كيف ردت حماس على مسيرة الأعلام الصهيونية دون إشعال حرب؟ استخدمت سلاحاً مختلفاً عن الصواريخ
كان الوضع في الشرق الأوسط ينذر الأسبوع الجاري بجولةٍ أخرى من العنف والحرب بين حماس والكيان الصهيوني، ولكن تم تجنبها.
إذ خطط اليمين المتطرف في الكيان الصهيوني لمسيرةٍ استفزازية تمر عبر المناطق الفلسطينية في القدس، كما فعل قبل الحرب التي استمرت 11 يوماً الشهر الماضي. وهددت حركة حماس بالرد العنيف في حال إقامة المسيرة، كما فعلت في مايو/أيار.
ولكن حتى مساء الأربعاء الـ17 من يونيو/حزيران، كانت احتمالية اندلاع حربٍ جوية جديدة قد تراجعت، في الوقت الحالي على الأقل، حسبما ورد في تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية.
البالونات الحارقة رداً على المسيرة
جرت المسيرة مع هتاف العشرات “الموت للعرب”، لكنها جاءت على نطاقٍ أضيق وتجنبت أكثر المناطق اضطراباً في المدينة. بينما ردت حماس، ولكن بإطلاق البالونات الحارقة بدلاً من الصواريخ هذه المرة، لتندلع عشرات الحرائق في المناطق الريفية جنوب الأراضي المحتلة. وحين ردّت حكومة الاحتلال وجيشها، قصفت عدداً من الأهداف الصغيرة.
ولم يبلغ الجانبان عن أيّ خسائر في الأرواح.
ولخّص نمرود نوفيك، محلل Israel Policy Forum، الوضع قائلاً: “إنّه ضبط نفسٍ مُنسّق. ولم يكن أمام الجانبين خيارٌ سوى فعل أيّ شيء. لكن كلاهما أجرا حساباته وأدرك أنّ الأمر لا يستحق العناء. لذا فعلوا ما هو ضروري، ثم عادوا إلى منازلهم في هدوء”، حسبما نقلت عنه الصحيفة الأمريكية.
الحرب بين حماس والاحتلال
وناسب هذا التبادل المحدود للتوتر الجانبين؛ إذ سمح لهما بإنقاذ ماء الوجه مع تجنب التصعيد الذي لن يصب في مصلحة حكومة الاحتلال الجديدة -التي تولت السلطة منذ أقل من أسبوع-، ولن يصب في مصلحة حماس التي بدأت للتو جهود إعادة إعمار غزة.
وبإطلاقها البالونات الحارقة، تمكنت حركة حماس من الاستمرار في تقديم نفسها كمدافعةٍ عن القدس، دون استفزاز الكيان الصهيوني لشن هجومٍ عسكري كبير؛ إذ قال المتحدث باسم حماس إنّ إجبار الاحتلال على تغيير مسار المسيرة يمثل “نجاحاً في فرض قواعد جديدة للاشتباك مع العدو”.
وبرد الاحتلال المحدود، نجحت الحكومة الجديدة في تقديم نفسها على أنها حصنٌ أقوى ضد حماس من سابقتها. إذ كان رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو يميل إلى تجاهل البالونات الحارقة، بينما ردت الحكومة الجديدة بقيادة نفتالي بينيت سريعاً بالقصف الجوي.
حيث غرّد نير أورباخ، عضو الكنيست: “لقد أعدنا الردع. ولن نستسلم للترويع”.
كما حاولت حماس أيضاً إظهار قوتها يوم الأربعاء. حيث قال موسى أبومرزوق، عضو الجناح السياسي البارز في حركة حماس، عبر مكالمةٍ هاتفية من قطر إنّ القيادة العسكرية للحركة ربما تختار التصعيد أكثر إن أرادت: “مسألة الرد بالقصف ما تزال على الطاولة، لكن الخيار في يد المقاومة”.
كيف تم تجنب الحرب بين حماس والاحتلال الصهيوني؟
من خلف الكواليس، نقل الدبلوماسيون والمحللون ديناميكيةً مختلفة؛ إذ تلقى الوسطاء الدوليون مؤشرات من الاحتلال وحماس بأنّ كلاً منهما لا يسعى لتصعيد الصراع أكثر، وفقاً لتصريحات دبلوماسي مشارك في المحادثات.
وقال غيث العمري، المسؤول الفلسطيني السابق الذي يعمل الآن محللاً في Washington Institute for Near East Policy، إنّ مواقف الجانبين حتى الآن هي استعراضيةٌ في مجملها.
وأردف: “ليس من مصلحة حكومة الاحتلال الجديدة أن تبدأ ولايتها بحرب، كما أنّ حماس تعرضت لما يكفي من الدمار. والحركة تعلم أنّ الشعبية التي حظيت بها بفضل الحرب الأولى مع غزة سوف تتآكل في حال اندلاع جولةٍ ثانية بهذه السرعة”.
ولكن الأمر لم ينتهِ.. إليك شروط كل طرف
ومع ذلك، لا تزال مسألة التوصل إلى هدنةٍ أعمق أمراً بعيد المنال، إذ لم تتفق حكومة الاحتلال مع حماس والسلطة الفلسطينية والمتبرعين الدوليين حتى الآن على آليةٍ لتوصيل المساعدات، والأموال، والمواد اللازمة لإعادة إعمار غزة التي تعرضت لدمارٍ هائل في الصراع الأخير.
وقال موقع واللا العبري، أمس السبت، إنهم في المؤسسة الأمنية الصهيونية يقدّرون أن حركة حمـاس لن تتردد في الانتقال إلى إطلاق الصواريخ، إذا لم يحصل أي تقدم في المفاوضات على المدى القريب، حسبما نقل عنه موقع وكالة “سوا” الإخبارية.
وأشار إلى أن الاحتلال تنوي الرد على كل خرق لوقف إطلاق النار، لكن أيضاً حمـاس لن تتنازل عن سقف المطالب التي حددتها في محادثات المفاوضات للوصول إلى ترتيب في قضية الأسرى والمفقودين ورفضها نقل المنحة القطرية من خلال السلطة الفلسطينية.
مساعدات الإعمار تدخل من مصر، ولكن الكيان الصهيوني تقيدها
ورغم تصريح بعض الدبلوماسيين بأنّ بعض مواد إعادة الإعمار قد بدأت تدخل إلى غزة من مصر الآن، لكن الاحتلال حد من عبور واردات البضائع الإنسانية عبر معابرها- مثل الأدوية والوقود والغذاء- في انتظار اتفاقٍ طويل الأمد. كما حظرت أيضاً المساعدات المالية من قطر قبل الحرب، وهي الدولة الخليجية التي ترسل نحو 30 مليون دولار شهرياً للمساعدة في استقرار اقتصاد غزة.
وتوقفت أيضاً الصادرات من غزة منذ بداية الحرب، لتُعيق الأعمال التجارية التي تعتمد على الأسواق الصهيونية للوقوف على قدميها. إذ قدّر حسن شهده، مالك مصنع ملابس في غزة، أنّه خسر مبيعات بمئات الآلاف من الدولارات بعد أن حظرت حكومة الاحتلال تصدير نحو 30 ألف قطعة ملابس لتجار الجملة اليهود.
بينما قال حرب سكر (30 عاماً)، الحارس الأمني السابق الذي يعيش الآن مع زوجته وأطفاله الأربعة في الفصل الثاني بمدرسة الشاطئ الابتدائية: “بالنسبة لنا، ما تزال الحرب مستمرة”.
وأردفت زوجته عائشة سكر: “لا نشعر بأنّ هناك هدنة. لقد دُمِّر منزلنا ولا نزال بلا مأوى”.
الخلاف مستمر حول الأسرى ودور السلطة
كما أنّ احتمالات عقد صفقة لإعادة الإعمار ووقف إطلاق النار الشامل تبدو معقدةً بسبب الخلاف حول إدراج مسألة تبادل السجناء في الاتفاق؛ إذ تُريد حكومة الاحتلال من حماس أن تُعيد اثنين من اليهود المفقودين الذين يُعتقد أنهم رهائن في غزة، إلى جانب رفات جنديين يهود آخرين. بينما تريد حماس إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال مقابل إطلاق الأسرى اليهود.
وعلى نحوٍ منفصل، يضغط المسؤولون الإسرائيليون والدبلوماسيون على السلطة الفلسطينية من أجل أن تلعب دوراً في تنسيق دخول أي مساعدات مستقبلاً. لكن حركة حماس التي تسيطر على غزة لم توافق على ذلك بعد.
وكانت آلية إعادة إعمار مماثلة قد وُضِعَت بواسطة الأمم المتحدة والاحتلال والسلطة الفلسطينية في أعقاب حرب غزة التي استمرت 50 يوماً في صيف عام 2014.
ويقول المسؤولون الأمنيون في حكومة الاحتلال الآن إنّ غالبية الأسمنت الذي دخل غزة ذهب لبناء شبكة الأنفاق الدفاعية الخاصة بحماس تحت الأرض، والتي كانت من أهم الأهداف الإسرائيلية خلال معركة الشهر الماضي.
وتتحكم حكومة الاحتلال مع مصر فيما يدخل ويخرج من غزة، بالإضافة إلى غالبية الوقود والكهرباء في المدينة. لكن الاحتلال له الكلمة العليا؛ نظراً لأنّ خطوط الإمداد الرئيسية تمر عبر الموانئ الخاضعة للاحتلال.
ويُقر المسؤولون اليهود على نحوٍ متزايد بضرورة تخفيف هذه القيود وفقاً لنوفيك: “هناك شبه إجماعٍ على أنّ الاستراتيجية السابقة أثبتت فشلها، وهناك إجماعٌ متزايد على المبادئ الأساسية للاستراتيجية البديلة. ولكن ليست هناك خطةٌ مفصلة لكيفية تحقيق ذلك”.
(المصدر: مجلة المجتمع)