مقالاتمقالات مختارة

كيف تستعد لأداء فريضة الحج؟

كيف تستعد لأداء فريضة الحج؟

بقلم كارم الغرابلي

لا يزال الناس يحجون منذ رفع إبراهيم القواعد من البيت، وأذن في الناس بالحج كما أمره ربه عز وجل إلى يومنا هذا، ولا ينقطع الحج طالما على الأرض مؤمن، فإذا قبض الله أرواح المؤمنين، ولم يبق على ظهر الأرض إلا شرار الخلق الذين تدركهم الساعة وهم أحياء توقف سيل الحجيج إلى بيت الله الحرام.

وعليه كيف يستعد الحجيج لأداء مناسك الحج؟

في هذا الإطار قال الدكتور ماهر السوسي الأستاذ المشارك بكلية الشريعة والقانون الجامعة الإسلامية: “أمام هذه المنزلة الكبيرة التي يولد الإنسان من خلالها خلقا جديدا فإن الفعل والاستعداد له لا بد أن يكافئ ويوازي هذا الميلاد وهذه النشأة الأخرى، وذلك من خلال أولا المعرفة بأن هذه النقلة إلى تل العتبات الشريفة هي نقلة قلوب ومشاعر”.

وأضاف: “وذلك ما أشار إليه دعاء ابراهيم عليه الصلاة والسلام حين قال {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} [إبراهيم:37] فهي رحلة قلوب قبل أن تكون رحلة قوالب، أفئدة وليست أجسام وإلا فما أكثر الركض وما أقل الحجيج كما قال ابن عباس رضي الله عنهما”.

رحلة تأديبية

د. ماهر السوسي: على كل من أراد أن يؤدي هذا الفرض أن يمتلك الحد الأدنى من معرفة الأركان والواجبات والسنن المتعلقة بالحج والعمرة

وأكد السوسي أنها رحلة تهذيبية وتأديبية إضافة إلى ذلك فإن الحج هو تعزيز وتأكيد لفضيلة بل أم الفضائل “التقوى” كما قال محمد عبد الله دراز في كتابه دستور الأخلاق في الإسلام وبيان ذلك أن الله تعالى لم يفتتح دورة الحج بأي ركن من أركانه بل قال {يا أيها الناس اتقوا ربكم}.

وأشار إلى أن الله عز وجل قال في نفس السورة عن عبّاد الهدي: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ} [الحج:37]، ولعل الإحاطة بثمرات الحج من الصعوبة بمكان والتي ينبغي أن يستحضرها الحاج قبل شد الرحال والتي منها على كثرتها استحضار انتقال العبد إلى مولاه سبحانه وتعالى، وبالذات عندما يلبس لباس الإحرام متجردا من كل زينة {يَا أَيُّهَا الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيه} [الانشقاق:6].

وذكر أن وقوف الحاج في عرفات والذي يذكر الإنسان بأرض المحشر حينما يرى تلك الحشود والجماهير المليونية في صعيد واحد، وأكف الضراعة مرفوعة إلى الله تعالى تؤازرها الأقدام وقوفا تأكيد وبرهان على مدى الحاجة والافتقار من هذا العبد الفقير لمولاه تبارك وتعالى حيث لا يدعو إلا ربه ولا يخاف إلا ذنبه.

وأشار إلى أن الفقه والعلم مقدمان على العمل فالمداركة قبل الممارسة، ومن عبد الله على جهل فكأنما عصاه، الأمر الذي يوجب على كل من أراد أن يؤدي هذا الفرض أن يمتلك الحد الأدنى من معرفة الأركان والواجبات والسنن المتعلقة بالحج والعمرة.

ولفت إلى أن معرفة ميسورة وموفورة أولا من خلال المنشورات والكتيبات، ثانيا من خلال الندوات واللقاءات التي تعقدها ثلة من وزارة الأوقاف ودائرة الوعظ والارشاد فيها.

