مقالاتمقالات مختارة

كيف تفكر طالبان؟!

كيف تفكر طالبان؟!

بقلم حسن الرشيدي

“نتعهد بإقامة نظام إسلامي حقيقي في أفغانستان”

بهذه العبارات بدأ البيان الذي أصدره نائب زعيم طالبان ورئيس المكتب السياسي الملا عبد الغني برادر منذ عدة أيام، وقال البيان: “نأخذ على أنفسنا التزاما باستيعاب جميع حقوق مواطني بلدنا، سواء كانوا ذكورا أو إناثا، في ضوء قواعد الدين الإسلامي المجيد والتقاليد النبيلة للمجتمع الأفغاني”.

لقد عبر البيان عن الحالة التي ستسير فيه أفغانستان مستقبلا، فبعد حوالي شهرين تكون الولايات المتحدة قد أوشكت على إتمام عملية انسحابها من الأراضي الأفغانية بعد احتلال دام ما يقرب من عشرين سنة، تمكنت خلاله من إزاحة حركة طالبان عن الحكم، ولكنها في الوقت نفسه عجزت عن القضاء التام على الحركة التي بقيت تقاوم الاحتلال العسكري الأمريكي.

وإزاء الصمود الطالباني وعدم وجود أفق لنهاية الاحتلال الذي كبد الخزانة الأمريكية المليارات طوال هذه السنين، فضلا عن ظهور أعداء ومنافسين استراتيجيين للولايات المتحدة في تربعها على عرش النظام الدولي واقتضت الضرورة للتفرغ في حلبات الصراع معهم… قامت أمريكا بإبرام اتفاق مع حركة طالبان يقضي بالانسحاب العسكري الأمريكي.

ولم تنتظر حركة طالبان إتمام أمريكا عملية الانسحاب، ولكن سارعت إلى مد نفوذها إلى الأراضي الأفغانية فتساقطت المديريات الأفغانية الواحدة تلو الأخرى، حيث تشير كثير من التقديرات الدولية والمخابراتية إلى أن الحركة ستسيطر في القريب العاجل على مجمل الأراضي الأفغانية، بعد أن كانت التقديرات المتفائلة بصمود القوات الحكومية لمدة عام أو عامين: فهناك على سبيل المثال تقرير للمخابرات الأمريكية يشير إلى أن الحكومة الأفغانية ستسقط بيد طالبان في غضون 6 أشهر بمجرد اكتمال الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، بينما تقول صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أن الجدول الزمني لبقاء الحكومة دون انهيار، أصبح الآن يتراوح بين 6 أشهر إلى عام واحد.

ومع اقتراب عودة نظام طالبان إلى الحكم، فإن السؤال المركزي يدور حول كيف سيكون شكل الحكم القادم، وطريقة تعاطي الحركة مع المشاكل السياسية التي تعصف من كل حدب وصوب بهذا البلد؟

ولكي نستطيع الإجابة على هذه الأسئلة يجب علينا أن نفهم كيف تفكر طالبان؟ أو ما هي العوامل المؤثرة في سلوكها القادم؟

هناك عاملان يسهمان بشكل كبير في أسلوب حكم طالبان: المدرسة الفكرية التي تنهل منها الحركة، ودرجة البراجماتية السياسية التي تتعامل بها.

أولا/ أصول الفكر الطالباني:

تنتمي طالبان إلى ما يعرف بالمدرسة الديبوندية، وهي جامعة دار العلوم التي تم تأسيسها في القرن التاسع عشر في مدينة ديوبند الهندية والتي تبعد 150 كيلومتر عن دهلي العاصمة، وجاء إنشاءها بعد أن قضى الإنجليز على الثورة الإسلامية في الهند عام 1857م، فكان تأسيسها رد فعلٍ قوي لوقف الزحف الغربي ومدنيته المادية على شبه القارة الهندية لإنقاذ المسلمين، خاصة بعد أن وقعوا بين فكي كماشة من الهندوسين المتعصبين والإنجليز الذين يكنون عداء للمسلمين الذين حكموا الهند قبل مجيئهم وقادوا الثورة ضد احتلالهم للهند.

