كيف حفظ الإسلام النسل؟
مقالات شرعية – بقلم محمد لافي
تنبع أهمية معرفة كيف حفظ الإسلام النسل – أو النسب أو العرض – من تفاقم الأزمة الأخلاقية التي تعاني منها البشرية في العصر الحديث، بعد أن طغى التهاون الغربي في كل ما يتصل بمسألة الأسرة بشكل عام، بدءا بالعلاقات المحرمة بين الرجل والمرأة، وصولا إلى ما يترتب على ذلك من ضياع الأنساب وفساد الأخلاق، وليس انتهاء بتجاوز الغرب لجميع الحدود والحواجز الدينية والأخلاقية في هذا الباب، بعد أن وقعوا يما وقع فيه قوم لوط عليه السلام، وأضحى للمثليين عندهم حقوق ومحاكم خاصة، في إشارة خطيرة لانتكاس البشرية عن الفطرة التي فطر الله عليها بني آدم.
والحقيقة أن الجريمة الأخلاقية التي غرق فيها الغرب في هذا المجال – ويحاول أن يغرق البشرية معه – هي من أخطر ما وقع فيه بعد فساد العقيدة وتبني “اللادينية” التي يسمونها “العلمانية”، فالأرقام والإحصائيات تنطق بآثار التهاون في موضوع حفظ النسل الذي عني به الإسلام عناية لا نظير لها.
إن غيضاً من فيض هذه الإحصائيات كاف لتصوير هول الفجيعة والأزمة الإنسانية، فهناك أكثر من مليون طفل غير شرعي سنوياً في الولايات المتحدة الأمريكية، و20% من المواليد المسجلين رسمياً في ألمانيا هي من دون زواج….وهو ما يستتبع وجود حوالي مليون حالة إجهاض سنوياً في الولايات المتحدة الأمريكية، وأن الغرب يسجل النسبة الأعظم من إجمالي عدد حالات الإجهاض في العام سنويا والبالغة 30 مليون حالة!!.
أمام هذا التهاون الغربي بحفظ النسل الذي أدى إلى اختلاط الأنساب، وانتهاك الأعراض، وانتشار الرذيلة والفساد، وجلب بدوره على البشرية المصائب والأمراض التي لم تكن في الأسلاف……. تكمن أهمية دراسة الاهتمام الإسلامي البالغ بهذا الأمر، ولا أدل على ذلك من جعل حفظ النسل من مقاصد الشريعة الإسلامية، بل من الضروريات الخمس التي جاء الإسلام وجميع الشرائع لحفظها.
كيف حفظ الإسلام على النسل “العرض”؟
لا يكتف الإسلام بوضع الحلول الناجعة لأي مشلكة تقع في حياة الإنسان من أي نوع، بل يسارع إلى وضع التشريعات التي تقي هذا المخلوق المكرم من الوقوع فيها أصلاً.
ومن هنا يمكن الإجابة عن سؤال المقال من خلال تشريعات الإسلام الوقائية والعلاجية في هذا الموضوع.
التشريعات الوقائية لحفظ النسل:
1- الترغيب في الزواج: وهو ما يؤكد أنه ليس في الإسلام حرمان، فما من شهوة أودعها الله تعالى في كيان الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها لإشباعها، قال تعالى: {……فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ…..} النساء/3، وقد عنون البخاري بهذه الآية لباب الترغيب في النكاح.
قال الحافظ ابن حجر: “ووجه الاستدلال بالآية أنها صيغة أمر تقتضي الطلب، وأقل درجاته الندب فثبت الترغيب” (1).
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم رغب الشباب من أمته على الزواج، ففي الحديث الصحيح عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لَا نَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) (2).
قال الإمام النووي رحمه الله: “وفي هذا الحديث الأمر بالنكاح لمن استطاعه وتاقت إليه نفسه، وهذا مجمع عليه” (3).
ولا يخفى ما في تشريع الزواج في الإسلام وترغيب الشباب على الإقبال عليه من تحصينهم من الوقوع فيما لا يرضي الله، ووقايتهم من سيل الشهوة الجارف الذي تبثه وسائل الإعلام الغربية والعربية ليل نهار.
والحقيقة أن الإسلام لم يكتف بتشريع الزواج كوقاية لحفظ النسل والأعراض من الضياع، بل شرع غض البصر لغير القادر على الزواج مادياً أو معنوياً، ففي الحديث ترغيب للشباب بالصوم للحد من ضغط الشهوة عند عدم القدرة على الزواج، مع ما في ذلك من وقاية عظيمة من الوقوع في كل ما يفسد حفظ الأعراض والأنساب، قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا…} النور/30.
2- الترغيب في تكثير النسل: فإلى جانب ترغيب الإسلام في الزواج رغب في صفات هذه المرأة المختارة بأن تكون ودوداً ولوداً، وذلك كتشريع وقائي لحفظ نسل أمة محمد صلى الله عليه وسلم وتكثيرها، فقد ورد في الحديث عن معقل بن يسار، رضي الله عنه، قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب ونسب إلا أنهها لا تلد، أفأتزوجها؟ فنهاه، ثم أتاه الثانية، فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فنهاه، وقال: (تزوجوا الولود الودود، فإني مكاثر بكم الأمم) (4).
3- التحذير من الرغبة عن الزواج: فليس في الإسلام رهبانية كما هو الأمر عند النصرانية المحرفة، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أخرج من يرغب عن سنته في الزواج عن نسبته له، ففي الحديث الصحيح عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ (أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) (5).
قال ابن حجر: قوله: “فليس مني” إن كانت الرغبة بضرب من التآويل يعذر صاحبه فيه فمعنى “فليس مني” أي: على طريقتي، ولا يلزم أن يخرج عن الملة، وإن كان إعراضاً وتنطعاً يفضي إلى اعتقاد أرجحية عمله فمعنى “فليس مني” ليس على ملتي؛ لأن اعتقاد ذلك نوع من الكفر، وفي الحديث دلالة على فضل النكاح والترغيب فيه” (6).
والحقيقة أن التحذير من الرغبة عن الزواج، والتحذير من التبتل والرهبانية فيه وقاية من فوات حفظ النسل، كما أن فيه صيانة لانحراف النفس إلى ما حرم الله بعد تحريم ما أحله الله، ففطرة الإنسان مجبولة على الميل إلى الزواج خلقة، ولا يمكن ضمان انحرافها أثناء فترة الرهبانية المبتدعة، ولعل في أخبار فضائح القساوسة والحاخامات التي تظهر تترى في السنوات الأخيرة ما يؤكد أهمية تشريعات الإسلام الوقائية لحفظ النسل والنسب والعرض.
تشريعات الإسلام العلاجية لحفظ النسل:
1- إيجاب الحد على جريمة الزنا: بداية عد الإسلام الزنا من الكبائر، قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} الإسراء/32، وفي الآية تحذير من مجرد الاقتراب من الزنا من خلال مخالطة أسبابه ودواعيه – كالنظر والاختلاط بالنساء الأجنبيات…الخ -، قال ابن كثير: “يقول تعالى ناهيا عباده عن الزنا وعن مقاربته، وهو مخالطة أسبابه ودواعيه” (7).
وقد ورد في الحديث الصحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: (أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ) قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: (أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَكَ) قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: (أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ) وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} الْآيَةَ (8).
وإذا كان مجرد التحذير من الاقتراب من فاحشة الزنا واعتبارها من الكبائر في الإسلام هو في الحقيقة تشريع وقائي لمنع حصول ما يهتك العرض ويضيع الأنساب، فإن في تشريع العقوبة والحد على هذا الفاحشة هو من الوسائل العلاجية لحفظ النسل، قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} النور/2، وفي الحديث عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (خُذُوا عَنِّى خُذُوا عَنِّى قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْىُ سَنَةٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ) (9).
وبغض النظر عن صعوبة اكتمال الشروط التي وضعها الإسلام لاستحقاق حد الزنا – بل وشبه استحالتها ذلك – إلا أن تقرير هذه العقوبة الشديدة تحقق مقصد الإسلام في حفظ النسل، وذلك من خلال ردع المجتمع بعقوبة مناسبة للجريمة المقترفة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “وأما الزاني فإن كان محصناً فإنه يرجم بالحجارة حتى يموت كما رجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعز بن مالك الأسلمي ورجم الغامدية وغير هؤلاء، ورجم المسلمون بعده، وإن كان غير محصن فإنه يجلد مائة جلدة بكتاب الله، ويغرب عاما بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم” (10).
2- حد اللواط: فبالإضافة لاعتبارها في الإسلام من أعظم الجرائم وأقبح الذنوب وأسوأ الأفعال المنافية للفطرة والطبع الإنساني السوي….فإن الله قد عاقب عليها بعقوبة شديدة تتناسب مع فظاعتها، وهو ما يردع كل من تسول نفسه التفكير في مثل هذه الجريمة البشعة التي تخرق ضرورة حفظ النسل بل وتجاوز ذلك بمراحل.
وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية إجماع الصحابة على قتل اللوطي سواء كان محصناً أو غير محصن فقال بعد أن نقل رأي بعض العلماء فيه: ” أما اللواط فمن العلماء من يقول: حده كحد الزنا، وقد قيل: دون ذلك، والصحيح الذي اتفق عليه الصحابة أن يقتل الاثنان الأعلى والأسفل، سواء كانا محصنين أو غير محصنين” وذلك لما رواه أهل السنن عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) (11).
ولم تختلف الصحابة في قتله ولكن تنوعوا فيه، فرُوي عن الصديق رضي الله عنه أنه أمر بتحريقه، وعن غيره قتله، وعن بعضهم أنه يلقى عليه جدار حتى يموت تحت الهدم، وقيل: يحبسان في أنتن موضع حتى يموتا، وعن بعضهم: أنه يرفع على أعلى جدار في القرية ويرمى منه ويتبع بالحجارة كما فعل الله بقوم لوط، وهذه رواية عن ابن عباس، والرواية الأخرى قال: يرجم، وعلى هذا أكثر السلف، قالوا: لأن الله رجم قوم لوط، وشرع رجم الزاني تشبيهاً بقوم لوط، فيرجم الاثنان، سواء كانا حرين أو مملوكين، أو كانا أحدهما مملوكاً والآخر حراً إذا كانا بالغين، فإن كان أحدهما غير بالغ عوقب بما دون القتل، ولا يرجم إلا البالغ” (12).
3- حد القذف: الذي جعله الله تعالى كبيرة من الكبائر تَهّدَّد من يفعله باللعن في الدنيا والآخرة وبالعذاب العظيم فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} النور/33، كما اعتبرها النبي صلى الله عليه وسلم من الكبائر بقوله: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ) قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: (الشِّرْكُ بِاللَّهِ…….. وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ) (13).
وقد رتب الله تعالى العقوبة على هذه الجريمة بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} النور/4، وهي عقوبة تساهم بشكل جلي في حفظ النسل، من خلال ردع كل من يتجرأ على أعراض المسلمين، ويطعن في شرف الأسرة المسلمة التي جاء الإسلام لصيانتها وحفظها.
4- تحريم الإجهاض وتقرير العقوبة عليه: أما تحريم الإجهاض فقد ثبت بعموم الآيات التي تحرم قتل الأولاد بغير حق، قال تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِذَا جَاءكَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلْـٰدَهُنَّ} الممتحنة/12، قال ابن كثير: “هذا يشمل قتله بعد وجوده كما كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الإملاق، ويعم قتلَه وهو جنين كما يفعله بعض الجهلة من النساء تطرح نفسها لئلا تحبل إما لغرض فاسد أو ما أشبهه” (14).
وأما العقوبة على من يتسبب بقتل جنين المرأة في بطنها – من خلال الإجهاض – فهي غرة عبد أو أمة – أي العبد أو الأمة الصغير المميز – ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بغرة عبدٍ أو أمة) (15).
قال ابن تيمية في الجواب عن قضية امرأة تعمدت إسقاط الجنين إما بضرب أو شرب دواء: “يجب عليها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واتفاق الأئمة غُرة: عبد أو أمة، تكون لورثة الجنين غير أمه” (16).
بعد كل ما سبق لا يمكن مقارنة ما سنَّه الإسلام من تشريعات وقائية وعلاجية لحفظ الأعراض والأنساب بأي تشريع سابق أو لاحق عليه سماوياً محرفاً كان أم وضعياً بشرياً، فبينما تساهم تشريعات الإسلام في حفظ أهم ضروريات استمرار حياة الإنسان – النسل – تساهم ممارسات الغرب وحتى تشريعاته الوضعية في انتهاكه بشكل فاضح ومشين.
المصدر: موقع المسلم
______________________
(1) فتح الباري شرح صحيح البخاري 6/9.
(2) صحيح البخاري برقم/5066.
(3) شرح صحيح مسلم 9/172.
(4) سنن أبي داود 1/625 برقم 2050 وصححه الألباني في إرواء الغليل 6/195 برقم 1784.
(5) صحيح البخاري برقم/5063.
(6) فتح الباري 9/8.
(7) تفسير ابن كثير 5/73.
(8) صحيح البخاري برقم/6001.
(9) صحيح مسلم برقم/4509.
(10) مجموع الفتاوى 28/333.
(11) سنن أبي داود برقم 4462 وصححه الألباني.
(12) مجموع الفتاوى 28/ 334-335 والسياسة الشرعية ص138.
(13) صحيح البخاري برقم/2766.
(14) تفسير ابن كثير 8/100.
(15) صحيح البخاري برقم /6904.
(16) مجموع الفتاوى34/161.