كيف تحولت رابطة العالم الإسلامي إلى مبشر لـ”التطبيع”؟
أظهرت تحركات ونشاطات رابطة العالم الإسلامي، خلال الفترة الماضية، تغيرا في الهدف الذي أنشأت لأجله في ستينيات القرن الماضي، على يد الملك فيصل بن عبد العزيز، من أجل مواجهة المد الناصري، والتصدي للأفكار العلمانية.
وعقب مؤتمر العالم الإسلامي الأول عام 1962، تأسست الرابطة، وهدفها الأساسي نشر مبادئ الإسلام، وكان لها ثلاث مساحات عمل، واحدة منها حشد المسلمين لمنع قيام دولة الاحتلال.
وعيّن الملك فيصل آنذاك الأمير سلمان بن عبدالعزيز (ملك السعودية الحالي) لجمع التبرعات للفلسطينيين بعد حرب 1967، ثم في المؤتمر الإسلامي الثاني الذي عقد في 1972، أسس صندوقا لتمويل “الحرب المقدسة” ضد إسرائيل، وأدان المؤتمر حينها احتلال إسرائيل لمدينة القدس المحتلة.
وقال موقع “ساسة بوست“، إن الرابطة تطل اليوم في لباس جديد، لا في العالم الإسلامي، ولكن في مؤتمرات ترعاها جماعات الضغط المناصرة لإسرائيل في واشنطن.
محمد العيسى، الرئيس الحالي لرابطة العالم الإسلامي، يُبشّر مؤيدي السياسات الإسرائيلية ورعاتها بالتنوّع والانفتاح، ويُهمل تماما ذكر الفلسطينيين أو الحديث عن حقوقهم، بعد أن كانت القضية الفلسطينية هدفا أساسيا من أهداف تأسيس الرابطة.
ودشن تعيين محمد العيسى على يد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في رئاسة الرابطة، عام 2016، عهدا جديدا، ليلعب دورا مهما في التقارب الثقافي والدبلوماسي الناعم مع إسرائيل والمنظمات المناصرة لها في الولايات المتحدة، بالإضافة للتيار الإنجيلي الأمريكي، رغمَ أن هذه الجهات عادة ما تقدم الدعم الكامل لممارسات الاحتلال الذي يحرم الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية في الحياة، عدا الحرمان الكامل من الحقوق السياسية.
وتكشف وثائق الرابطة أنها وقَّعت عقدا في مايو 2018 مع لجنة شؤون العلاقات العامة السعودية الأمريكية “سابراك”، وهي مؤسسة ضغط سياسي سعودية يديرها السعودي سلمان الأنصاري، ولكن سابراك بدأت بتقديم خدماتها للرابطة قبل هذا التاريخ.
وقدمت سابراك بموجب العقد خدمات علاقات عامة ولوجستية للتنسيق لزيارة وفد رابطة العالم الإسلامي للولايات المتحدة، وتضمّنت هذه الرحلة زيارات لمتاحف يهودية، مع لقاءات بمؤسسات وشخصيات مناصرة لإسرائيل.
من أنشطة الرحلة، بتاريخ 25 نيسان/ أبريل 2018، زيارة الرابطة لمتحف الآثار اليهودية في نيويورك، بدعوة من “مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى”، وهي منظمة يهودية أمريكية مؤيدة لإسرائيل، وتدعم سياساتها بالكامل.
ونوقشت في اللقاءات قضايا “الهولوكوست، وإدانة من ينكر وقوعها، والإسلام المعتدل، ومحاربة الإرهاب”، وبعدها بأسبوع نسقت سابراك اجتماعا للعيسى ووفد الرابطة مع سام براونباك، السفير الأمريكي للحرية الدينية الدولية، المُتبني لتوجهات اليمين المتطرف في إسرائيل، ويرى ضرورة منح دولة الاحتلال السيادة الكاملة على “الأراضي المتنازع عليها”، مع “نقل” الفلسطينيين من هذه الأراضي، والمعنى العملي لهذا المقترح: طرد الفلسطينيين من الأراضي المتنازع عليها، بما في ذلك أجزاء من الضفة الغربية.
كما نسّقت الرابطة لمؤتمر التواصل الحضاري الثاني، ليُعقد في 4 تشرين أول/ أكتوبر 2018، ولتنسيقه وظّفت الرابطة شركة “ساوث فايف إستراتيجيز – Southfive Strategies”، ويدير الشركة جاسون إبستين، الذي عملَ سابقا مديرا للشؤون التشريعية في منظمة بناي بريث اليهودية الأمريكية، إحدى أعرق المؤسسات المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة والعالم، وعمل إبستين كان للتنسيق بين هذه المنظمة والجهات التشريعية في أمريكا.
ووظّف العيسى هذه الشركة قبل المؤتمر بخمسة أيام، لدعوة أبرز المؤسسات المؤيدة لإسرائيل وقادتها لحضور المؤتمر.
وافتتح العيسى كلمته في المؤتمر قائلا: “أيّها الأخوة، إنَّ كثيرا من أسباب الصدام الحضاري تعود إلى أحداث تاريخية عفى عليها الزمن”، وأمامه شخصيات دينية عربية مثل عبد الله بن بيه، رئيس منتدى تعزيز السلم في أبو ظبي، وشوقي علّام، مفتي مصر.
وجاء انعقاد المؤتمر، قبل يومين من اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، داخل القنصلية السعودية في إسطنبول عم 2018.
وفي الـ 27 شباط/ فبراير 2019، سجّلت الرابطة عقدا مع شركة “قورفيز للتواصل – Qorvis Communications”، الشركة التي خدمت السعودية في واشنطن منذ هجمات أيلول/ سبتمبر 2001، لتقدم خدمات لوجيستية للعيسى في زياراته للولايات المتحدة، مع الترويج لأنشطته ونشرها على منصات التواصل الاجتماعي.
وروجت قورفيز لزيارة العيسى مع وفد من رابطة العالم الإسلامي لمعسكر أوشفيتز بيركينو النازي في بولندا، برفقة ديفيد هاريس، المدير التنفيذي للجنة اليهودية الأمريكية، وهي أيضا من كبرى المنظمات المؤيدة لإسرائيل، ومن الجهات الأولى العاملة على التطبيع الثقافي والدبلوماسي بين الخليج العربي وإسرائيل.
ووزعت الشركة بيانا صحافيا لاتفاقية تعاون وقعتها الرابطة مع مؤسسة نداء الضمير اليهودية التي يقودها الحاخام اليهودي آرثر شناير، ووفقا لوثائق شركة قورفيز على موقع وزارة العدل الأمريكية، بلغت المدفوعات منذ توقيع العقد إلى اليوم 750 ألف دولار.
واستقبل العيسى وفدا من القيادات الإنجيلية الأمريكية في مدينة جدة السعودية، يوم 11 أيلول/سبتمبر 2019، في الذكرى الـ18 لهجمات سبتمبر، واتفق الطرفان على تعزيز “احترام الأديان وبناء الثقة المشتركة”، والتيار الإنجيلي من أهم التيارات السياسية المحافظة في الولايات المتحدة، ولها باعٌ طويل في تأييد دولة الاحتلال وتوسعها.
وفي حزيران/ يونيو 2020 أهدى إلان كار، المبعوث الأمريكي الخاص لمراقبة ومحاربة معاداة السامية، جائزة “محاربة معاداة السامية” لمحمد العيسى “لرؤيته المميزة والتزامه لبدء فصل جديد”.
وكار ممن حاربوا في الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وخدم سابقا في المجلس القومي في لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، “أيباك” ووالده مهاجر من العراق، وكار يتحدث العبرية والعربية.
(المصدر: عربي21)