كيف انتقلت رموز الوثنيَّة إلى ملَّة أهل الكتاب؟ – 6 من 6
إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
5.وصف الرب في الكتاب المقدَّس بصفات الشمس: هل ورد هذا الوصف في القرآن الكريم أم في عقائد الأمم الوثنيَّة؟
تعدَّى كهنة الديانة الموسويَّة-التي عُرفت باليهوديَّة بعد أن أسس عزرا الكاتب أركان عقيدتها بعد العودة من السبي البابلي-على الوصيَّة الثانية من الوصايا العشر، التي يشتمل عليها سفر الخروج، “لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ” (إصحاح 20: آية 20)، بإدخال الرموز إلى الشعائر الدينيَّة. آمنت العديد من الأمم الوثنية بإلهٍ سامٍ، ورمزت إليه بالشمس، وأصبحت تلك الشمس الرب والقمر شريكها، وأصبحت الشمس في لغات تلك الأمم مذكَّرًا، وأصبح القمر مؤنَّثًا. وتجد في العبريَّة أنَّ الشمس يُشار إليها بالتذكير تارةً وبالتأنيث تارةً أخرى؛ وربَّما يرجع ذلك في الأصل إلى فكرة تأليه النساء، وقد ورد في سفر ارميا بالتفصيل عبادة بني إسرائيل لإلهة تُدعى “ملكة السماوات،” كما اعتُبرت مريم العذراء أمَّ الرب، أو أمَّ الخالق.
تشير الكاتبة الأمريكيَّة دوروثي ميلني مردوخ، المشهورة باسمها المستعار آتشاريا إس، وهي من المؤمنين بنظريَّة “أسطورة المسيح”، في كتابها The Christ Conspiracy: The Greatest Story Ever Sold-مؤامرة المسيح: أعظم قصَّة راجت على الإطلاق (1999)، أنَّ الديانة المسيحيَّة قد شُكِّلت وروِّجت من خلال “الاحتيال والخداع والإجبار”، وهي في الأصل ديانة ” astrotheological-فلكيَّة لاهوتيَّة”، مؤسِّسها-يسوع النَّاصري-مجرَّد أسطورة، حيكت من خلال ملاحظات متوارثة عبر الأجيال، عن “العلاقات المتبادلة بين الأجرام السَّماويَّة والأرض”، وكانت الشَّمس أكثرها إثارة للاهتمام (ص107). استغلَّت الكاتبة التطابق الصوتي في نُطق كلمتي ابن بالإنجليزيَّة (son) وشمس باللغة ذاتها (sun) في استعراض مفهومها عن تصوير يسوع المسيح باعتباره رمزًا لقرص الشَّمس، في فصل عنونته The Son of God is the Sun of God، أي ابن الرَّب هو شمس الرَّب. ترى آتشاريا إس أنَّ الشَّمس ترمز منذ القِدم إلى الألوهيَّة، وهي الكائن الأقدر على الإطلاق على منح الرُّوح. وتعتبر الزرادشتيَّة الغنوصيَّة الشَّمس Archimagus، أو الكاهن الأكبر، الذي يفرض سيطرته على الكون، ويحصل على قوَّته من النُّور الذي يستمدُّه من عرش الإله، أهورامزدا؛ مما يعني أنَّ الشَّمس ليست الإله الخالق ذاته، إنَّما هي معاونه الأساسي، وممثِّله في تدبير شؤون الكون؛ لتقل هي بمثابة الوسيط بين الإله وخَلْقه.
والآيات التالية من الكتاب المقدَّس توضح كيف يُرمز إلى الربِّ (يسوع) بالشمس:
أولًا: العهد القديم
“يَكُونُ اسْمُهُ إِلَى الدَّهْرِ. قُدَّامَ الشَّمْسِ يَمْتَدُّ اسْمُهُ، وَيَتَبَارَكُونَ بِهِ. كُلُّ أُمَمِ الأَرْضِ يُطَوِّبُونَهُ” (مزمور 72: آية 17).
“لأنَّ الرب الله، شمس ومجن.” (مزمور 84: آية 11).
“مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا اسْمُ الرَّبِّ مُسَبَّحٌ” (مزمور 113: آية 3).
“قومي استنيري لأنه قد جاء نورك ومجد الرب أشرق عليك. لأنَّه ها هي الظلمة تغطي الارض والظلام الدامس الامم أما عليك فيشرق الرب ومجده عليك يرى. فتسير الامم في نورك والملوك في ضياء إشراق (سفر اشعياء: إصحاح 60: آيات 1-3) -لا تغيب بعد شمسك وقمرك لا ينقص لأنَّ الرب يكون لك نورًا أبديًّا” (سفر اشعياء: إصحاح 60، آية 20).
“لأَنَّهُ مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا اسْمِي عَظِيمٌ بَيْنَ الأُمَمِ، وَفِي كُلِّ مَكَانٍ يُقَرَّبُ لاسْمِي بَخُورٌ وَتَقْدِمَةٌ طَاهِرَةٌ، لأَنَّ اسْمِي عَظِيمٌ بَيْنَ الأُمَمِ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ” (سفر ملاخي: إصحاح 1، آية 3).
ثانيًا: الأناجيل
تتفق الأناجيل كافةً على أنَّ المسيح قد مات وقت غروب الشمس، وأنَّ الشمس قد أظلمت وقت وفاته. وتتفق أيضًا على أنَّ قيامته كانت في الصباح الباكر.
بدءً بالصلب، فقد ورد في إنجيل متَّى:
“وَمِنَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ إِلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ. وَنَحْوَ السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: «إِيلِي، إِيلِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟» أَيْ: إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟” (إصحاح 27: آيتان 45-46)
في إنجيل مرقس
“ولما كانت الساعة السادسة كانت ظلمة على الأرض كلها إلى الساعة التاسعة. وفي الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا الوي الوي لما شبقتني الذي تفسيره إلهي، إلهي لماذا تركتني”(إصحاح 15: آيتان 33 -34).
في إنجيل لوقا
“وكان نحو الساعة السادسة فكانت ظلمة على الأرض كلها الى الساعة التاسعة. وأظلمت الشمس وانشق حجاب الهيكل من وسطه. ونادى يسوع بصوت عظيم وقال يا ابتاه في يديك استودع روحي ولما قال هذا أسلم الروح” (إصحاح 23: آيات 44-46).
في إنجيل يوحنَّا”وكان استعداد الفصح ونحو الساعة السادسة فقال لليهود هو ذا ملككم. فصرخوا خذه، خذه اصلبه قال لهم بيلاطس أأصلب ملككم؟ أجاب رؤساء الكهنة ليس لنا ملك إلا قيصر. فحينئذ أسلمه إليهم ليصلب فأخذوا يسوع ومضوا به” (إصحاح 19: آيات 14-16).
أمَّا بالنسبة إلى القيامة، فنبدأ أيضًا بإنجيل متَّى:
وَبَعْدَ السَّبْتِ، عِنْدَ فَجْرِ أَوَّلِ الأُسْبُوعِ، جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الأُخْرَى لِتَنْظُرَا الْقَبْرَ. وَإِذَا زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَدَثَتْ، لأَنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَجَاءَ وَدَحْرَجَ الْحَجَرَ عَنِ الْبَابِ، وَجَلَسَ عَلَيْهِ… فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لِلْمَرْأَتَيْنِ: «لاَ تَخَافَا أَنْتُمَا، فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَطْلُبَانِ يَسُوعَ الْمَصْلُوبَ… اذْهَبَا سَرِيعًا قُولاَ لِتَلاَمِيذِهِ: إِنَّهُ قَدْ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ. هَا هُوَ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ. هَا أَنَا قَدْ قُلْتُ لَكُمَا». وَفِيمَا هُمَا مُنْطَلِقَتَانِ لِتُخْبِرَا تَلاَمِيذَهُ إِذَا يَسُوعُ لاَقَاهُمَا وَقَالَ: «سَلاَمٌ لَكُمَا». فَتَقَدَّمَتَا وَأَمْسَكَتَا بِقَدَمَيْهِ وَسَجَدَتَا لَهُ.” (إصحاح 28: آيات 1-9).
وجاء في إنجيل مرقس عن القيامة:
وَبَعْدَمَا مَضَى السَّبْتُ، اشْتَرَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَسَالُومَةُ، حَنُوطًا لِيَأْتِينَ وَيَدْهَنَّهُ. وَبَاكِرًا جِدًّا فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ إِذْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ… وَلَمَّا دَخَلْنَ الْقَبْرَ رَأَيْنَ شَابًّا جَالِسًا عَنِ الْيَمِينِ لاَبِسًا حُلَّةً بَيْضَاءَ، فَانْدَهَشْنَ. فَقَالَ لَهُنَّ: «لاَ تَنْدَهِشْنَ! أَنْتُنَّ تَطْلُبْنَ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ الْمَصْلُوبَ. قَدْ قَامَ! لَيْسَ هُوَ ههُنَا. هُوَ ذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي وَضَعُوهُ فِيهِ” (إصحاح 16: آيات 1-6).
أمَّا في إنجيل لوقا، فقد ورد في عن القيامة:
“فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ، أَوَّلَ الْفَجْرِ، أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ حَامِلاَتٍ الْحَنُوطَ الَّذِي أَعْدَدْنَهُ، وَمَعَهُنَّ أُنَاسٌ… فَدَخَلْنَ وَلَمْ يَجِدْنَ جَسَدَ الرَّبِّ يَسُوعَ. وَفِيمَا هُنَّ مُحْتَارَاتٌ فِي ذلِكَ، إِذَا رَجُلاَنِ وَقَفَا بِهِنَّ بِثِيَابٍ بَرَّاقَةٍ… قَالاَ لَهُنَّ: «لِمَاذَا تَطْلُبْنَ الْحَيَّ بَيْنَ الأَمْوَاتِ؟ لَيْسَ هُوَ ههُنَا، لكِنَّهُ قَامَ! اُذْكُرْنَ كَيْفَ كَلَّمَكُنَّ وَهُوَ بَعْدُ فِي الْجَلِيلِ” (إصحاح 24: آيات 1-6).
وبالنسبة إلى إنجيل يوحنَّا، فقد ورد في الآية 1 من الإصحاح 20: “وَفِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ إِلَى الْقَبْرِ بَاكِرًا، وَالظَّلاَمُ بَاق. فَنَظَرَتِ الْحَجَرَ مَرْفُوعًا عَنِ الْقَبْرِ.” يختلف إنجيل يوحنَّا في وصف موعد القيامة بأنَّه كان والظلام لم يزل يخيِّم على المكان، ولكنَّه يشترك في أنَّ الموعد كان في الصباح الباكر؛ أي أنَّ القيامة كانت قبيل الشروق، وأنَّ ظهور يسوع أمام أمِّه كان مع الشروق. وتروي الآيات 14 إلى 16 ظهور يسوع أمام مريم: ” وَلَمَّا قَالَتْ هذَا الْتَفَتَتْ إِلَى الْوَرَاءِ، فَنَظَرَتْ يَسُوعَ وَاقِفًا، وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ يَسُوعُ. قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا امْرَأَةُ، لِمَاذَا تَبْكِينَ؟ مَنْ تَطْلُبِينَ؟» فَظَنَّتْ تِلْكَ أَنَّهُ الْبُسْتَانِيُّ، فَقَالَتْ لَهُ: «يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتَ أَنْتَ قَدْ حَمَلْتَهُ فَقُلْ لِي أَيْنَ وَضَعْتَهُ، وَأَنَا آخُذُهُ». قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا مَرْيَمُ» فَالْتَفَتَتْ تِلْكَ وَقَالَتْ لَهُ: «رَبُّونِي!» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: يَا مُعَلِّمُ.”
وبمقارنة ذلك بما جاء عن رَفع يسوع في إنجيل برنابا، فقد كان الرفع وقت الليل، فقد جاء في الفصلين الرابع عشر والخامس عشر بعد المئتين: “ولمَّا كان يهوذا يعرف الموضع الذي كان يسوع مع تلاميذه؛ ذهب لرئيس الكهنة، وقال: إذا أعطيتني ما وعدتَ به، أُسلم هذه الليلة ليدك يسوع الذي تطلبونه… ولمَّا دنت الجنود مع يهوذا… انسحب (يسوع) إلى البيت خائفًا، وكان الأحد عشر (حواريًّا) نيامًا، فلمَّا رأى الله الخطر على عبده… جاء الملائكة الأطهار وأخذوا يسوع من النافذة المشرفة على الجنوب، فحملوه ووضعوه في السماء الثالثة في صحبة الملائكة التي تسبِّح الله إلى الأبد.”
أمَّا بالنسبة إلى ظهور يسوع أمام أُمِّه وتلاميذه، فلم يرد عنه في الفصل التاسع عشر بعد المئتين أي معلومة عن توقيته: “ضرع يسوع إلى الله أن يأذن له بأن يرى أمَّه وتلاميذه، فأمر حينئذٍ الرحمن ملائكته… أن يحملوا يسوع إلى بيت أُمِّه، وأن يحرسوه هناك مدَّة ثلاثة أيام متتالية، وألَّا يسمحوا لأحد أن يراه خلا الذين آمنوا بتعليمه.” يعني ذلك أنَّ رؤية يسوع بعد رفعه في هذه الفترة كان بالليل والنهار؛ أي لم يقتصر ظهوره على وقت بزوغ الشمس.
ذُكر في إنجيل متَّى وصف للمسيح-تجسيد الرب-كالآتي: “وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أَخَاهُ وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَل عَال مُنْفَرِدِينَ. وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ” (إصحاح 17: آيتان 1-2).
نأتي إلى تحليل تصوير المسيح باعتباره تجسيد الرب في الأيقونات المسيحيَّة:
كما يتَّضح، يغلب على الصورة اللون النحاسي، نفس اللون الذي وُصف به ظهور الرب في موكبه في الإصحاح 1 من سفر حزقيال. نلاحظ وجود صليب على صدر المسيح داخل تجويف، في إشارة إلى اندماج ثالوث الذكر مع وحدة الأنثى، وهذا هو مفهوم الوثنيين للإله. تُصدر الهالة حول رأس المسيح نورًا نحاسيًّا، وفي وسطها صليب على شكل علامة X. يشير وجود الصليب داخل الدائرة من جديد إلى اندماج ثالوث الذكر مع وحدة الأنثى. ولا يختلف مدلول حركة أصابع يد المسيح اليسرى عن هذا المفهوم؛ فالإبهام والسبَّابة والوسطى معًا تشير إلى ثالوث الرجل، أما الخنصر والبنصر فالانفراج بينهما يشير إلى وحدة الأنثى.
ولا تختلف الصورة أعلاه عن هذا الوصف، من حيث اللون النحاسي الغالب عليها، أو حركة أصابع اليد اليسرى.
نأتي إلى تصوير آخر للمسيح بريشة الرسَّام الإيطالي الشهير ليوناردو دافنشي، الذي إن لم يثبت اعتناقه عقائد الماسونية، فلا جدال في انتمائه إلى عصر النهضة، أو Rinascimento، الذي انطلق من إيطاليا أواخر العصور الوسطى. وفق ما ذكره الدكتور بهاء الأمير-الباحث في الدراسات اليهودية وفي تاريخ الحركات السرية-في كتابه تفسير القرآن بالسريانية: دسائس وأكاذيب (2017)، فإنَّ عصر النهضة في إيطاليا وجنوب أوروبا كان وراؤه أسرة من اليهود الخفيين تُدعى أسرة دي مديتشي، أشاعت العلوم والفلسفات التي استقتها من التراث الباطني اليهودي ومن العقائد الوثنية. أسهمت تلك العلوم والفلسفات في الطفرة العلمية الهائلة التي يعيشها الغرب الآن، ولكنَّ أصلها هو العلوم التي نقلها اليهود الإسبان ممن عاشوا قرونًا في كنف دولة الخلافة الإسلامية في الأندلس، ثم رحلوا عنها بعد سقوط الخلافة هناك، فدمجوا العلوم التي أخذوها عن المسلمين بالعقائد النابعة من تراثهم الباطني.
لا تختلف حركة اليد اليسرى في هذه الصورة عنها في الصورتين السابقتين؛ فحركة الإبهام والسبَّابة والوسطى معًا عبارة عن ثالوث الذكر، أمَّا الخنصر والبنصر فاتحادهما يشير إلى وحدة الأنثى، ليمثِّل الكف خنثويَّة الرب. أمَّا عن الكرة في اليد اليمنى، في ذاتها في يد المسيح طفلًا في صورة سبقت الإشارة إليها. إذا وضعنا الخلفية الثقافية لراسم الصورة في الاعتبار، وانتبهنا إلى انتمائه إلى عصر النهضة المشبَّع بالأفكار والعقائد اليهودية الباطنية والوثنية، لوجدنا أنَّ هذه الكرة هي ربَّما الكرة السحرية الشهيرة في الماسونية، التي تستهدف سحب الطاقة واستغلالها فيما يخدم أغراض محافل الشيطان على مستوى العالم. تتميَّز أحرف الرداء باللون النحاسي، وهو ذاته لون الصليب الذي يأخذ علامة X ويمتد من صدر المسيح إلى خصره وفي وسطه خرزة دائرية، ليشير الصليب والدائرة في وسطه إلى اندماج ثالوث الذكر ووحدة الأنثى، في إشارة جديدة إلى خنثوية الرب، وفق عقائد الأمم الوثنية. هناك تعمُّد واضح لإلقاء الظل على الجانب الأيمن من الوجه، كي يشع النور من الجانب الأيسر وحده، وهو نور يغلب عليه اللون النحاسي الذي يتماهى مع لون لهيب النار. ولا تحتاج الخرزة على صدر المسيح-التي تعلو الخرزة في وسط الصليب-إلى تفسير، فهي عين الرقابة الربية، التي سبقت الإشارة إلى ظهورها على عصا سبط لاوي في الإصحاح 17 من سفر العدد.
يتنافى هذا الوصف للإله مع ما جاء في القرآن الكريم، فالله تعالى لا يمكن أن تراه العين، مصداقًا لقوله في الآية 103 من سورة الأنعام “لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ”. صحيح أنَّ الله قد قارن ذاته العليا بالنور في الآية 35 من سورة النور “اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ“، لكنَّ هذا الوصف يعني أنَّه هادي أهل السماوات والأرض ومدبِّر الأمر فيهما، وفق تفسير عبد الله بن عبَّاس (رضي الله عنهما). جدير بالذكر أنَّ الله تعالى لم يقارن نفسه بالشمس أبدًا، بل أشار إلى أنَّها من خلقه، يتحكَّم سبحانه في حركتها ولا تخرج عن المسار الذي حدده لها، مصداقًا لقوله في الآية 40 من سورة يس “لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ”.
(المصدر: رسالة بوست)