كيف انخرط حزب الله في المؤسسات السياسية اللبنانية؟
إعداد أحمد مولانا
يمثل حزب الله اللبناني رقما صعبا في المعادلة السياسية اللبنانية رغم كثرة خصومه ومعارضيه. الحزب الذي كان يرفض سابقا المشاركة في المؤسسات السياسية اللبنانية نجح في أن يمتلك لاحقا حق نقض أي قرارات للحكومة اللبنانية لا يرضى عنها من خلال آلية (الثلث المعطل) التي سمحت للحزب وحلفائه بالسيطرة على 10 مقاعد وزارية على الأقل من بين مقاعد الوزرات اللبنانية التي يبلغ عددها ثلاثون مقعدا. فما المسارات التي سلكها الحزب كي يصل إلى هذا الوضع؟.
تعرضت لتلك المسارات الأكاديمية الإسرائيلية بيديتا بيرتي في دراسة مهمة بعنوان “الجماعات المسلحة كأحزاب سياسية” نشرتها في دورية (دراسات في الصراع والإرهاب). وبيرتي هي باحثة متخصصة في السياسة الخارجية والأمن، وعملت كمحاضرة في جامعة هارفارد، وأكاديمية ويست بوينت العسكرية الأمريكية، ومعهد دراسات الأمن القومي في الكيان الصهيوني، ولها مقالات منشورة في عدد من المجلات البارزة مثل مجلة السياسة الخارجية ( Foreign-Policy)، والشؤون الخارجية (Foreign-Affairs). وشغلت بيرتي في عام 2018 منصب رئيس قسم تخطيط السياسات في مكتب الأمين العام لحلف الناتو. وسأستعرض الإجابة عن السؤال المطروح في العنوان من خلال بعض ما طرحته بيرتي في دراستها المشار إليها.
ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية
مع انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1990، تحول حزب الله من جماعة ضعيفة ناشئة إلى جماعة متماسكة تنظيميا تتمتع بدعم مالي إيراني، وتحظى بشعبية واسعة على خلفية:
- عملياته ضد الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان.
- توفيره للخدمات الاجتماعية للطائفة الشيعية.
ولكن مع هبوب رياح عملية السلام المزعومة مطلع التسعينات، وتزايد احتمالات عقد اتفاقية سلام بين سوريا ولبنان والكيان الصهيوني، خشى الحزب من تعرضه لضغوط دولية وإقليمية ومحلية تجبره على نزع أسلحته. فرأى أن الطريقة الأكثر فعالية لمنع هذا التهديد الوجودي المباشر، تتمثل في الانضمام إلى الساحة السياسية، واكتساب سلطة سياسية تمكنه من عرقلة أي تفاهم مستقبلي مع إسرائيل.
وتمثلت أول خطوة في قرار الحزب بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية عام 1992. وهو ما لم يكن محل اتفاق داخل الحزب، حيث تشكلت جبهتان: الأولى يقودها عباس الموسوي ثاني أمين العام لحزب الله (مايو 1991- فبراير 1992)، والثانية يقودها أول أمين عام للحزب صبحي الطفيلي، حيث رفض الطفيلي المشاركة في المجلس النيابي معتبرا ذلك مؤشرا على تخلي الحزب عن نهجه الثوري.
وفي مواجهة الطفيلي اعتمد غريمه الموسوي على مصدرين رئيسيين خارج حزب الله لإضفاء الشرعية على موقفه، وهما:
- القيادة الإيرانية الأكثر براغماتية بعد الخميني، والتي دعمت المشاركة السياسية لحليفها اللبناني.
- المرجع الشيعي اللبناني محمد حسين فضل الله، الذي كان يرى ضرورة تكامل الطائفة الشيعية مع بقية مكونات الطيف السياسي اللبناني.
وفي النهاية، من أجل تحديد ما إذا كان حزب الله سيشارك في الانتخابات أم لا، قرر الحزب إنشاء لجنه من 12 عضوا من القادة – من بينهم الطفيلي وموسوي وحسن نصر الله- لمناقشة المسألة والتصويت عليها بحيث تُقدم توصية اللجنة لاحقا إلى المرشد الأعلى لإيران للحصول على موافقته النهائية.
