مقالاتمقالات مختارة

كيف تَثْبُت على الطاعة بعد رمضان؟؟؟

بقلم د. أحمد عبد المجيد مكي 

يلاحظ أَنَّ كثيرًا من المسلمين ممن كانوا يحافظون على أنواع كثيرة من الطاعات في رمضان كالذكر والصدقة والتبكير إلى الصلوات وغيرها، يهملون هذه الطاعات بعد انقضاء الشهر ولا يثبتون عليها ، وهذا الأمر إِنْ استمر له خطورته على إيمان العبد وخاتمته وآخرته.
وقد أمرنا الله بالثبات على الطاعات حتى الممات في قوله تعالى: واعبد ربك حتى يأتيك اليقين. كما أمرنا أَنْ نسأله عدة مرات في اليوم الواحد أَنْ يهدينا الصراط المستقيم. فما هي الوسائل المُعِينة على الثبات وما هي الوسائل المُعِيقة له ، هذا ما سأتناوله في السطور التالية :

أولا – الموانع أو الوسائل المُعِيقة له :
المانع الأول – طُولُ الْأَمَلِ :
وحقيقته: الحرص على الدنيا والانكباب عليها، والإعراض عن الآخرة، وقد حَذَّرنَا الله مِنْ هذا المرض في قوله) : وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ) . أَيِ طُولُ الْأَمَلِ ، و بَيَّنَ سبحانه أَنَّهُ سبب قسوة القلب فقال : وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ . (الحديد:16)، كما بَيَّنَ أَنَّهُ سبب للانتكاس والسقوط والانشغال عن هدف الانسان من الحياة فقال سبحانه : ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ »{الحجر:3} ، وما ذاك إِلَّا لِأَنَّهُ – كما يقول الإمام القرطبي في تفسيره- دَاءٌ عُضَالٌ ومرض مُزْمِنٌ ، ومتى تَمَكَّنَ من القلب فسد مزاجه واشتد علاجه، ولم يفارقه داء ولا نجع فيه دواء، بل أعيا الأطباء ويئس مِنْ بُرْئِهِ الحكماء والعلماء.
وقال الحسن البصري: ما أطال عَبْدٌ الْأَمَلَ إِلَّا أساء العمل. وصدق رضي الله عنه! فالأمل يُكْسِلُ عن العمل ويورث التراخي والتواني، وَيُعْقِبُ التشاغل والتقاعس، وَيُخْلِدُ إلى الأرض وَيُمِيلُ إلى الهوى. وهذا أمر قد شوهد بالعيان فلا يحتاج إلى بيان ولا يطلب صاحبه ببرهان، كما أَنَّ قِصَرَ الأمل يبعث على العمل، ويحث على المسابقة. انتهى كلام القرطبي رحمه الله
المانع الثانى: التوسع في المباحات:
لا شك أَنَّ التوسع في المباحات من الطعام والشراب واللباس ونحوها سبب في التفريط في بعض الطاعات وعدم الثبات عليها. إذ إنَّ هذا التوسع يورث الركون والنوم والراحة والدَّعَةَ، بل قد يجر إلى الوقوع في المكروهات، لِأَنَّ المباحات باب الشهوات، و ليس للشهوات حَدٌّ ، لذا أمر سبحانه بالأكل مِنْ الطَيِّبَاتِ ونهى عن الطغيان فيها قال تعالى: كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ. (طه:81)، ولا يعني هذا تحريم ما أحل الله، فاستعمال المباح لا حرج فيه، لَكِنَّ الآفة أَنْ يكون في ذاته هدفًا وغاية.

المانع الثالث: الابتعاد عن الأجواء الإيمانية:
مِنْ أصول عقيدتنا أَنَّ الإيمان يزيد وينقص، فيضعف ويضمحل إذا عَرَّضَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ لأجواء الإباحية والفجور والتبرج والسفور أو انشغل قلبه على الدوام بالدنيا وأهلها، وقد حث الشرع على مرافقة الصالحين وملازمتهم ليعتاد المسلم فعل الطاعات، وترك السيئات.
ومما يؤكد أَنَّ البيئة تؤثر في ايمان العبد: جواب الْعَالِمِ لقاتل المائة حينما سأله: هل له من توبة؟ قال الْعَالِم : نعم ومن يحول بينك وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا فَإِنَّ بها أناسًا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء …الحديث.