والديبوندية مدرسة فكرية عميقة الجذور طبعت كل خريج منها بطابعها العلمي الخاص حتى أصبح ينسب إليها.

وشأن أكثر المدارس الفكرية أو العقدية الإسلامية فإن المدرسة الديوبندية ترى أن عقائدها ومناهجها تتفق مع منهج أهل السنة والجماعة.

وقد حاولنا استعراض أهم أفكار وعقائد المدرسة الديوبندية من خلال كتاب الشيخ محمد طيب قاري، وهو المدير الأسبق لدار العلوم في ديوبند وأحد كبار مشايخها من خلال كتاب مسلك علماء ديوبند، وهو كتاب تم تأليفه في عام 1979 متوفر على موقع دار العلوم على الإنترنت.

يقول الشيخ الطيب: إن علماء ديوبند هم من أهل السنة والجماعة تماما وليسوا فرقة جديدة أو جماعة حديثة تحمل معتقدات من نوع جديد، فجماعة ديوبند هذه سعت باتخاذ كل ما تستطيعه للحفاظ على عقائد أهل السنة والجماعة ومبادئها وأصولها في داخل الهند وخارجها ولقنتها الجماهير.

ولخص الشيخ الطيب خصائص الديوبندية في سبعة عناصر أطلق عليها سنابل وهي:

العلم بالشريعة، العقيدة الماتريدية الأشعرية، التقليد الفقهي (المذهب الحنفي)، إتباع الطريقة الإحسانية، مجابهة الزيغ والضلال، الجامعية والجماعية، التمسك بالسنة.

وبالنسبة لموقف الديوبندية من الصوفية يقول الشيخ الطيب : جملة القول إن علماء ديوبند لا ينكرون التصوف أو طرق الصوفية ومناهج التربية لدى الزهاد العباد والمصلحين الموثوق بهم، وهم فعلا يأخذون بهذه الطرق وهذه المناهج؛ وإنما ينكرون تقاليد أولئك المغالين الجهلاء الذين يمارسون مجرد المحاكاة ويقومون بعروض وتظاهرات، ويؤكد الشيخ الطيب على أن علماء ديوبند يستنكرون بشكل مؤكد وينهون عن التقاليد البدعية الشركية، التي يمارسها المبتدعون كما يقول في مناسبات الزواج والمآتم والاحتفال بالموالد والوفيات للمشايخ والزهاد، وتقديم النذور والقرابين للقبور والأضرحة وتشييد البناء عليها وإنارة المباني عليها والسجود لديها والمطاف بها وطلب الحوائج من أصحابها؛ مُعتبرين ذلك كله بدعة صريحة بل شركا واضحا، كما ينهون عن كل شيء لا يمت إلى السنة بصلة.

ولكن أكثر علماء السلف يخرجون الماتريدية والأشاعرة من مسمى أهل السنة والجماعة، فكما يقول الشيخ صالح بن فوزان فإن المراد بأهل السنة والجماعة حقا من كان على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم الفرقة الناجية وهذا الوصف لا ينطبق إلا على الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم واتبع طريقهم، والأشاعرة الماتريدية خالفوا  الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة في كثير من المسائل الاعتقادية وأصول الدين، فلم يستحقوا أن يلقبوا بأهل السنة والجماعة، وهؤلاء لم يخالفهم شيخ الإسلام ابن تيمية وحده، بل خالفهم عامة الأئمة والعلماء الذين ساروا على نهج السلف.

ولكن يبدو أن مدرسة الديوبندية تنقسم إلى اتجاهات عديدة، منها ما هو أقرب إلى مذهب أهل السنة والجماعة كما عرفه علماء السلف، ومنها ما يتصل بفرق أخرى كالماتريدية والأشاعرة

بينما يقسم الدكتور مصباح عبد الباقي الاتجاهات الفكرية داخل الديوبندية إلى ثلاثة اتجاهات:

أولها: الاتجاه الصوفي الذي يعمل من خلال الخانقاهات ويمثله الشيخ أشرف علي التهانوي الملقب بحكيم الأمة والذي توفي بعد نشأة باكستان.

