مقالاتمقالات مختارة

كيف خططوا للإعلان عن القدس عاصمة لـ “إسرائيل”؟

بقلم د. هشام توفيق (باحث وكاتب مغربي)

صُدِمَ الاستكبار الصهيوني بصدمة أولى وهي “صَدْمَةُ أبوابِ الْأقْصَى” لما حُرِّرَتْ بفضل الله وصمود شعوب الأمة بقيادة شعب فلسطين المبارك. صدمة تركت في رأس الكيان الصهيوني رضوخا وانكسارات شككت في أساطيره وخرافته التي سعى لتحقيقها بوعود بريطانية وأمريكية وتصريحات بالية مهترئة، قصد تنفيذها واقعا بأي وسيلة من أجل تهويد مدينة القدس بأكملها ومقدساتها لغاية تدمير مسجدها الأقصى.

أمام هذه الانهزامات نتيجة صمود الشعب الفلسطيني بصحبة نصرة الشعوب العربية والإسلامية طبيعي أن يستدعي المشروع الصهيوني أحجامه البريطانية البلفورية والأمريكية المتهورة ذات الامتداد العنصري الصهيوني، فضلا عن استدعاء لتطبيع عربي ممنهج يخدم أجندة الاستكبار الصهيوني.

وبات المشروع الصهيوني الأمريكي في غضون انشغال الأمة بأحوالها الداخلية الفتنوية يعد مقدمات ومراحل تمهيدا لإجراءات مستقبلية جائرة في حق فلسطين، مستغلا تصاعد عملية التطبيع والاختراق الصهيوني في الدول العربية.

المرحلة الأولى

كمرحلة أولى شرع الاستكبار العالمي الصهيوني الأمريكي من أجل تعبيد الطريق لتهويد أكبر في القدس، واستهداف أشد للمقاومة، في إخراج عنصرية الديكتاتوريات العربية لتقسيم الأمة وتشتيتها بالوكالة، وحصار دول ومؤسسات وحركات مناصرة للقضية الفلسطينية، فضلا عن إضعاف شعوب الأمة واعتقال علمائها ونخبها، وتوظيف مفكرين ومثقفين للترويج للتعامل مع “إسرائيل”، وفسح المجال للغوغاء ولديدان القراء وعلماء السلطان للفتوى لأجل التطبيع مع “إسرائيل”.

وما هذه إلا أساليب إجهازية لحجب الساحات العربية والإسلامية، وتفريغ الساحة الشعبية من قوة ردود فعل لقوى الأمة ضد قرارات صهيونية أمريكية عربية ستستهدف المقومات الأقوى في الأمة، القدس والمسجد الأقصى المبارك والمقاومة.

المرحلة الثانية

وفي مرحلة ثانية وظف الكيان الصهيوني دول الاستكبار الغربي ومن بينها بريطانيا، لإنعاش عملية الزرع الكياني من خلال احتفال علني بوعد بلفور، عساه يضفي صبغة المصداقية بعدما فشل حكام العرب وأنظمة الجور في إقناع شعوبها بقبول الكيان ونتائج الاتفاقيات المبرمة سابقا بين العرب و”إسرائيل” عبر وسائل التطبيع والترويج.

وهذا الفشل في إقناع الشعوب راجع بطبيعة الحال إلى يقظتها التي ضاقت من سياسات تدميرية لبلادها وأبنائها على مرور قرن من الزمن.

وقد وعت الشعوب بشكل واضح وجلي أن اليد الحقيقية وراء زرع هذه الخبائث والفتن هي الفتنة الكبرى والداء الكبير الصهيوني، الذي وظف مؤخرا منتوجاته العربية لضرب حراكات الشعوب العربية والإسلامية لمنعها من تنسم نسيم الحرية والعدالة الاجتماعية.

فباتت الشعوب توجه بوصلتها نحو فلسطين ونحو “مرتع المرض”، وصارت أيادي الشباب والأجيال ترصد موطن الداء والخبث للتخلص منه.