بعد الموازنة بين جميع مزايا وعيوب المشاركة في الانتخابات، وافق عشرة أعضاء على المشاركة، ورأوا أن هذا الخيار سيعزز قوة الحزب. وهو ما أيده المرشد الإيراني علي خامنئي. وتلى ذلك فصل الطفيلي مع العديد من القادة العسكريين الذين ساندوه، وحل محلهم عسكريون موالون للأمين العام الجديد للحزب حسن نصرالله، والذي حل محل موسوي بعد مقتل الأخير رفقة عائلته على يد إسرائيل عام 1992.
مع دخول الحزب لساحة العمل السياسي والمجلس النيابي، قام بتعديل خطابه السياسي. فكف عن الترويج علنا لهدفه المتمثل في إقامة دولة اسلامية على الطراز الإيراني في لبنان. وبدأ يركز على تصوير نفسه باعتباره حزب المقاومة ضد الاحتلال، كما طرح برامج تتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وفاز الحزب في انتخابات عام 1992 بثمانية مقاعد من أصل سبعة وعشرين مقعدا برلمانياً مخصصا للطائفة الشيعية بينما فاز أربعة متعاطفين مستقلين بأربعة مقاعد إضافية. ولكن استمر الحزب في رفضه الانضمام إلى التشكيلة الحكومية. وفي عام 1998 قرر الحزب لأول مرة المشاركة في الانتخابات البلدية.
بالتوازي مع المشاركة السياسية المحسوبة زاد الحزب من حجم أنشطته العسكرية، ورفض تسليم أسلحته وفقا لاتفاق الطائف الذي أعقب الحرب الأهلية ونص على تجريد المليشيات اللبنانية من أسلحتها، حيث تحجج حزب الله بأنه تنظيم “مقاوم” وليس ميليشيا حزبية.
تحول الحزب إلى لاعب سياسي رئيسي
في مايو عام 2000 انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان مما أضعف حجة حزب الله في الاحتفاظ بسلاحه، وبدأت الأصوات تتعالى في لبنان متهمة الحزب بأنه دولة داخل الدولة، وبأنه لا يعبأ ببقية المكونات اللبنانية. فرد الحزب بأن الانسحاب الإسرائيلي لم يكتمل، وأن مزارع شبعا مازالت محتلة، وأن مقاومته ستستمر.
وفي عام 2005 مثل انسحاب سوريا من لبنان ضربة قوية أخرى لحزب الله، فقرر الحزب الانضمام إلى الحكومة لعرقلة أي قرارات تستهدف جهازه العسكري، فانضم أولا إلى حكومة نجيب ميقاتي المؤقتة (من إبريل إلى يوليو 2005) ثم انضم إلى حكومة فؤاد السنيورة التي تشكلت بعد الانتخابات البرلمانية عام 2005.
وعقب ازدياد انتقادات أطياف أخرى لبنانية للحزب بعد حرب عام 2006، واتهامهم إياه باحتكار قرار الحرب في لبنان، نظم الحزب سلسلة من المظاهرات لإجبار الحكومة المنتخبة على التنحي لصالح “حكومة وحدة وطنية”، وأصيبت الحكومة اللبنانية بالشلل من نوفمبر 2006 وصولا إلى شهر مايو 2008 الذي شهد صدور قرار بعزل قائد الأمن في مطار الحريري الدولي والمقرب من حزب الله وفيق شقير من منصب، وإغلاق شبكة اتصالات حزب الله، وهو ما اعتبره الحزب بمثابة إعلان حرب، فأنزل عناصره ومسلحيه للشوارع في بيروت في 7 أيار / مايو 2008، وحدثت اشتباكات دامية توجت بعقد جولة من المفاوضات في العاصمة القطرية في الفترة من 16 مايو إلى 21 مايو 2008 تم الاتفاق خلالها على تشكيل حكومة وحدة وطنية تمنح حزب الله حق النقض الذي كان يطالب به عبر سيطرته على ثلث الوزرات. وبذلك نجح الحزب في أن يتحكم بالحكومة اللبنانية دون أن يشكلها بشكل مباشر.
ومن خلال ما سبق يتضح أن انخراط حزب الله في المؤسسات السياسية اللبنانية بداية من المجلس النيابي ثم المجالس البلدية ثم الحكومة ثم امتلاك الثلث المعطل في الحكومة هدف بشكل رئيسي إلى استخدام جميع الأدوات السياسية لضمان وحماية أسلحة الحزب وجهازه العسكري.
(المصدر: موقع البوصلة)