عبادة روحية وجسدية

د. صلاح الدين فرج: الحج عبادة روحية وجسدية، وعلى المسلم أن يطهر نفسه وبدنه وماله قبل القيام بها

من جهته قال الدكتور صلاح فرج المحاضر بكلية الشريعة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية أن الحج عبادة روحية وجسدية وهي رحلة يتحمل فيها المسلم مشاق ترك الوطن والأهل وبذل المال والانقطاع إلى الله ابتغاء رضاه سعيا لتكفير الذنوب وفتح صفحة جديدة من صفحات الخير والإيمان‏. ‏

وحول الاستعداد لأداء فريضة الحج وأهم ما يجب التركيز عليه حتى يرجع بحج مبرور وذنب مغفور يرى فرج أن المسلم يجب عليه تطهير النفس والبدن والمال قبل أي عبادة، خاصة عبادة الحج؛ حيث جعل الله تبارك وتعالى الأشهر الحرم تمهيدا لذهاب الحجيج لبيته لأداء المناسك في أمن وأمان فقد قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة:36]

وأشار فرج إلى أن الله تعالى قد أمر رسوله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام بتطهير البيت فقال تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة:125] فوجب على العبد أن يطهر نفسه وحاله، فرغم أن إبراهيم وإسماعيل كانا ينفذان أمر الله بالبناء والتطهير لبيته الحرام فإنهما عقب التنفيذ سألا الله قائلين‏:‏ ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وكذلك العبد إذا فرغ من أداء عبادة أو أعمال صالحة عليه أن يدعو الله أن يتقبل منه خاصة هذه الشعيرة.

 التوبة ورد المظالم

ولفت الى أن الاستعداد لأداء هذه الفريضة يبدأ بالتوبة فهي خير بداية ونهاية للأعمال الصالحة، وذلك بأن يندم على ما فعل وارتكب من الآثام وأن يرد المظالم لأهلها، وأن يعزم على عدم العودة إلى ارتكاب المحرمات، وأن لا يكون ماله إلا من كسب طيب؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وأن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون:51].

وأوضح أن المسلم إذا نوى الحج عليه أن يؤدي الأمانات إلى أهلها فإنه لا يدري أن يقبض في الأرض المباركة أم لا، كما أن الله أمر بأداء الأمانات في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:58] وقوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: “فمن كانت عنده أمانة فليؤدها لمن ائتمنه عليها وأن يصلح فيما بينه وبين أهله وزوجته وأقاربه وجيرانه والناس عامة”‏ (رواه مسلم). ‏

وحذر فرج من عدم إخلاص النية لله؛ حتى لا يبطل العمل والعبادة، لقوله تعالى في حديثه القدسي (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) (رواه مسلم)، وفي رواية ابن ماجه: (فأنا منه بريء وهو للذي أشرك). بالاضافة للابتعاد عن الكلام الذي لا يليق، قال تعالى: {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} [البقرة:197].

كما أن الحاج ينبغي أن يعلم بأن الأشهر الحرم فرصة لمضاعفة الحسنات فيكون على جانب من الحذر لقوله تعالى: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} [الحج:25] والله تعالى عندما تحدث عن الأشهر الحرم قال: {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} [التوبة:36] ولا ينسى أن الله قد جمع فيه بين شرفين يزاد له فيها الحسنات وترفع فيه الدرجات وشرف الزمان وشرف المكان فأعمال الحج في زمان شريف ومكان شريف‏. ‏

وحذر فرج من الخوض في الأمور السياسية أثناء الحج حيث إن المجال لا يسمح بها في حالة يتشبه فيها الحجاج بهيئتهم بيوم الحشر فضلا أن الله قال‏: {فإذا قضيتم مناسكم فاذكروا الله كذكركم أباءكم أو أشد ذكرا} [البقرة:200] ثم بين أن أفضل الدعاء قوله تعالى: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار‏} [البقرة:201].

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى