مقالاتمقالات مختارة

كيفما تكونوا يولى عليكم

كيفما تكونوا يولى عليكم

بقلم فرج كُندي

إن من أهم مجالات الشورى في المفهوم الإسلامي هو إقامة رئيس للدولة ، وإذا كان هذا المنصب أخطر منصب في الدولة إذ يجسد – أو ينبغي أن يكون ذلك – أفضل ما في شُعبه من صفات ، أو هو على الأقل صورة صادقة لحالة الشعب ( كيفما تكونوا يولى عليكم ).

والمعني واضح أن – ولي الأمر أو رأس الدولة – يكون من جنس المُولىّ عليهم – رعيته – فإن كانوا صالحين كان مثلهم، وإن كانوا فاسدين كان مثلهم، والحالة التي يكونون عليها يكون عليها ولي أمرهم فهم بعضهم من بعض .

قال الألوسي في تفسيره عند قول الله تعالى: { وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون } . إن الرعية إذا كانوا ظالمين سلط الله تعالى عليهم ظالما مثلهم.

وفي تفسير القرطبي عند هذه الآية عن ابن عباس قال: إذا رضي الله عن قوم ولي أمرهم خيارهم، وإذا سخط الله على قوم ولي أمرهم شرارهم، وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: { من أعان ظالما سلطه الله عليه} . جاء عن عمله .

فمثلاً في عهد الدولة الأموية وبعد فترة ظلم وقهر سياسي واجتماعي على يد أمراء وبعض خلفاء هذه الدولة ؛ جاء بعدهم عمر بن عبد العزيز الذي حكم المسلمين بكتاب الله وساد العدل به لمدة 30 شهرًا فقط , ثم جاء بعده خلفاء وملوك وسلاطين عادلون وطغاة فهل مثلا بهذه الفترة انصلح حال الناس فجأة وظلموا أنفسهم مرة أخرى فجأة؟!

وروى : البيهقي عن كعب قال إن لكل زمان ملكًا يبعثه الله على نحو قلوب أهله ؛ فإذا أراد صلحهم بعث عليهم مصلحا ، وإذا أراد هلكهم بعث عليهم مترفيهم.

قال الطرطوشي في سراج الملوك، في كما تكونوا يولى عليكم :

لم أزل أسمع الناس يقولون : ” أعمالكم عمالكم كما تكونوا يولى عليكم إلى أن ظفرت بهذا المعنى في القرآن قوله تعالى : { وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون } وكان يقال ما أنكرت من زمانك

فإنما أفسده عليك عملك .

وقال عبد الملك : بن مروان مخاطبًا الرعية الساخطة ’’ ما أنصفتمونا يا معشر الرعية ، تريدونا منا سيرة أبي بكر وعمر تسيرون فينا بسيرة أنفسكم؟!

ولو نظرنا إلى الأمم المتقدمة التي أطاحت بنظام الحكم الجبري- حكم المتغلب أو الوراثي وألغت مبدأ التفويض الإلهي في الحكم والحاكم ،وأقامت نظامها الخاص الذي ارتضته وفرضته ( الحكم الديمقراطي ) الذي يقابله في النظام السياسي الإسلامي النظام ( الشوري ) .

إن اختيار الامة لمن يحكمها أو يلي أمرها وفقد الإرادة الحرة وفق البيعة الشرعية في الإسلام أو العقد الاجتماعي وفق الحضارة الغربية المعاصرة ،وهما يلتقيان في أصلهما القائم على الإرادة الحرة من غير إكراه أو جبر .

وقد بينت نتائج اختيارات هذه الشعوب لحكامها عبر الانتخاب، انتخابات حرة تفرز ممثلين وحكامًا تعبر عن إرادتها وعن قناعاتها وثقافتها وتصوراتها ومرجعتيها التي تؤمن بها وتريدها ان تسود وتتعزز في مجتمعها .

إن مبداء ,, كما تكونوا يولى عليك ,, تجسيد لإرادة واختيارات الأمة التي تحتار من يمثلها الذي هو بطبيعة الحال منها ويمثل إرادتها ويجسد واقعها ،ويلبي رغبتها التي هي عليها فهي على ما عليه من قيم وأخلاق وافكر سوف تولي عليها واحد منها فيكون على ماهي كائنة عليه .

(المصدر: رسالة بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى