إعداد عمرو شفيق
مصطلح «الإسلاميين» أو «الإسلام السياسي» هو لفظ علماني بحت، لم يطلقه أي فصيل أو تيار إسلامي على نفسه، فأي مسلم يفهم الإسلام ودوره في الحياة يعرف أن الإسلام دين كامل شامل لكل مظاهر الحياة ونواحيها، سياسة واقتصاداً، إدارة وفناً، على مستوى الأفراد وعلى مستوى المجتمعات؛ لكن بعد تفشي العلمانية في مجتمعاتنا الإسلامية وتوغلها في عقول المسلمين من خلال كل المصادر المعرفية والإعلامية وحتى على ألسنة بعض الدعاة وعلماء الدين، أصبح الإسلام ضيقاً صغيراً مقتصراً على العبادة بين العبد وربه، منفصلاً عن الحياة المدنية أو ”الحضارية“ كما يزعمون، ويتلخص دوره المجتمعي في سلسلة من الأخلاق التي تقرها الدولة ونظامها، فليس كل الأخلاق الإسلامية حتى مقبولة إلا بعد مرورها بمصفاة الدولة وقانونها الوضعي.
الإسلام أم الإسلام السياسي؟
فلما عزم بعض المفكرين الإسلاميين والدعاة ممن فهموا شمولية هذا الدين على تصحيح تلك الصورة وممارسة الإسلام الكامل الصحيح كما كان على عهد رسول الله ﷺ والراشدين، لا يحده قوانين وضعية بشرية ولا فكر يستقي من منابع غربية لا تمُت للدين بِصِلَة، حاول هؤلاء العلمانيين وأنصارهم أن يجعلوا من تلك الصورة الصحيحة والفهم الصحيح للدين صورة غير مقبولة وغير مستساغة عند الشعوب، فأطلقوا عليهم الإسلاميين أو أصحاب الإسلام السياسي، وكأن دورهم يتلخص في الحصول على منصب سياسي وكأن أغراضهم دنيوية بحتة ويستغلون الدين فقط لتحقيق مآربهم الشخصية، وأن الدين الإسلامي الحقيقي هو ما يتحلى به عوام الناس والذي يبعد كل البعد عن التدخل في شئون الدولة وعن الحياة العامة.
لماذا هذا التقسيم؟
بهذه الصورة أحدث العلمانيون هذا التقسيم أو الشرخ حتى أصبح الكثير من المسلمين ينظر إلى من يُطلق عليهم ”الإسلاميون“ وكأنهم أصحاب فكر خاص خاطئ أو أجندة براجماتية خاصة، وأيضاً سهّل هذا التقسيم على العلمانيين مهاجمة الإسلاميين كما يحلو لهم كأنه صراع سياسي فحسب، إلا أنه صراع أيديولوجي ديني عميق من ينجح فيه يزرع بذور الدول القادمة التي إما أن تصير إسلامية أو تكون أكثر علمانية من سابقيها، يزيد علمانيوها بحقدهم على خصومهم ”الإسلاميين“ مزيداً من البطش والتنكيل بهم وتقييد حركتهم، ومزيداً مما يطلقون عليها ”الحريات“ وما هي إلا مخالفات صريحة للدين، بدأنا نرى بعضها يظهر بوادره في المجتمع الآن كتفشي العري والفواحش والتمهيد لقبول الشذوذ الجنسي على الصعيد المجتمعي العام.
النظرية والحركة
إذن فلفظ المسلمون (المقبول عند العلمانيين) يعني المسلمون النظريون، من يفصلوا الناحية العملية الحياتية الحركية ويستبدلونها بأفكار معاصرة تُستمد من محاولات التغريب التي لم تنقطع يوماً في القرنين الماضيين؛ وأما المسلمون الذين لا يقومون بهذا الفصل ويأخذون الدين جملة واحدة، لا يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، يُطلقون عليهم الإسلاميين، ويحاولون إقناع الشعوب بأن هؤلاء بعيدين عن الإسلام، ثم إذا مُكّن لهم بشيء من القيادة أو المشاركة لا يلبثوا إلا أن يُحمّلوهم الكثير من الفشل الذي أصاب بلادنا بسبب سياسات -بل وخيانة- هؤلاء العلمانيين للأمة ولدينها ولثوابتها.
أسباب العداء
الفارق بين المسلم والإسلامي إذن على حسب تصنيف العلمانيين أن المسلم هو الذي يعبد الله ويطبق دينه في نفسه، أما الإسلامي فهو المسلم الذي يعبد الله ويريد تطبيق دينه على مستوى مجتمعه كما يطبقه على نفسه، وهم أشد عداوة للثاني عن الأول، فمعنى تطبيق الدين على المجتمع -أي تعبيده لله عز وجل بتطبيق أوامره وتجنب نواهيه- معناه الحد من الحريات التي يرغبون بالتنعم بها والمفاسد التي يستحلونها، ومعناها أيضاً أنهم وهم يظنون أنفسهم فقط أصحاب الفكر التنويري سيجدون أنفسهم أمام أفكار ربانية -وليست بشرية- فكيف لهم أن يناظروها ويتحدوها على الملأ فيشهدون على أنفسهم بالنفاق أو الكفر! كأن لسان حالهم يقول كما قال أبو جهل
تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاذينا على الركب، وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك مثل هذه، والله لا نؤمن به أبدًا ولا نصدقه.
أي بلغة عصرية تسابقنا والإسلاميون في كل شيء حتى كنا كفرسي رهان، فإذا تناقشنا قلنا قال فلان وقالوا قال الرحمن، فأنّى لنا بهذا!!
منافقي هذا العصر
إذا كان الإلحاد هو الكفر الصريح في زماننا هذا فالعلمانية هي أشد صور النفاق وأقبحه، نعم نقرأ كثيراً عن النفاق والمنافقين، ونكثر حتى داخل الحراك الإسلامي باتهام بعضنا البعض به، إلا إنه تجسد كاملاً في هؤلاء؛ لقد كان المنافقون على عهد رسول الله ﷺ يصلون معه في المسجد وكانوا يلتزمون بـ ”الإسلام النظري“ أكثر حتى من الكثير من الملتزمين به في يومنا هذا، إلا أنهم كانوا يُخذِّلون بكل طاقتهم عن الإسلام العملي الحركي كما أراده الله، وكما فهمه الصحابة رضوان الله عليهم وطبقوه في كل نواحي حياتهم مع رسول الله ﷺ؛ إنهم هم الذين يُسوِّفُون أي استقلال حقيقي لشعوبنا عن الإدارة والإرادة الغربية الأمريكية والصهيونية فيقولون تارة متطلبات الواقع، وتارة الحكمة والدهاء السياسي، وتارة أخرى المصالح المشتركة… إلخ، بل تجدهم يسارعون إلى الغرب (يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة)، حتى إذا دعت الضرورة للصراع
تجد لسان حالهم يقول (لا تنفروا في الحرّ).
إنهم هم الذين (اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله)، وهم من (إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم)، وهم الذين لا يقفون مع من يسمونهم ”الإسلاميين“ إلا (لو كان عرضاً قريباً أو سفراً قاصداً)، و(لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم)، ثم يعودوا يقولون (ليخرجن الأعز منا الأذل) وهم يصارعون خصومهم الإسلاميين في كل قطر من بلادنا، وعندما ينجحون للأسف من النيل منهم لا يكتفون بهذا النصر الخبيث الذي حققوه بكل الوسائل الحقيرة وبنشر الأكاذيب والإشاعات فحسب، بل ينكلون بشيوخ المسلمين ودعاتهم وعلمائهم وشبابهم الذين لم يثبت عليهم في أي بقعة من بلادنا من ارتشى أو سرق أو استغل منصبه منهم، إلا قليل القليل الذين لم يكونوا في الواقع إلا منهم ولكن على صورتنا وهيئتنا، وهذه إحدى وسائلهم الماكرة، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
اختلاف طرفي الصراع
إن عداء العلمانيين “للإسلاميين” إذن هو صراع وجودي، لا يخفى على ذي لُبّ، كلهم يتحدون عليه، لكننا نتفرق في رؤيتنا لهم، فمنا من يراهم وطنيين منقذين للوطن وللأمة وأنهم مصلحيين سياسيين وأهل السياسة والفكر وليسوا رجعيين (مثل الإسلاميين على حسب قولهم)، ومنا من يراهم محايدين فقط، فهم لا يعادون الإسلام ولا ينصرونه، ومنهم من يراهم على الصورة التي أسلفناها، فهم متحدون أمامنا ونحن متفرقون أمامهم.
ماذا يجب أن يفعل قيادات الحراك الإسلامي للحد من نفوذ هؤلاء العلمانيين
١- نشر حقيقة العلمانية والعلمانيين بين المسلمين كي يعرفوا الفرق بين من هم في صفهم ومن في صف عدوهم وإن كانوا من بني جلدتهم.
٢- إبراز وتصحيح التصور الذي يفصل بين الإسلاميين بمعناهم العلماني وعموم المسلمين، وأننا في معسكر واحد ولسنا معسكرين مختلفين.
٣- انفتاح الحركات الإسلامية على عموم المسلمين وتوسيع دائرة عملهم وفتح قنوات تسمح للجميع بالمشاركة على اختلاف قدراتهم وإمكاناتهم.
٤- نزع صفة الحزبية والعصبية الحركية المهيمنة على الكثير من أبناء التيار الإسلامي.
٥- وحدة الهدف والتعاون بين التيارات الفكرية والحركية الإسلامية على اختلاف آلياتهم ومنهجياتهم.
خاتمة
إن الصراع بين الفكرتين الإسلامية والعلمانية صراع حتمي، آلياته نشر الوعي والفهم الصحيح للدين، فمن ربح الصراع كسب الدولة وطبق أجندته، إما غربية أو شرقية وإما ربانيّة، لذا فمن الواجب على “الإسلاميين” -كما يسمونهم- أن يعالجوا هذه الآفة في جسد الأمة وأن يستخدموا كل الوسائل والأصعدة لخوض هذا الصراع الفكري وأن يتوحدوا في هذه المعركة فتعود الأمة إلى ثوابتها وقيمها، وترتاح من تغريبها وتشريقها.
(المصدر: أمة بوست)