وهناك كذلك الاتجاه القريب من السلفية من حيث تركيزه على محاربة البدع وبعض ممارسات المتصوفة مثل طقوس زيارة القبور ولكنهم لا يأخذون بكل المعتقدات السلفية في الأسماء والصفات وتعريف الإيمان ويمثل هذا الاتجاه الشيخ حسين علي.

ثم هناك الاتجاه التعليمي الذي وقف نفسه للتعليم وإنشاء المدارس والتدريس فيها.

ثانيا/ البراجماتية السياسية عند طالبان

البراجماتية السياسية في أبسط تعريف لها، هي العمل بما يراه السياسي مصلحة للدولة ومنفعتها، وهناك اختلاط بين مفهومي البرجماتية والمصلحة الشرعية: يتفق المصطلحان باعتبار المصلحة هي أصل السياسة ولكن يختلفان في الركائز والمنطلقات، فالبرجماتية الغربية ترى المصلحة مطلقة من دون قيد دين أو نصوص شرع أو عقيدة، وحتى لو كانت مصلحة متوهمة أو جزئية أو خاصة فيجب اعتبارها، أما في الشرع فالنص هو الأصل واتباعه هو المصلحة في حد ذاته أما ما لم يرد به نص بمصلحته أو مفسدته فهي المصلحة المرسلة، التي يمكن اعتبارها بشروط أهمها أنها لا تخالف أصلا أو نصا قطعيا، مع وجود خلاف بين العلماء في جواز الأخذ بها إذا تعارضت المصلحة القطعية مع نص شرعي ظني الدلالة أو الثبوت.

اتسمت حرجة طالبان خاصة في نسختها الأخيرة أي بعد سقوط حكومتها عام 2001، بنهج أكثر عملية (براجماتية) في حركتها السياسية كان من أبرز مظاهره:

1-فبالرغم من أنها الحركة في أساسها جاءت من عرقية الباشتون فإنها في المراحل المتأخرة من حركتها، قد جذبت إليها وأعطت مكانا واسعا لغير عرقية البشتون من الأوزبك والطاجيك والتركمان، كما أظهرت قدرا أكثر احتواء لطائفة الهزارة الشيعية في محاولة لإدماجهم في النظام السياسي الجديد الذي ستقوده وتسيطر عليه طالبان.

2-كذلك أثبتت الحركة منهجا عمليا في تعاطيها مع الدول الخارجية المحيطة بها، وخاصة روسيا وإيران والتي لهما تاريخ من العداء مع الحركة، فمع إيران وفي شهر يناير الماضي ذهب وفد يترأسه رئيس المكتب السياسي لطالبان الملا عبد الغني برادر إلى العاصمة طهران، والتقى بوزير الخارجية محمد جواد ظريف، ونفي وفد حركة طالبان في مؤتمره الصحفي الذي عقده في العاصمة طهران أي صلة للحركة بمهاجمة القنصلية الإيرانية في مزار شريف عندما كانت الحركة تحكم أفغانستان ألمر الذي كاد الطرفان أن يدخلا في حرب بينهما آنذاك.

أما الزيارة الأكثر براجماتية فهو زيارة طالبان موسكو منذ أيام، حيث حاول وفد طالبان طمأنة الجانب الروسي، بل تعهد لروسيا بعدم خرق حدود دول آسيا الوسطى ومكافحة تهديد تنظيم داعش.

هكذا بدت طالبان بثوب جديد تستعد فيه لتكون فيه على رأس نظام سياسي، قادر على التعاطي خارجيا مع الدول بدلا من الانعزال، ويتوافق مع المكونات العرقية والمذهبية في الداخل، وصولا إلى درجة مقبولة من الحكم الرشيد.

المصدر: مجلة البيان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى