مقالاتمقالات مختارة

كيفية ُالتعاملِ مع المطبعين في زيارتهم للمسجد الأقصى المبارك

كيفية ُالتعاملِ مع المطبعين في زيارتهم للمسجد الأقصى المبارك

بقلم أ. د. الشيخ حسام الدين عفاتة

يقول السائل: نلاحظُ أن بعض الأخوة من رواد المسجد الأقصى المبارك يسبون ويشتمون المطبعين من المسلمين القادمين من دول التطبيع كالإمارات والبحرين الذين يزورون المسجد الأقصى المبارك، أرجو أن تفيدونا في كيفيةِ التعاملِ معهم شرعاً ؟

الجواب:أولاً: إن التطبيع الذي يتكالب عليه العربان يشكلُ طعنةً غادرةً في ظهر أهل بيت المقدس وأكناف بيت المقدس. وإن التطبيع الذي يمارسه أولئك ما هو إلا إقرارٌ وتسليمٌ بضياعِ كلِّ فلسطين والقدس والمسجد الأقصى المبارك خاصةً، وإقرارٌ واعترافٌ بكل ما أحدثه المحتلون من تدميرٍ وتخريبٍ لقرى ومدن فلسطين، وبناءٍ للمستوطنات وتهجيرٍ لأهل فلسطين، واستسلامٍ ورضاً بأفعال المحتلين، وإقرارٍ لباطلهم.وإن حقيقة التطبيع وجوهره أنه فتحٌ لأبواب بلاد العرب والمسلمين أمام يهود وغزوها اقتصادياً وثقافياً وأخلاقياً وسياساً…إلخ وإقامة علاقات تجارية وصناعية وزراعية وسياحية ودبلوماسية وثقافية طبقاً لقرارات هيئة الأمم المتحدة، وليس طبقاً لأحكام الكتاب والسنة.

وإن الواجب على علماء الأمة والدعاة وخطباء المساجد أن يتصدوا لهذه الأفكار المشبوهة وأمثالها، وأن يقوموا بدورهم المنشود في توعية الناس، بخطورة هذه الأفكار التطبيعية الخبيثة، وأن يسهموا في كشف عُوارها، وأن يبينوا للأمة أن التطبيع فيه مخالفةٌ صريحةٌ لشريعة الله تبارك وتعالى. ولا شك أن هذه الأيام من أصعب الفترات التي مرَّت على المسجد الأقصى المبارك الأسير، فهو يئنُّ بحرقةٍ وينادي المسلمين، ولا مجيب. ولا شكَّ أن هرولة المطبعين من العرب والمسلمين، لهو نتيجةٌ بائسةٌ من نتائج التنازل عن ثوابت القضية الفلسطينية، وتخاذل الطغاة الذين مشوا في هذا الطريق منذ عشرات السنين، وما زالوا في غيهم وضلالهم المبين، وبمباركةٍ من مشايخ الدفع المسبق، ومشايخ السلطان، الذين يصدرون الفتاوى خدمةً لأسيادهم.وكنت قد بينت في حلقة سابقة من “يسألونك” خطورة تطبيع الإمارات والبحرين على المسجد الأقصى المبارك حيث وردت فقرةٍ في اتفاقيتي التطبيع بين الإمارات والبحرين مع دولة يهود، وتنصُّ الفقرةُ على أن كل المسلمين الذين يأتون بسلام، يمكنهم زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه. وأما الأماكن المقدسة الأخرى فيجب أن تبقى مفتوحة لصلاة المؤمنين من الديانات كافة. وقد ذُكر هذا البند الخطير في اتفاقيتي التطبيع بين الإمارات والبحرين مع دولة يهود كما ورد من عدة مصادر منها، تقرير لمنظمة “القدس الدنيوية” الإسرائيلية غير الحكومية “Terrestrial Jerusalem” فإن هذا البند يتضمن “تغييراً جذرياً في الوضع الراهن للحرم المقدسي، وله تداعياتٌ خطيرةٌ بعيدةُ المدى وقابلة للانفجار” ومنها ما ورد في البيان المشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة، الصادر يوم 13 /آب الماضي عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكما ورد في رؤيته للسلام، “يمكن لجميع المسلمين أن يأتوا بسلام لزيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه. ويجب أن تظل الأماكن المقدسة الأخرى في القدس مفتوحة للمصلين المسالمين من جميع الأديان” www.aljazeera.net إن الذين صاغوا الاتفاقيتين من الوفدين الإسرائيلي والأمريكي الذي ضم عدداً من المتصهينين ما وضعوا هذه المصطلحات بشكلٍ عشوائيٍ، وإنما بشكلٍ مقصودٍ له أهدافه المعروفة. وأما العربان الذين وقعوا الاتفاقيتين فلا أظن أنهم قرأوا ما وقعوا عليه، ولو فرضنا أنهم قرأوا فما فهموا ماذا تعني تلك المصطلحات!؟

فقد تمَّ استخدام مصطلح “المسجد الأقصى” للإشارة إلى المصلى القبلي فقط، والإشارة إلى بقية المكان باسم “جبل المعبد” عند الحديث عنه كمقدسٍ يهودي، وبعبارة “الحرم الشريف” عند الإشارة إلى المسجد بكامل مساحته. وقد نقلت قناة الجزيرة عن مسؤول مطلع أنه “ليس لديه شكٌّ في أن اللغة في البيان الإسرائيلي الإماراتي تمت كتابتها بخبثٍ مدبرٍ من الجانب الإسرائيلي دون فهم واضحٍ من الإمارات، ومع تواطؤ فريقٍ أميركي جاهل”.

واتفاقا التطبيع هذان يؤكدان على ما ورد في صفقة القرن من أن “الشعوب من كل الأديان يجب أن يتمَّ السماحُ لهم بالصلاة على جبل الهيكل/الحرم الشريف” إن ورود هذا البند الخطير في اتفاقيتي التطبيع بين الإمارات والبحرين مع دولة يهود، يعني أن وضع هذا النص في اتفاقيتي التطبيع يقرُّ بإيجاد فارقٍ بين المسجد الأقصى المبارك، وهو ما نسميه المسجد القبلي، وبين باقي ما أحاط به سور المسجد الأقصى المبارك، ومساحته 144 دونماً، ويشمل ذلك كل ساحاته ومرافقه وقبابه، ومسجد قبة الصخرة، وجدرانه الداخلية والخارجية، بما فيها حائط البراق، ويشمل أيضاً ما كان تحت أرض المسجد وما كان فوقها. وهذه الفقرة قصرت المسجد الأقصى المبارك على أربعة دونماتٍ فقط، وأخرجت 140 دونماً أي أخرجت 93% مما أحاط به سور المسجد الأقصى المبارك، بساحاته ومرافقه وقبابه، ومسجد قبة الصخرة، وجدرانه الداخلية والخارجية، وجعلتها مرافق عامة ومشتركة، وهي نظرة الاحتلال، فاتفاقيتا التطبيع بين الإمارات والبحرين مع دولة يهود تمنحُ اليهودَ حقَّ الصلاة في المسجد الأقصى المبارك، وهذا يعني إعطاء مشروعيةٍ مخالفةٍ لديننا وللقانون الدولي لمحتلٍ مغتصبٍ لأولى القبلتين وثالث المسجدين الشريفين.

إن اتفاقيتي التطبيع بين الإمارات والبحرين مع دولة يهود، ينطوي على تغييرٍ مهمٍ في وضعية المسجد الأقصى المبارك لمصلحة يهود. إن ورود هذا البند الخطير في اتفاقيتي التطبيع بين الإمارات والبحرين مع دولة يهود، يعني أن المسجد الأقصى المبارك بمساحته البالغة 144 دونماً ليس تحت سيادة المسلمين، ويعني أيضاً أن قبول الإمارات والبحرين لهذا البند الخطير، أنهما وافقتا على سيادة دولة يهود على المسجد الأقصى المبارك!؟

إن اتفاقيتي التطبيع بين الإمارات والبحرين مع دولة يهود، تعني موافقتهما على أطماع يهود في المسجد الأقصى المبارك، وسيؤدي ذلك إلى إقرارهما بالتقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى المبارك. وإن اتفاقيتي التطبيع بين الإمارات والبحرين مع دولة يهود، قد أعطتهم صكَّاً عربياً مسلماً لمشروعية أداء الطقوس والعبادات اليهودية في المسجد الأقصى المبارك. كما أن اتفاقيتي التطبيع بين الإمارات والبحرين مع دولة يهود، تعني قبول الإمارات والبحرين للرؤية اليهودية للمسجد الأقصى المبارك، التي تنصُّ على أن المسجد الأقصى هو مبنىً صغيرٌ موجودٌ في جنوب “جبل المعبد”، وأن قبة الصخرة ليست مسجداً ولكنها أثرٌ إسلاميٌ يقعُ في قلب “جبل المعبد”، بينما تعتبر بقية الساحات والمواقع شيئاً آخر غير المسجد الأقصى، واسمه الإسلامي “الحرم الشريف”، والذي يوازي في الرؤية الإسرائيلية “جبل المعبد”. www.trtarabi.com/opinion

ولا شك أن اتفاقيتي التطبيع بين الإمارات والبحرين مع دولة يهود قد شرَّعَتا اقتحامات اليهود للمسجد الأقصى، بل قد شرَّعَتا أداء الشعائر الدينيّة اليهوديّة فيه، حين جعلتا لهم “حقًّا” مساويًا لحقّ المسلمين في الصلاةِ فيه.

كما أن اتفاقيتي التطبيع بين الإمارات والبحرين مع دولة يهود قد شرَّعَتا اقتحاماتِ المطبِّعين العرب للأقصى تحت غطاء “زيارته والصلاة فيه”، مع اشتراط أنْ يكونوا “مسالمين”، وهذا الشرط يعطي للاحتلالِ هامشًا واسعًا لمنع “المشاغبين” من دخول المسجد الأقصى. ولا شك لدي أن اقتحاماتِ المطبِّعين العرب والمسلمين للأقصى تُعدُّ اقتحِاماً للمسجد الأقصى وليست زيارةً له، حيث إن هؤلاء المطبعين جاءوا للأقصى ضمن اتفاقياتٍ باطلةٍ شرعاً وفيها تزويرٌ لأحقيتنا نحن المسلمين بالمسجد الأقصى المبارك، كما دلت على ذلك نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية التي بينت مكانته وفضله كما سيأتي.

ثانياً: إن مكانة المسجد الأقصى المبارك عظيمةٌ عندنا أمةَ الإسلام، فهو مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ومعراجه إلى السموات العلُى، قال الله تعالى{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقصى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} سـورة الإسـراء الآية1. ووردت أحاديث كثيرة في فضله منها: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد الرسول ومسجد الأقصى) رواه البخاري ومسلم.

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن سليمان بن داود عليه السلام لما بنى بيت المقدس سأل الله عز وجل خلالاً ثلاثةً: سأل الله عز وجل حكماً يصادف حكمه فأُوتيه، وسأل الله عز وجل ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده فأُوتيه، وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحدٌ لا يَنْهَزُهُ إلا الصلاة فيه، أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة، وهو حديثٌ صحيحٌ كما قال العلامة الألباني في صحيح الترغيب2/22.

ووردت أحاديثُ في مضاعفة الصلاة في المسجد الأقصى المبارك، وأصحها عن أبي ذر رضي الله عنه قال:(تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل أمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنِعمَ المُصلَى هو، وليوشكن لأن يكون للرجل مثل شطن فرسه-حبل الفرس- من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس، خيرٌ له من الدنيا جميعاً) رواه الطبراني والطحاوي والبيهقي والحاكم وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي: صحيح. وصححه العلامة الألباني، بل قال عنه إنه أصح ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الأقصى، السلسلة الصحيحة حديث رقم 2902.

هذه المكانةُ العظيمةُ للمسجد الأقصى المبارك توجبُ على كل مسلمٍ المحافظةَ عليه، وتعظيمَ شأنه، فهو من أعظم بيوت الله عز وجل، وبيوتُ الله حقُها التعظيم، قال الله عز وجل:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} سورة النور الآيتان 36-37.

وإن تعظيمَ المسجد الأقصى المبارك، إنما هو تعظيمٌ لله عز وجل، فالمسجد هو بيت الله عز وجل، وإن انتهاكَ حُرمةِ المسجد الأقصى المبارك، وتعطيلَ صلاة الجمعة، وما حصل فيه من اللغط والتشويش والسبِّ والشتم، إنما هو انتهاكٌ لحرمات الله عز وجل.

ثالثاً: قرر أهل العلم أن المساجدَ لها أحكامٌ خاصة وآدابٌ لا بدَّ من المحافظة عليها، كي تبقى للمسجد هيبتُهُ وحرمتُهُ في نفوس المسلمين، يقول الله تعالى في شأن المساجد:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}سورة النور الآيتان36-37.

والبيوت المذكورة في الآية الكريمة هي المساجد، كما قال ابن عباس ومجاهد والحسن البصري ورجحه القرطبي في تفسيره 12/265، وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ}أي: أمر الله تعالى برفعها، أي: بتطهيرها من الدنس واللغو، والأفعال والأقوال التي لا تليق فيها…وقال قتادة: هي هذه المساجد، أمر الله سبحانه، ببنائها ورفعها، وأمر بعمارتها وتطهيرها] تفسير ابن كثير 6/62.وقال الجلال السيوطي:[في هذه الآية الأمرُ بتعظيم المساجد وتنزيهها عن اللغو والقاذورات] تفسير القاسمي12/214، وقال العلامة السعدي:[{أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}هذان مجموع أحكام المساجد، فيدخل في رفعها، بناؤُها، وكنسها، وتنظيفها من النجاسة والأذى، وصونها من المجانين والصبيان الذين لا يتحرزون عن النجاسة، وعن الكافر، وأن تصان عن اللغو فيها، ورفع الأصوات بغير ذكر الله{وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}يدخل في ذلك الصلاة كلها، فرضها، ونفلها، وقراءة القرآن، والتسبيح، والتهليل، وغيره من أنواع الذكر، وتعلم العلم وتعليمه، والمذاكرة فيها، والاعتكاف، وغير ذلك من العبادات التي تُفعل في المساجد، ولهذا كانت عمارة المساجد على قسمين: عمارة بنيان، وصيانة لها، وعمارة بذكر اسم الله، من الصلاة وغيرها، وهذا أشرف القسمين، ولهذا شرعت الصلوات الخمس والجمعة في المساجد، وجوباً عند أكثر العلماء، أو استحباباً عند آخرين] تفسير السعدي ص354.

وكذلك فإن من القواعد المقررة شرعاً وجوبُ تعظيم شعائر الله، يقول الله تعالى:{ذلك وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} سورة الحج الآية 32، ويقول تعالى:{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} سورة الحج الآية30 . قال الإمام القرطبي:[{وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ}الشعائر جمع شعيرة، وهو كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر به وأعلم…فشعائر الله أعلام دينه لا سيما ما يتعلق بالمناسك] تفسير القرطبي12/56. ولا شك أن المساجدَ داخلةٌ في عموم شعائر الله، ومن تعظيمها منعُ الفوضى والصخب والصياح فيها، والمحافظة على نظافتها والاعتناء بها بجميع وجوه العناية.وبما أن المساجد لها أحكامٌ خاصٌ بها، لذا يمنع المسلم من فعل أمورٍ كثيرةٍ في المساجد مع أنه يجوز فعلها خارج المساجد، وقد ثبت في الحديث عن بريدة رضي الله عنه(أنَّ رَجُلًا نَشَدَ فِي الْمَسْجِدِ –أي طلب ضالةً له-فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مَن دَعَا إلى الجَمَلِ الأحْمَرِ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: لا وجَدْتَ، إنَّما بُنِيَتِ المَسَاجِدُ لَمَّا بُنِيَتْ له) رواه مسلم.

قال الإمام النووي:[في هذين الحديثين فوائد منها: النهي عن نشد الضالة في المسجد، ويُلحق به ما في معناه من البيع والشراء والإجارة ونحوها من العقود، وكراهة رفع الصوت في المسجد…وقوله صلى الله عليه وسلم (إنما بُنيت المساجد لما بُنيت له) معناه لذكر الله والصلاة والعلم والمذاكرة في الخير ونحوها… وقوله صلى الله عليه وسلم:(لا وجدت) وأمر أن يقال مثل هذا، فهو عقوبة له على مخالفته وعصيانه وينبغي لسامعه أن يقول: لا وجدت فإن المساجد لم تبن لهذا، أو يقول: لا وجدت إنما بُنيت المساجد لما بُنيت له. كما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم] شرح النووي على مسلم 2/215.وقال الإمام القرطبي بعد أن ذكر حديث بريدة السابق:[وهذا يدل على أن الأصل ألا يُعمل في المسجد غير الصلوات والأذكار وقراءة القرآن. وكذا جاء مفسراً من حديث أنس قال:(بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزرموه دعوه. فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن)… وسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صوتَ رجلٍ في المسجد فقال: ما هذا الصوت؟ أتدري أين أنت!] تفسير القرطبي12/269.

وورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:(اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: ألا إن كلكم مناجٍ ربه فلا يؤذي بعضكم بعضاً ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة) رواه أبو داود بإسناد صحيح كما قال الإمام النووي وصححه العلامة الألباني.وقد همَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتعزير من يرفعون أصواتهم في المسجد فقد روى البخاري عن السائب بن يزيد قال:(كنت قائماً في المسجد فحصبني رجل-أي رماني بحصاة -فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب فقال: اذهب فائتني بهذين، فجئته بهما، فقال: ممن أنتما؟ قالا:من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم).وهذه النصوص والآثار وغيرها تدل على أن المسجد له أحكامه الخاصة التي تميزه عن المباني الأخرى.

رابعاً: إذا تقرر هذا فإن التعامل مع المطبعين الذين يزورون المسجد الأقصى المبارك، يجب أن يكون وفق الضوابط الشرعية، ومن المعلوم أن زيارة المطبعين للمسجد الأقصى المبارك من المنكرات، حيث بُنيت على اتفاقياتِ تطبيعٍ باطلةٍ ومنكرةٍ شرعاً، وينبغي أن يعلم أن مراتب تغيير المنكر ثلاثٌ، وهي المذكورة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(مَنْ رأى منْكم منْكرًا فليغيِّرهُ بيدِهِ، فإن لم يستطِعْ فبلسانِهِ، فإن لَم يستطِعْ فبقلبِهِ، وذلِكَ أضعفُ الإيمانِ) رواه مسلم.قال الإمام النووي:[ قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه: هَذَا الْحَدِيث أَصْلٌ فِي صِفَة التَّغْيِير، فَحَقُّ الْمُغَيِّر أَنْ يُغَيِّرهُ بِكُلِّ وَجْه أَمْكَنَهُ زَوَاله بِهِ قَوْلًا كَانَ أَوْ فِعْلًا؛ فَيَكْسِر آلَات الْبَاطِل، وَيُرِيق الْمُسْكِر بِنَفْسِهِ، أَوْ يَأْمُر مَنْ يَفْعَلهُ، وَيَنْزِع الْغُصُوبَ وَيَرُدَّهَا إِلَى أَصْحَابهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ بِأَمْرِهِ إِذَا أَمْكَنَهُ. وَيَرْفُق فِي التَّغْيِير جَهْده بِالْجَاهِلِ، وَبِذِي الْعِزَّة الظَّالِم الْمَخُوف شَرّه؛ إِذْ ذَلِكَ أَدْعَى إِلَى قَبُول قَوْله. كَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُون مُتَوَلِّي ذَلِكَ مِنْ أَهْل الصَّلَاح وَالْفَضْل لِهَذَا الْمَعْنَى. وَيُغْلِظ عَلَى الْمُتَمَادِي فِي غَيّه، وَالْمُسْرِف فِي بَطَالَته؛ إِذَا أَمِنَ أَنْ يُؤَثِّر إِغْلَاظُه مُنْكَرًا أَشَدّ مِمَّا غَيَّرَهُ لِكَوْنِ جَانِبه مَحْمِيًّا عَنْ سَطْوَة الظَّالِم. فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنّه أَنَّ تَغْيِيرَهُ بِيَدِهِ يُسَبِّبُ مُنْكَرًا أَشَدّ مِنْهُ مِنْ قَتْله أَوْ قَتْل غَيْره بِسَبَبٍ كَفَّ يَدَهُ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الْقَوْل بِاللِّسَانِ وَالْوَعْظ وَالتَّخْوِيف. فَإِنْ خَافَ أَنْ يُسَبِّب قَوْله مِثْل ذَلِكَ غَيَّرَ بِقَلْبِهِ، وَكَانَ فِي سَعَة، وَهَذَا هُوَ الْمُرَاد بِالْحَدِيثِ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى ذَلِكَ اِسْتَعَانَ مَا لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إِلَى إِظْهَار سِلَاحٍ وَحَرْبٍ، وَلْيَرْفَع ذَلِكَ إِلَى مَنْ لَهُ الْأَمْر إِنْ كَانَ الْمُنْكَر مِنْ غَيْره، أَوْ يَقْتَصِر عَلَى تَغْيِيره بِقَلْبِهِ. هَذَا هُوَ فِقْه الْمَسْأَلَة، وَصَوَاب الْعَمَل فِيهَا عِنْد الْعُلَمَاء وَالْمُحَقِّقِينَ خِلَافًا لِمَنْ رَأَى الْإِنْكَار بِالتَّصْرِيحِ بِكُلِّ حَالٍ وَإِنْ قُتِلَ وَنِيل مِنْهُ كُلّ أَذَى. هَذَا آخِر كَلَام الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّه] شرح النووي على صحيح مسلم 1/211-220 .

وبناءً على ما سبق فإن المرتبة الأولى وهي التغيير باليد وهي أعلى مراتب تغيير المنكر وأفضلها في حقِّ من قدر عليها، وهذه المرتبة لا أراها متحققةً في ظل الاحتلال في القدس والمسجد الأقصى المبارك. وأما المرتبة الثانية وهي التغيير باللسان، فيجب شرعاً أن تكون بأسلوبٍ حسنٍ لطيفٍ، كما قال تعالى :{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} سورة النحل الآية 125.

وقال الله سبحانه وتعالى مخاطباً موسى وهارون عليهما السلام لما أرسلهما إلى فرعون:{ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} سورة طه الآية 44.ولا بدَّ أن نتذكر أن الإنكار على المطبعين باللسان إن وقع داخل المسجد الأقصى المبارك، فيجب شرعاً مراعاةُ حُرمةِ المسجد، فلا يجوز سبُّ وشتمُ المطبعين الزائرين للمسجد الأقصى المبارك، لأن الطعنَ واللعنَ والسبَّ والشتم والفُحش ليست من أخلاق المؤمنين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ) رواه الترمذي وابن حبان والحاكم وصححاه.وإنما يكون إنكارُ المنكر بأسلوبٍ حسنٍ، على الرغم من فُحشِ منكرِ المطبعين، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوةٌ حسنةٌ فقد حدث أن أعرابياً دخل المسجد النبوي فبال فيه!؟ فصاح الصحابة به، فعالج النبي صلى الله عليه وسلم الموقفَ بكل رفقٍ ولينٍ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال (بيْنَما نَحْنُ في المَسْجِدِ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ. إذْ جاءَ أعْرابِيٌّ فَقامَ يَبُولُ في المَسْجِدِ، فقالَ أصْحابُ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: مَهْ مَهْ، قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: لا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ فَتَرَكُوهُ حتَّى بالَ، ثُمَّ إنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ دَعاهُ فقالَ له: إنَّ هذِه المَساجِدَ لا تَصْلُحُ لِشيءٍ مِن هذا البَوْلِ، ولا القَذَرِ إنَّما هي لِذِكْرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، والصَّلاةِ وقِراءَةِ القُرْآنِ، أوْ كما قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالَ: فأمَرَ رَجُلًا مِنَ القَوْمِ فَجاءَ بدَلْوٍ مِن ماءٍ فَشَنَّهُ عليه.)

وأما المرتبة الثالثة وهي الإنكار بالقلب: وهي أدنى المراتب الثلاث، ولا رخصة لمسلم في تركها أبداً بل يجب على المسلم أن يبغض المنكر ويكرهه دائماً وباستمرار. وأما إذا كان القلب لا يعرف المعروف ولا ينكر المنكر فهذا دليل على موته.قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مبيناً قول الرسول صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ:( وذلك أضعف الإيمان ) مراده :[ أنه لم يبق بعد هذا الإنكار ما يدخل في الإيمان حتى يفعله المؤمن بل الإنكار بالقلب آخر حدود الإيمان ليس مراده أن من لم ينكر لم يكن معه من الإيمان حبة خردل ولهذا قال: ليس وراء ذلك. فجعل المؤمنين ثلاث طبقات فكل منهم فعل الإيمان الذي يجب عليه] مجموع الفتاوى 28/127 .ولا بد أن نعلم أن العلماء قد قرروا أنه يُمنع تغييرُ المنكر إذا ترتَّب عليه منكرٌ أعظم، كما قال الله عز وجل:{وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} سورة الأنعام الآية 108.

وما ثبت في السنة النبوية أن النبي صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كفَّ عن قتل المنافقين، لأن قتلهم ذريعةٌ لأن يُقال إن محمداً يقتل أصحابه. رواه البخاري ومسلم .ومن المقرر عند العلماء أيضاً أن درءَ المفاسد مقدمٌ على جلب المصالح، فإذا خُشي حصولُ مفسدةٍ أعظم من المصلحة في تغيير المنكر فينبغي تركه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية:[الأمر والنهي -وإن كان متضمناً لتحصيل مصلحةٍ ودفع مفسدةٍ- فيُنظر في المُعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأموراً به؛ بل يكون محرماً إذا كانت مفسدتهُ أكثرُ من مصلحته] مجموع الفتاوى 28/129.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً:[ وليس لأحدٍ أن يزيل المنكر بما هو أنكر منه مثل أن يقوم واحد من الناس يريد أن يقطع يد السارق ويجلد الشارب ويقيم الحدود لأنه لو فعل لأفضى إلى الهرج والفساد] مختصر الفتاوى المصرية ص 579.

خامساً: إن أشد ما نخشاه أن تؤدي التوافقات السياسية إلى حماية المطبعين، فقد تناقلت بعض وسائل الإعلام أخباراً حول اتفاقٍ بين الأنظمة في المنطقة لتوفيرِ الحماية للمطبعين الذين يزورون المسجد الأقصى من دول التطبيع! وأن المطبعين سيدخلون من كل أبواب المسجد الأقصى، وليس من باب المغاربة فقط كما هو الحال عليه الآن؟ولا شك أن توفير الحماية للمطبّعين، لا يقلُّ خطورةً عن التطبيعِ نفسه!؟ ويشير إلى ذلك صدورُ بعض الفتاوى التي تجيز زيارة المطبعين للأقصى إذا كان بالاتفاق مع الجهات الرسمية- البوابة الشرعية!؟ – وتحرمها إذا كانت من بوابة الاحتلال؟! وما ذُكر من المجيئ عبر البوابة الشرعية، لا يؤثر في الحكم، فالتطبيع كله حرامٌ شرعاً بغض النظر عمَّن يقوم به، سواء أكان التطبيع مصرياً أو أردنياً أو فلسلطينياً أو إماراتياً أو بحريناً أو سودانياً، فهذه أوصافٌ طرديةٌ لا تؤثر في الحكم كما يقول الأصوليون، ويمثل الأصوليون بحديث الأعرابي كما ورد عن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ جَاءَهُ أعرابيٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ. قَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لاَ، فَقَالَ: فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِيناً؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ – وَالعَرَقُ المِكْتَلُ – قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ ؟ فَقَالَ: أَنَا، قَالَ: خُذْهَا، فَتَصَدَّقْ بِهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا – يُرِيدُ حَرَّتَيْ المدينة-أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ) رواه البخاري ومسلم.فكونه أعرابياً لا يؤثر في الحكم، فلا فرق بين الأعرابي والحضري، إذاً تعليق الحكم على وصف الأعرابي بأعرابي يُلغى؛ لأننا وجدنا الشرع لا يعتبر ذلك في الأحكام، وكذلك هنا فلا فرق بين مطبعٍ ومطبعٍ، فالتطبيع كله حرام شرعاً.

وخلاصة الأمر: أن التطبيع الذي يتكالب عليه العربان يشكلُ طعنةً غادرةً في ظهر أهل بيت المقدس وأكناف بيت المقدس.

وإن التطبيع الذي يمارسه أولئك ما هو إلا إقرارٌ وتسليمٌ بضياعِ كلِّ فلسطين والقدس والمسجد الأقصى المبارك خاصةً، وإقرارٌ واعترافٌ بكل ما أحدثه المحتلون من تدميرٍ وتخريبٍ لقرى ومدن فلسطين، وبناءٍ للمستوطنات وتهجيرٍ لأهل فلسطين، واستسلامٍ ورضاً بأفعال المحتلين، وإقرارٍ لباطلهم.

وأن الواجب على علماء الأمة والدعاة وخطباء المساجد أن يتصدوا لهذه الأفكار المشبوهة وأمثالها، وأن يقوموا بدورهم المنشود في توعية الناس، بخطورة هذه الأفكار التطبيعية الخبيثة، وأن يسهموا في كشف عُوارها، وأن يبينوا للأمة أن التطبيع فيه مخالفةٌ صريحةٌ لشريعة الله تبارك وتعالى.

وأن اتفاقيتي التطبيع بين الإمارات والبحرين مع دولة يهود قد شرَّعَتا اقتحامات اليهود للمسجد الأقصى، بل قد شرَّعَتا أداء الشعائر الدينيّة اليهوديّة فيه، حين جعلتا لهم “حقًّا” مساويًا لحقّ المسلمين في الصلاةِ فيه.

وأن اتفاقيتي التطبيع بين الإمارات والبحرين مع دولة يهود قد شرَّعَتا اقتحاماتِ المطبِّعين العرب للأقصى تحت غطاء “زيارته والصلاة فيه”، مع اشتراط أنْ يكونوا “مسالمين”، وهذا الشرط يعطي للاحتلالِ هامشًا واسعًا لمنع “المشاغبين” من دخول المسجد الأقصى.

وأن اقتحاماتِ المطبِّعين العرب والمسلمين للأقصى تُعدُّ اقتحِاماً للمسجد الأقصى وليست زيارةً له، حيث إن هؤلاء المطبعين جاءوا للأقصى ضمن اتفاقياتٍ باطلةٍ شرعاً وفيها تزويرٌ لأحقيتنا نحن المسلمين بالمسجد الأقصى المبارك، كما دلت على ذلك نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية التي بينت مكانته وفضله.وأن مكانة المسجد الأقصى المبارك عظيمةٌ عندنا أمةَ الإسلام، فهو مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ومعراجه إلى السموات العلُى.

وأن المساجدَ لها أحكامٌ خاصة وآدابٌ لا بدَّ من المحافظة عليها، كي تبقى للمسجد هيبتُهُ وحرمتُهُ في نفوس المسلمين.

وأن التعامل مع المطبعين الذين يزورون المسجد الأقصى المبارك، يجب أن يكون وفق الضوابط الشرعية، ومن المعلوم أن زيارة المطبعين للمسجد الأقصى المبارك من المنكرات، حيث بُنيت على اتفاقياتِ تطبيعٍ باطلةٍ ومنكرةٍ شرعاً.

وأن التغيير باليد وهي أعلى مراتب تغيير المنكر وأفضلها في حقِّ من قدر عليها، وهذه المرتبة لا أراها متحققةً في ظل الاحتلال في القدس والمسجد الأقصى المبارك. وأما المرتبة الثانية وهي التغيير باللسان، فيجب شرعاً أن تكون بأسلوبٍ حسنٍ لطيفٍ،وأن الإنكار على المطبعين باللسان إن وقع داخل المسجد الأقصى المبارك، فيجب شرعاً مراعاةُ حُرمةِ المسجد، فلا يجوز سبُّ وشتمُ المطبعين الزائرين للمسجد الأقصى المبارك، لأن الطعنَ واللعنَ والسبَّ والشتم والفُحش ليست من أخلاق المؤمنين.

وأن العلماء قد قرروا أنه يُمنع تغييرُ المنكر إذا ترتَّب عليه منكرٌ أعظم.وأن أشد ما نخشاه أن تؤدي التوافقات السياسية إلى حماية المطبعين، فقد تناقلت بعض وسائل الإعلام أخباراً حول اتفاقٍ بين الأنظمة في المنطقة لتوفيرِ الحماية للمطبعين الذين يزورون المسجد الأقصى من دول التطبيع!

وأن المطبعين سيدخلون من كل أبواب المسجد الأقصى، وليس من باب المغاربة فقط كما هو الحال عليه الآن؟وأن توفير الحماية للمطبّعين، لا يقلُّ خطورةً عن التطبيعِ نفسه!؟ ويشير إلى ذلك صدورُ بعض الفتاوى التي تجيز زيارة المطبعين للأقصى إذا كان بالاتفاق مع الجهات الرسمية- البوابة الشرعية!؟ – وتحرمها إذا كانت من بوابة الاحتلال؟!وأن ما ذُكر من المجيئ عبر البوابة الشرعية، لا يؤثر في الحكم، فالتطبيع كله حرامٌ شرعاً بغض النظر عمَّن يقوم به، سواء أكان التطبيع مصرياً أو أردنياً أو فلسلطينياً أو إماراتياً أو بحريناً أو سودانياً، فهذه أوصافٌ طرديةٌ لا تؤثر في الحكم كما يقول الأصوليون.

والله الهادي إلى سواء السبيل

(المصدر: شبكة يسألونك الإسلامية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى