كيف تجد الحقيقة في زمن الأخبار المزيفة؟
بقلم صلاح الدين حفافصة
إننا اليوم نعيش في عالم تعج به الأخبار المزيفة والمضللة بشكل لم يسبق أن حدث مثيل له في التاريخ، وصارت التكنولوجيا متطورة لدرجة مرعبة، وأضحى العالم كقرية صغيرة، ولكن قريةٌ متناحرة فيما بينها، وكل طرف فيها يرغب بالهيمنة والسيادة وفرض رأيه على الآخر، وإنّ ما نراه اليوم من دبلوماسية وأخبار “وردية” هنا وهناك ما هو إلا ذر للرماد على العيون، وكل شيء يُسيّر في الخفاء والظلام بحنكة ودهاء، فهي صراعات بين أنظمة ومعتقدات ونظريات تريد أن تسود على حساب غيرها، ويشكّل الإعلام عصبا جوهريا في هذه الصراعات، ففي ظل هذا الجو المشحون كيف يمكن لك أن تعرف الحقيقة وتتجنب الأخبار الكاذبة والمضللة؟.. نحاول توضيح ذلك من خلال النقاط التالية.
كن عقلانيا
من المؤكد أنّ أي انسان عاقل لا يقبل الخبر بمجرد سماعه من أي شخص أو وسيلة إعلامية مهما كان صيتها وشهرتها، فعليه التحليل والمقارنة بين الحقائق قبل التصديق، وحتى في المنطق فالتصديقات مبدأ التصورات ولا ينفك أحدهما عن الآخر، فالعقلانية إذاً أهم ركن في بناء الوعي ومعرفة الصواب من الخطأ، على الرغم من أنّ هذا صعب نوعا ما لأنّ الجماهير لا تستخدم العقلانية فهي مسيرة بشكل تام ويتم التحكم فيها من خلال اللاوعي الخاص بها، فحاول أن تخرج من التبعية للجماهير والتفرد بنفسك واستخدام عقلك بشكل كامل من دون التأثر بالمحرّضات الخارجية المسلطة عليك من قبل جميع دوائر الصراع التي تريد استمالتك اليها بأي ثمن، أنه يتم استغلال الأعلام لتشكيل وعي الجماهير وذلك بهدف ترويضها والسيطرة عليها، وهذه اللعبة تجيدها بشكل جيد وسائل الإعلام الأمريكية، التي تطبّق نظرية جُسدت قبل مئات السنين مُفادها ألهي الشعب وشتته من خلال “الخبز والسيرك”.
كن موضوعيا
بدون الموضوعية ستغرق في أتون العصبية والغلو لأي طرف تعتقد أنك تسانده بينما في الحقيقة هو يستغلك لمصالحه، فحاول أن تكون موضوعيا قدر الإمكان، فيجب أن نؤسس نظرتنا للأمور على حقيقتها من دون تغليب أهواء أو نزعات ذاتية أو أي انتماءات نتبناها على المستوى الشخصي.
لا تكن إمّعة
جزء مهم في ديناميكية معرفة الحقيقة أن لا تتبع كل ناعق ورويبضة، بل من المفروض التّحري والاستعلام للوصول إلى ما وراء الخُطب والتقارير والبيانات، ولا يكون لك ذلك إلا بكثرة القراءة والاطلاع لبناء كيان معرفي صلب لا تلعب به الرياح يُمنة ويُسرة، فحاول عدم الغرق في مستنقع التمييع المليء بالمُهاترات والتملّق والتضليل.
لا تتعامل مع الادّعاءات على أنها حقائق
كل ادّعاء هو مجرد شك وظن حتى يثبت كلام قائله، فلا تبني مسلّماتك على مجرد الادّاعات التي يجيدها السياسيون والخبراء، فهم يستخدمونها تارة لتشويه الصالحين بتهم باطلة وتلفيقات عارية عن الصحة، فاكبح جماح نفسك قبل أن تنساق وراء ادّعاءات لا طائل منها، فربما تجد أنك دخلت في صراعات أنت في غنى عنها.
اصبر وستظهر الحقيقة
غالبا بعد انتشار الأخبار المزيفة حول قضية ما، ما يلبث حتى تظهر الحقيقة كاملة بعد مدة من الزمان، فيجب أن لا تتسرع وتنقاد خلف الأخبار المضللة المنتشرة، فإننا كثيرا ما نرى خبرا ينتشر اليوم ويُكذّب في اليوم الموالي.
لا تنخدع بالمصطلحات
لقد قيل ذات يوم عن الذين يدافعون عن أرضهم في العراق أنهم “متمردون”، وتقول إسرائيل عن المقاومة في غزة “إرهابيين” على الرغم من أننا كلنا نعلم أن هؤلاء المتمردين العراقيين يقاتلون في العدو الصائل الغازي لأرضهم وعرضهم، بينما الإرهابيون الفلسطينيون يدافعون عن أرضهم ومقدساتهم التي تُنتهك، أنها حرب مصطلحات غالبا ينساق لها المسلمون ويقعون في الفخ الذي نُصب لهم من قبل الأعداء.
لا تثق بالأخبار المُبهمة والغير مكتملة التفاصيل
هناك قاعدة تقول: الحقيقة واضحة ومحددة، أما الكذبة فهي عاتمة بدون تفاصيل.. وختاماً، لقد تعوّد الإعلام غير النزيه على امتصاص وقذف الدعاية الحكومية بدون تفكير، مما سبب فوضى وتخبطا في عديد من البلدان، خاصة قبل إعلان الحروب، مثل ما حدث قبل غزو العراق، حيث ركزت الترسانة الاعلامية الامريكية كامل قوتها في تشويه صدام حسين واغراق العالم بأسره بمعلومات زائفة باطلة ظهر عوارها بعد زمن، وقس على ذلك ما يحدث في كل مكان أُريد احتلاله وتطويع شعبه، والكثير اليوم من الدول المتقدمة لها مكاتب خاصة تُصرف عليها ملايين الدولارات لمهمة واحدة وهي التأثير والحرب النفسية على الطرف المستهدف، وهي حرب يُعدّ المسلمون أضعف اللاعبين فيها، بل هم في مرمى جميع القوى العظمى للتلاعب بهم وتشتيهم بُغية انتهاز الفرصة للانقضاض عليهم حين يصلون الى قمة الفوضى والعبثية والضعف.
(المصدر: مدونات الجزيرة)