ثانيا: العوامل أو الوسائل المُعِينة على الثبات :
العامل الأول: الدعاء بالثبات:
مِنْ صفات عباد الرحمن أنهم يتوجهون إلى الله بالدعاء أَنْ يثبتهم على الطاعة و أَنْ لا يزيغ قلوبهم بعد إذ هداهم ، فهم يوقنون أَنَّ قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن يُصَرِّفُهَا كيف يشاء ، لذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: اللهم يا مُقَلِّبَ القلوب ثَبِّتْ قلبي على دينك، اللهم يا مُصَرِّف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك. وكان من دعائه : اللهم اهدني ويَسِّر الهدى لي. وكان الصحابي الجليل عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما يدعو: اللهم يَسِّرني لليسرى وجَنِّبْنِي العسرى.
العامل الثاني: تنويع الطاعات والمسارعة إليها:
مِنْ رحمة الله عز وجل بنا أَنْ نَوَّعَ لنا العبادات لتأخذ النفس بما تستطيع منها، فمنها عبادات بدنية، ومالية وقولية وقلبية وقد أمر الله عز وجل بالتسابق إليها جميعا، وعدم التفريط في شيء منها. وبمثل هذا التنوع وتلك المسارعة يثبت المسلم على الطاعة، ولا يقطع الملل طريق العبادة عليه، مصداقًا لقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا.(النساء:66)
وقد ألمح النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك حين سأل صحابته: مَنْ أصبح منكم اليوم صائما؟ قال أبو بكر: أنا، قال: مَنْ اتبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: مَنْ أطعم اليوم منكم مسكينا؟ قال أبو بكر: أنا، قال: مَنْ عاد منكم اليوم مريضًا؟ قال أبو بكر: أنا. قال صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة. ونلاحظ أَنَّ الطاعات المذكورة جمعت أنواعًا من العبادات فمنها عبادات بدنية (كالصيام، واتباع الجنائز، وعيادة المريض) وعبادات مالية (كإطعام المساكين)، وعبادات ذات نفع متعد مثل (عيادة المريض اتباع الجنائز إطعام المساكين). وعبادات ذات نفع قاصر (مثل الصيام).

العامل الثالث: التعلق بالمسجد وأهله:
ففي التعلق بالمسجد وأهله ما يعين على الثبات على الطاعات، حيث المحافظة على صلاة الجماعة والصحبة الصالحة ودعاء الملائكة، وحلق العلم، وتوفيق الله وحفظه ورعايته. ونصوص الوحيين في ذلك كثيرة مشهورة.
العامل الرابع: مطالعة قصص الصالحين:
لقد قص الله علينا في كتابه قصصًا طيبة مِنْ أخبار الأنبياء والسابقين، ولم تذكر للتسلية والسمر ولكن لننتفع ونتعظ بها. ومن منافعها تثبيت قلوب المؤمنين والمؤمنات والطائعين والطائعات، قال تعالى: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ . (هود:120).
وكثير من الناس تتغير أحوالهم إِلى الأصلح والأحسن بالاطلاع على سير العظماء والأكابر، خاصة سير السلف الصالح الأوائل الذين ضربوا أعظم الأمثلة في التضحية والعبادة، والزهد والجهاد والإنفاق وغيرها. وكانوا بحق شامة الناس ومقدمي الأمم. فالاطلاع على هذه السير يورث المرء حماسًا عظيمًا
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم * إِنَّ التشبه بالكرام فلاح
العامل الخامس: الخوف من سوء الخاتمة :
سوء الخاتمة معناه أن يموتَ العبد على حالةٍ سيئة لا تُرضِي الله عز وجل، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه طريق الهجرتين: فمَن كان مشغولاً بالله وبذكره ومحبَّته في حال حياتِه، وجد ذلك أحوَج ما هو إليه عند خروج رُوحه إلى الله، ومَن كان مشغولاً بغيره في حال حياته وصحَّته، فيعسرُ عليه اشتغاله بالله، وحضوره معه عند الموت، ما لم تدركه عنايةُ ربِّه، ولأجل هذا كان جديرًا بالعاقل أن يُلزم قلبَه ولسانه ذكرَ الله حيثُما كان لأجل تلك اللَّحظة، والتي إن فاتت شقِيَ شقاوة الأبد، فنسأل الله أن يُعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته . انتهى كلامه
ويقول أيضاً في كتابه الداء والدواء: واعلم أن سوء الخاتمة، أعاذنا الله تعالى منها، لا تكون لمن استقام ظاهره وصلح باطنه، ما سُمِعَ بهذا ولا عُلِمَ به ولله الحمد، وإنما تكون لمن له فساد في عقيدته، أو إصرار على الكبائر، وإقدام على العظائم، فربما غلب ذلك عليه حتى ينزل به الموت قبل التوبة، فيأخذه قبل إصلاح الطوية، ويختطفه قبل الإنابة فيظفر به الشيطان عند تلك الصدمة، والعياذ بالله.
نسأله سبحانه أَنْ يستعملنا في طاعته وأَنْ يثبتنا عليها. آمين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى