ويعد الاعتداء عليها والإساءة إليها أو منعها من أداء رسالتها جريمة نكراء، وفي التنزيل (وَمَن أَظلَمُ مِمَّن مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَن يُذكَرَ فيهَا اسمُهُ وَسَعى في خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُم أَن يَدخُلوها إِلّا خائِفينَ لَهُم فِي الدُّنيا خِزيٌ وَلَهُم فِي الآخِرَةِ عَذابٌ عَظيمٌ) البقرة ١١٤ .
كما يعد استخدامها بغير ما أذن الشارع لها أو جعلها مكانا للإيداء والوقيعة بين الناس أو وكرا للإساءة والخديعة والتآمر على أهل الخير والدين من أفظع وأكبر الذنوب والموبقات، ولذلك عَاب القرآن الكريم من تظاهر بتشييدها وبنائها وإصلاحها في الظاهر، ولكن ليخفي وراء ذلك مآرب دنيئة ومصالح شنيعة، فقال في شأن هذا الصنف من الناس (وَالَّذينَ اتَّخَذوا مَسجِدًا ضِرارًا وَكُفرًا وَتَفريقًا بَينَ المُؤمِنينَ وَإِرصادًا لِمَن حارَبَ اللَّهَ وَرَسولَهُ مِن قَبلُ وَلَيَحلِفُنَّ إِن أَرَدنا إِلَّا الحُسنى وَاللَّهُ يَشهَدُ إِنَّهُم لَكاذِبونَ، لا تَقُم فيهِ أَبَدًا لَمَسجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقوى مِن أَوَّلِ يَومٍ أَحَقُّ أَن تَقومَ فيهِ فيهِ رِجالٌ يُحِبّونَ أَن يَتَطَهَّروا وَاللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرينَ أَفَمَن أَسَّسَ بُنيانَهُ عَلى تَقوى مِنَ اللَّهِ وَرِضوانٍ خَيرٌ أَم مَن أَسَّسَ بُنيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانهارَ بِهِ في نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهدِي القَومَ الظّالِمينَ لا يَزالُ بُنيانُهُمُ الَّذي بَنَوا ريبَةً في قُلوبِهِم إِلّا أَن تَقَطَّعَ قُلوبُهُم وَاللَّهُ عَليمٌ حَكيمٌ) التوبة ١٠٧-١١٠ .
وكثرة المساجد في مدينة ما أو في محيط مجتمع ما، دليل ظاهر عَلى صلاحهم وحسن طويتهم وحبهم للخير، لأن هذا الأمر لا يقوم به إلا من آمن بالله واليوم الآخر. والمسلمون في بلاد الغربة في أمس الحاجة إلى مساجد ومراكز يأوون إليها ليحافظوا على دينهم وأخلاقهم، ولينشئوا أولادهم تنشئة صالحة حتى لا يذوبوا وينصهروا في مجتمع يخالفهم في كل شيء. وتمثل الجالية المسلمة في معظم البلدان الغربية في أوروبا وأمريكا الشمالية نسبة كبيرة لا يستهان بها، وإن كان تمثيلهم في دوائر صنع القرار لا يتناسب مع عددهم لأسباب تعود إلى الجالية أنفسها حيث الخلاف والتشردم والعنصرية وعدم التوافق، هو العنوان الظاهر في وضعهم، وزيادة على ذلك القصور الواضح والبين في فهم الواقع الذي يعيشون فيه، حيث يمثل التكتل والاجتماع والصوت الموحد جواز المرور وبطاقة التغلب على كثير من المشاكل، ولكن الجالية المسلمة ما زالت تعيش في عقلية البلدان التي نزحوا منها.
وتتكون الجالية المسلمة في الغرب من أعراق وجنسيات مختلفة، والغالبية العظمى منها جاءت من شبه القارة الهندية من باكستان وبنغلاديش والهند، أو من تركيا، وهناك جاليات عربية وإفريقية وغيرها من الأمم الأخرى المسلمة. ويوجد في الغرب الآلاف من المساجد والمراكز الإسلامية والمصليات التي تفوق حاجة الجالية المسلمة، كما تستنزف ميزانيات باهظة من جيوب أبناء الجالية. وَمِمَّا يلفت النظر بأن كل جالية تسعى لتكوين مسجد أو مركز خاص بها لا يشاركها أحد في تسييره وإدارته، وإن غضت الطرف عن من يرتادها من أجل الصلاة مادام لا يتطلع إلى منصب الإدارة أو المشاركة في لجانها الرسمية.
ولكن المشكلة لا تتوقف عند هذا الحد، بل كل جالية لها خلافاتها الداخلية من حيت المذهب الفقهي، والعقدي، والحركي، والعرقي، فمن الجالية من يري التقيد بالمذهب الفقهي المتبوع في بلد الأصل، وترى الخروج عنه مخالفا للسواد الأعظم، ولذا تؤسس مسجدها على هذا الفهم.