المرحلة الثالثة

وفي مرحلة ثالثة سعى المشروع الصهيوني الأمريكي إلى الإجهاز على المنظمات العلمية والتاريخية غير المعترفة بالدولة العبرية.

فاستهدف الاستكبار الصهيوني الأمريكي منظمة الإسكوا واستهدف مفكريها وخبراءها، ورفض الأمين العام للأمم المتحدة تقرير ريما خلف، وتبع هذه الإجهازات حصار واستهداف لتقويض منظمة اليونسكو وتفريغ محتواها، وهو حصار كان على المستوى القيادي والريادي للمنظمة من خلال التآمر على إسقاط المرشح العربي من رئاسة المنظمة، وهي التي اعترفت أن القدس محتلة وأن المسجد الأقصى تراث إسلامي خالص للمسلمين.

لماذا هذه المقدمات؟

هذه المراحل الثلاث الساعية إلى الإجهاز على مقومات الأمة وقواها ما كانت إلا مقدمات استكبارية للتمهيد لقرارات مجحفة صهيونية أمريكية تتفق عليها أطراف عربية في صفقة قرن تكالبية للإجهاز على المقومات القوية في الأمة، القدس والمسجد الأقصى والمقاومة.

وما أقدم عليه ترمب بعد الاعتراف بالقدس عاصمة “”إسرائيل”” هو عنوان نتائج هذه المراحل، وما سعى إليه تصريحا ليس فقط خرقا سافرا، بل جنونا وتلفا وهوسا كاشفا عن عقيدة الحكم الأمريكي الذي يمثل امتدادا للفكر الصهيوني العنصري.

هي حماقات وتهورات تدل على تخبطات في المسار “الإسرائيلي” الأمريكي الذي وصل إلى عنق الزجاجة، وارتطم بطوفان الأمة وشعوبها الحاملة لهمّ المسجد الأقصى، والقاصدة للبوابة المقدسية الأصيلة لفهم التاريخ وواقعنا ونكباته، والمتشبثة بالبوصلة الحقيقية التي تزن بها الأمة قوتها أو ضعفها.

إن مدينة القدس هي على مر التاريخ عربية إسلامية مباركة بالمسجد الذي يتوسطها والحجارة وأشجار الزيتون المذكورة في القرآن، فهي أرض حققت وظيفتين على طول التاريخ والحضارة المقدسية، وظيفة المناصرة ووظيفة التعرية. مناصرة شعبها احتضانا وسكنا، وتعرية خونتها ومنافقيها كشفا وفضحاً.

وأخيرا..
هذه المراحل والمقدمات التصفوية الإجهازية بتدرج على مقدرات الأمة والشعوب العربية والإسلامية لغاية التمهيد للإعلان التوراتي الرسمي الأمريكي عن القدس عاصمة لـ “إسرائيل”، قد كشفت عن معالم خطتها توضيحا وتفسيرا وتحليلا في مقالات ودراسات خاصة تحت عنوان “الإجهاز التمهيدي على مقومات الأمة والمستهدف القدس والمقاومة”، بل وكتبت عن مراتب مقومات ومحركات الشعوب والأمة التي تنقسم إلى مقومات مهمة أو جزئية مناصرة ثم مقومات أهم ورئيسة.

فبالنسبة للمقومات الجزئية المهمة فهي كالدول والحركات، والمؤسسات والمنظمات العربية والإسلامية والغربية العالمية المنافحة عن فلسطين والقدس التي تلعب دور النصرة، فضلا عن النخب والعلماء والرموز والشخصيات المناصرة للقضية الفلسطينية، أما المقومات الأهم فممثلة في مقومي القدس والمقاومة. لذلك كان لزاما على الاستكبار الصهيوني الأمريكي العربي تصفية أو إجهاض المقومات الجزئية تمهيدا للإجهاز على المقومين الأساسين اللذين يشكلان بوصلة الأمة وبركتها وأملها وسراج زيتها وهما القدس والمقاومة.

(المصدر: مجلة المجتمع)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى