كيف تقضي الأنظمة الفاسدة على الثورات الشعبية؟
بقلم وليد ظاهري
المظاهرات الشعبية في أي دولة في العالم تجلب تعاطفا داخليا وخارجيا يوما بعد يوم لأنها تمتلك صفة البراءة والتلقائية والعفوية، ولأن الشعب هو صاحب الدولة يملكها ويمتلكها أخلاقيا وقانونيا فلا أحد يستطيع أن يرفض إرادة شعب ما في تغيير نظامه وواجهته السياسية، وبالتالي فإن أي مواجهة للشعب هي خاسرة أخلاقيا وقانونيا وحتى عسكريا فلا توجد قوة في العالم تستطيع أن تبيد شعب بكامله، لذلك تلجأ الأنظمة الفاسدة دائما لمجموعة من الإجراءات والأليات للقضاء على ثورات الشعوب والانتصار عليها ومن هذه الأليات ما يلي:
تسعى الأنظمة لتقسيم الشعب والمظاهرات العارمة إلى جناح يتبعها وجناح يرفضها، كأن تعطي الأنظمة خطة ما للتغيير تكون شكلية وليست جذرية كما يطالب بها الشعب، ويحاول النظام الترويج لخطته وفكرته لحل الأزمة عن طريق وسائله الإعلامية أو الصحافة التابعة له والشخصيات الإعلامية أو الفكرية التي تتغذى على ما يعطيه لها من رشاوى وهدايا سياسية، وعندما ينقسم الشارع إلى جناحين يشعل النظام فتيل النار بينهما ثم يتدخل بعد ذلك بحجة أخلاقية وقانونية هو الذي فبركها وهي القضاء على العنف والفوضي، ثم يرسم خطته دون اية إزعاجات أو املاءات.
وحين لا يستطيع النظام تقسيم الشارع يسعى إلى تقزيم المظاهرات وتحجيمها لتصبح ألالاف أو مئات بدلا من الملايين، ويكون ذلك بمحاولة بث الرعب في الشعب وتوجيه الرأي العام نحو مواضيع جانية لإلهائه وإبعاده عن موقفه الأساسي، كما قد يكون بتسليته واعطائه جرعات قليلة من التغيير وكسب الوقت أسبوع أسبوعين شهر شهرين لتقل المظاهرات ويسهل عندها التعامل معها بالطرق المعروفة التي قد تصل حتى إلى الإبادة.
حين تكون المظاهرات شعبية فإنها تمتلك صفة الحق والبراءة وبالتالي يجب إلقاء بعض التهم عليها بأنها مثلا مظاهرات إسلامية أو جهوية أو طائفية وحين يتم تصنيف المظاهرات يعمل النظام الفاسد على تأجيج وتشجيع مخالفيهم ليحاربونهم إعلاميا وسياسيا أو حتى بالقوة، ليتدخل هو ذلك ويحقق أهدافه في بقاء نظامه الفاسد.
ويكون ذلك بإلقاء تهما حول رموز التظاهرات وتسريب بعض الوثائق المزورة أو حتى الحقيقية ويتم تأويلها ليقتنع الشعب أن هناك من يستغل حراكه لتنفيذ خطط خارجية وهو لا يدرى، وأنتم تعلمون أن التكرار والإعادة للأشياء الكاذبة يجعل البعض يصدقها ويقتنع بها مع أن المفروض أن خطط التأمر أو الاستغلال يجب كشفها كاملة للشعب ويتناقش في مصادرها ومدى صحتها وعندها يقرر، ولكن الأنظمة الفاسدة لا تكشف أي شيء وإنما ترمي التهم بالمجان، والذي عنده الدليل ولا يكشفه فإنه يثبت أن دليله كاذب ولا أصل له.
وربما هذه هي الوسيلة الأخيرة التي تضطر لها الأنظمة الفاسدة فتحاول الدخول داخل المظاهرات التي تستغرق زمنا طويلا، فتسعى بعض أيادي النظام للتغلغل داخل المظاهرات للتأثير على قياداتها ونشطائها الميدانيين كما تسعى لدس بعض الشعارات ذات الفهم المزدوج والقابلة للتأويل المعاكس لتعمل بهذه الطريقة على امتصاص ذلك الخطاب القوى وتغيير نبرته من الداخل ليسهل فيما بعد اتخاذ وسيلة أخرى من الوسائل الأربعة السابقة.
وعموما عندما تعجز الأنظمة في هذه الوسيلة الأخيرة فإنها حتما ستكون أمام أمرين إثنين إما الإستجابة لمطالب المظاهرات وسيكون ذلك نهاية لتلك الانظمة التي تعمل حينها على حماية ما تبقى منها، لكن الغالب هو أن تعمل تلك الأنظمة الغبية والمستبدة على المواجهة الفعلية والتي ستكون حتما نهاية لها لأن الهزيمة الأخلاقية ستليها حتما هزيمة فعلية واقعية، فالحق دائما لا ينهزم أمام الباطل وإنما أحيانا ينجح البعض في إلباس الباطل لباس الحق أما أن يكون الحق واضحا جليا فإن النصر حتما سيكون خاتمة المظاهرات الشعبية الكبيرة.
(المصدر: مدونات الجزيرة)