيقة الله؛ ليقول عليه إلا الحقَّ، وهو يعلم قدرَه، ويجد حقيقته سبحانه في نفسه، لما علم من عزِّ جلاله وعظيم سلطانه سبحانه. [في ظلال القرآن، ٣/١٣٤٦].

﴿قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾؛ أي: بحجة قاطعة من الله أعطانيها دليلاً على صدقي فيما جئتكم به.

﴿قَدْ﴾ توكيد بحرف التحقيق.

﴿جِئْتُكُمْ﴾: أنتم وليس غيركم، وأنتم تعرفونني جيداً، وقد ربِّيت فيكم، ولبثت فيكم من عمري سنين، ولا يمكن أن أكذب عليكم.

﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾؛ أي: قد جئتكم ببرهان قاطع من ربكم ومعجزة شاهدة على رسالتي، دالة على صدق ما أقول، وفي قوله ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾ إيماءٌ إلى أنهم مربوبون، وأنَّ فرعون ليس رباً ولا إلهاً وإلى أنَّ البيِّنة ليست من كسب موسى ولا مما يَسْتَقِلُّ به عليه السلام. [تفسير حدائق الروح والريحان، ١٠/٤٩].

﴿فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾: وباسم تلك الحقيقة الكبيرة، حقيقة الربوبية الشاملة، طلب موسى إلى فرعون أن يطلق معه بني إسرائيل، فإنَّ بني إسرائيل عبيد الله وحده فما ينبغي أن يعبِّدَهم فرعون لنفسه، وإنَّ الإنسان لا يخدم سيِّدَين ولا يعبد إلهين، فمن كان عبداً لله فلا يمكن أن يكون عبداً لسواه، وإذ كان فرعون إنما يعبِّد بني إسرائيل لهواه، فقد أعلن له موسى أن رب العالمين هو الله، وإعلان هذه الحقيقة ينهي شرعية ما يزاوله فرعون من تعبيد بني إسرائيل، إنَّ إعلان ربوبية الله للعالمين هي بذاتها إعلان تحرير الإنسان، تحريره من الخضوع والطاعة والتبعية والعبودية لغير الله، تحريره من شرع البشر، ومن هوى البشر ومن تقاليد البشر، ومن حكم البشر، وإعلان ربوبية الله للعالمين لا يجتمع مع خضوع أحد من العالمين لغير الله، ولا يجتمع مع حاكمية أحد بشريعة من عنده للناس. [في ظلال القرآن، ٣/١٣٤٧].

وعلى هذه الحقيقة أمر موسى عليه السلام أن يُبَيِّنَ طلبه إلى فرعون إطلاق بني إسرائيل، ﴿إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ بالأدلة والبراهين والحجج الدامغة: ﴿فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾، مقدمة ونتيجة تتلازمان ولا تفترقان، ولم تغب عن فرعون وملئه دلالة هذا الإعلان، إعلان ربوبية الله للعالمين، لم يغب عنهم أن هذا الإعلان يحمل في طياته هدم ملك فرعون وقلب نظام حكمه وإنكار شريعته، وكشف عدوانه وطغيانه، ولكن كان أمام فرعون وملئه فرصة أن يظهروا موسى بمظهر الكاذب الذي يزعم أنه رسول من رب العالمين بلا بينة ولا دليل.

ولم ينازع فرعون موسى في هذه السورة في شيء مما ذكره موسى إلا أنه طلب المعجزة. [البحر المحيط، ٤/٣٥٧].

وقال أبو حيان: ودل ذلك على موافقته لموسى وأن الرسالة ممكنة، لإمكان المعجزة إذ لم يدفع إمكانها.

نلاحظ أن أول ما بدأ به موسى حواره مع فرعون ودعوته له ومطالبه منه بالتعريف عن نفسه، فقال إنه رسول رب العالمين، وما دمت مرسلاً من إلهي وربي وربكم فأنا جدير بأن لا أقول على الله غير الحق والصدق، غير كاذب ولا مفتر.

 

 

ملاحظة هامة: استفاد المقال مادته من كتاب: ” موسى – u– كليم الله”، للدكتور علي محمد الصلابي.

المصادر:

  • موسى (عليه السلام) كليم الله عدو المستكبرين وقائد المستضعفين، د. علي محمد الصلابي، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، 2022م.
  • في ظلال القرآن، سيد إبراهيم قطب، القاهرة، دار الشروق، ط32، 1423ه/ 2003م.
  • تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)، أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (774ه)، بيروت، دار ابن حزم، 1420ه/ 2000م.
  • تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن، محمد الأمين بن عبد الله العلوي الهرري الشافعي، تحقيق: هاشم بن حسين مهدي، دار طوق النجاة، ط1، 2001م.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى