مقالاتمقالات مختارة

كورونا ومشكلة الفتوى بشأن الأحق بالعلاج عند التزاحم

كورونا ومشكلة الفتوى بشأن الأحق بالعلاج عند التزاحم

بقلم معتز الخطيب

سُئل أحد المشايخ المشتغلين بمقاصد الشريعة عمن له الأولوية في العلاج من مصابي فيروس كورونا، إذا تَزاحم المرضى ولم تتوفر المعدات اللازمة للجميع؛ فاكتفى بالقول: يقدَّم الأَسبق فالأسبق منهم مخافة فتح “باب التلاعبات والأمزجة”.

أما المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث فقد أجاب -في اجتماعه الأخير- بأنه “يجب على الأطباء المسلمين الالتزام بالنظم واللوائح الطبية في المشافي التي يعملون بها. فإن وُكِل الأمر إليهم: عليهم أن يحكّموا المعايير الطبيّة والأخلاقيّة والإنسانيّة. ولا يجوز نزع الأجهزة عن مريض يعالج بها لصالح مريض جاء بعده. أمّا إذا كان الطبيب حائرًا بين مريضين بحيث لَم يَعد له مجال إلا لاختيار أحدهما فيقدّم الأسبق؛ إلّا إن كان ميؤوسًا من شفائه، و[يقدم] من يحتاج إلى الإسعاف الطبي العاجل على من تسمح حالته بالتأخر، ومن يُرجى شفاؤه على من لا يُرجى، وذلك بغلبة الظن والتقدير الطبي”.

تعكس هاتان الإجابتان طريقة تفكير مفتي اليوم في القضايا المعقدة وشديدة الحساسية، حيث يميل بعضهم إلى الإجابات العامة أو الحلول السهلة والتقنية، ويَحسم في قضايا معقدة تحتاج إلى بحث ونقاش معمق ومفصّل يليق بالقضية نفسها، ويفي بجدية علميْ الفقه والأخلاق الإسلاميين بعيدًا عن مثل هذه الإجابات العجلى والقاصرة؛ لأنها تتعلق بالأرواح من جهة، وبتعقيدات العلاقة بالدولة ومؤسساتها، وعلاقة أفراد المجتمع بعضهم ببعض، وبتخصصات وتفاصيل قد لا يُلِمّ بها المفتي نفسه ومن ثم فعليه بحثها والاستشارة فيها.

وسأعالج في هذا المقال مشكلة المفتي في هذا الموضوع، على أن أخصص مقالاً قادمًا لبيان كيف يمكن صياغة موقف إسلامي بهذا الشأن.

“موضوع الأحقية في العلاج عند التزاحم لا يخضع لفتوى مفتٍ فقط؛ لأننا لا نتحدث عن تصرف أو خيارات فردية يحسم فيها المفتي، بل عن موضوع يجب أن ينبني على سياسة عامة منظمة للدولة تنفذها المستشفيات؛ حتى لا تكون المسألة خاضعة لاختيار كل مستشفى أو طبيب، ومن ثم فسيكون باب التلاعب أو التقدير الشخصي واسعًا هنا”

تفتقر الإجابة الأولى إلى تصور صحيح للموضوع وتعقيداته التي تتصل بحقول علمية أخرى: كالصحة العامة والأخلاقيات الطبية، فضلاً عن قواعد الموازنة في الفقه الإسلامي التي تغيب هنا. فالأسبقية هنا لا تتضمن قيمة معيارية؛ لأن المفتي بها يخلط بين الأسبقية التنافسية في فعل الخيرات، حيث العامل الزمني له قيمته في المفاضلة بين الأفراد، وبين الأسبقية في وصول مريضٍ إلى المستشفى وهي مسألة إجرائية عارية عن القيمة.

ولو اتبعنا الأسبقية مطلقًا فمعنى هذا أن المسائل القدَرية ستكون هي الحاسمة وحدها؛ وسيحالف الحظّ من يعيشون قرب المستشفيات على خلاف من يعيشون بمنأى عنها في الأطراف والقرى؛ أي أن سد ذريعة التلاعب التي تشكل الهاجس الوحيد لهذا المفتي جعلته ينحاز -دون وعي- ضد الفقراء وسكان الأطراف، لأن المستشفيات لا تتوزع في كامل جغرافيا كل دولة؛ ثم ماذا لو جاؤوا معًا؟ ما القيمة التي نسعى للمحافظة عليها هنا؟

وحين يقرر المجلس الأوروبي أنه لا يجوز نزع جهاز التنفس عن شخص لأجل شخص جاء بعده، يعود إلى معيار الأسبقية نفسه؛ ولكن ماذا لو كان هذا المريض لن يستغني عن الجهاز لمدة طويلة مع وجود الحاجة إليه؟ ماذا لو كان المريض الذي على الجهاز ميؤوسًا من علاجه ولن يستغني عن الجهاز مطلقًا؟ وهل نزع الجهاز في هذه الحالة يعتبر قتلاً أو لا؟ ماذا لو كان نزع الجهاز في هذه الحالة سيؤدي إلى إنقاذ عدد من المرضى مقابل شخص واحد؟ هل هناك فرق بين من تكفل بدفع تكاليف الجهاز نفسه ومن يتلقى العلاج مجانًا؟

أسئلة كثيرة تُظهر مدى ارتجال المجلس في البت في قضايا لم يستوفِ بحثها، ولا استعان فيها بأهل الاختصاص في حقل الأخلاقيات الطبية، ولا رجع فيها إلى قواعد الفقه والترجيح والموازنة بين المصالح.

الإشكال الآخر أن هذا الموضوع لا يخضع لفتوى مفتٍ فقط؛ لأننا لا نتحدث عن تصرف أو خيارات فردية يحسم فيها المفتي، بل عن موضوع يجب أن ينبني على سياسة عامة منظمة للدولة تنفذها المستشفيات؛ حتى لا تكون المسألة خاضعة لاختيار كل مستشفى أو طبيب، ومن ثم فسيكون باب التلاعب أو التقدير الشخصي واسعًا هنا.

استحضرتْ فتوى مجلس الإفتاء الأوروبي البعد التنظيمي، ولذلك بدأت بإرشاد الطبيب إلى اتباع التعليمات واللوائح المتبعة في المستشفى الذي يعمل فيه، ولكن هاجسها -فيما يبدو- السعي لتقديم معيار الاندماج في الواقع الأوروبي على غيره، وهي تَصدر عن فكرة غامضة عن موضوع الفتوى؛ لأنها تفترض أن هناك لوائح وتشريعات مستقرة، وتختزل الأمر بلوائح كل مستشفى التي تشكل وحدها المرجعية للطبيب.

فإن لم توجد لوائح يحيل المجلسُ الطبيبَ إلى مبادئ طبية وإنسانية عامة؛ دون أن يعي أنه ليس ثمة مبادئ متفق عليها في هذا الشأن؛ وأننا أمام حالة تتعارض فيها جملة مبادئ، وأن المبادئ دومًا كلية، أما تطبيقاتها فتخضع لاجتهادات وتقويمات مختلفة، بحسب تعقيدات الواقع والمساحة المتاحة لاجتهاد الذي يقوم بتنزيل تلك المبادئ على الحالات؛ وهذا يعني أن المجلس الأوروبي يحيل الأمر إلى اجتهاد الطبيب نفسه، لأن المجلس يتعامل مع المسألة إجرائيًّا لا قيميًّا.

ثم إن هذه المسألة ليست من اختصاص المستشفى أو الطبيب؛ بل ترجع إلى حقل الأخلاقيات الطبية؛ لأننا أمام مسألة معيارية وليست إجرائية أو تنظيمية، كما أن لها أبعادًا قانونية أيضًا، فجانبها الأخلاقي لا يتصل فقط بتحديد من هو الأحق، بل يتصل بضمان تنفيذ المعايير والتوجيهات بشكل أخلاقي وعادل؛ لتجنب اتخاذ قرارات وتفضيلات فردية (من الطبيب) أو إدارية (من المستشفى)؛ أي يجب أن يناط القرار بجهة أخرى غير الطبيب وإدارة المستشفى، وبتوجيهات سلطة أعلى؛ ما دمنا نتحدث عن صيانة الأرواح.

يعيدنا المجلس مجددًا إلى معيار “الأسبقية” في حالة وقوع حيرة من الطبيب، من دون توضيح أسس ومعايير الترجيح، ولا سبب الحيرة، وهل تساوى المرضى من كل وجه حتى يُلجَأ إلى الأسبق منهم؟ وهل الأسبقية نفسها معيار قيمي؟

ولو عدنا إلى أصل جواب المجلس -وهو “اتباع اللوائح”- فإننا لا نجد -حتى الآن- قواعد ومبادئ متفقًا عليها في هذه الحالة، بحيث يجري الامتثال لها في المستشفيات؛ فنحن نتحدث عن حالة طارئة شكّلت معضلة من أعقد المعضلات الأخلاقية اليوم، سواء لجهة تطور التقنيات الحديثة أم لجهة تقدم النقاشات الأخلاقية وخطابات حقوق الإنسان؛ إذ إنها تردنا إلى خيارات تبدو بدائية وتنتمي إلى إمكانات الأزمنة ما قبل الحديثة.

ففي إيطاليا مثلاً؛ اعتُمد معيار السن بإعطاء الأولوية للشباب، وفي ألمانيا تم رفض المفاضلة بين المرضى على أساس العمر والحالة الاجتماعية. ولكن إن انعدمت الخيارات ولم يبق إلا خيار الاختيار -الذي هو “شرّ لا بد منه” لعدم كفاية الأجهزة وكثرة المرضى الذين هم بحاجة إلى عناية مركزة- فإن الوثيقة الألمانية تقدم هنا ثلاثة شروط للتوقف عن تقديم العلاج الفائق أو المركّز، وهي: أن يدخل المريض فعليًّا في مرحلة الموت، وأن يكون ميؤوسًا من علاجه، وأن يكون البقاء على قيد الحياة لا يمكن ضمانه إلا بالبقاء في العناية المركزة. ويتم تقييم حالة المريض وفق معايير خمسة حددتها تتصل بطبيعة الخطر الذي يهدده، وهي: درجة الوعي، وفقدان الدم، ودرجة الحرارة، ومدة المرض، وحجم الألم.

“هذه المسألة ليست من اختصاص المستشفى أو الطبيب؛ بل ترجع إلى حقل الأخلاقيات الطبية؛ لأننا أمام مسألة معيارية وليست إجرائية أو تنظيمية، كما أن لها أبعادًا قانونية أيضًا، فجانبها الأخلاقي لا يتصل فقط بتحديد من هو الأحق، بل يتصل بضمان تنفيذ المعايير والتوجيهات بشكل أخلاقي وعادل؛ لتجنب اتخاذ قرارات وتفضيلات فردية (من الطبيب) أو إدارية (من المستشفى)؛ أي يجب أن يناط القرار بجهة أخرى غير الطبيب وإدارة المستشفى”

وقد أشارت شيري فينك -في مقال لها نشرته “نيويورك تايمز”- إلى أن الحكومة الفدرالية الأميركية لم تقدم -حتى الآن- مبادئ توجيهية للتقنين في ظل تفشي الفيروس، في حين أن النقاش يدور بين مسؤولين من مختلف الولايات والجمعيات الطبيّة والمستشفيات حول خططهم الخاصة، أي أن المجال سيكون مفتوحًا على قرارات مختلفة جدًا بهذا الشأن.

وقد شهدت بعض الولايات الأميركية -التي انتشر فيها الفيروس كألاباما ويوتا وتينيسي- اقتراحًا مفاده تَرك أشخاص معينين من دون جهاز تنفس صناعي؛ عند عدم توفر ما يفي بحاجة جميع المرضى، وتشمل قائمة المتروكين مرضى الشلل الدماغي، والتوحد، والخرف المتقدم.

الإشكال الثالث أنه غاب عن هذه الفتاوى أن النقاش يدور حول “حالة طوارئ”، وهي ليست حالة مستقرة أو ثابتة؛ فانتشار الوباء يحدث بصورة مفاجئة ومفتوحة على متغيرات يومية كما نشاهد في فيروس كورونا، مما يعني أنه يمكن الحديث هنا عن إعادة تقييم مستوى توفر الأجهزة الطبية المتاحة بشكل يومي؛ لتقييد اللجوء إلى خيار حرمان بعض المرضى من الرعاية الواجبة قدر الإمكان وبناءً على حسابات دقيقة. ولو ناقشتْ الفتاوى السابقة القيم وكيفيات تنزيلها والمفاضلة بينها لأفسحت مجالاً لهذه الجزئية؛ بدل الحديث عن توجيهات عامة غير منضبطة.

الإشكال الرابع أنه غاب الإطار النظري عن الفتاوى السابقة، كما غاب وضع المعايير المنضبطة التي يتطلبها تقويم حالة تطبيقية محددة؛ فالمفتي يتحمل جزئيًّا مسؤولية تطبيقات فتواه، وهو أمرٌ يختلف عن مناقشة مسألة مجردة أو كلية في حقل الأخلاق النظرية.

ونعني بالإطار النظري هنا مناقشة القيم الحاكمة لهذا الموضوع وطرق المفاضلة بينها، وتقديم التعليلات اللازمة أخلاقيًّا وفقهيًّا، وهذا الإطار ضروري لتقويم الحالات التطبيقية بحيث يتم تنزيله عليها وبناء التعليلات اللازمة التي تجعله أخلاقيًّا أو غير أخلاقي، وعدم الاكتفاء بالعبارات العامة والمبهمة مثل (يجب ولا يجوز)؛ لأن هؤلاء المفتين ليسوا شارعين، وليست أقوالهم بذاتها سلطة معيارية؛ بل حججهم وتعليلاتهم هي التي تكتسب صفة الحجية والمعيارية أو لا تكتسبها، وهذه نقطة منهجية ستكون صعبة على المولعين بشخصنة الأقوال والفتاوى.

كان يمكن للمفتي أن يصوغ موقفًا أكثر جدية لو حدد القيم المركزية التي تتم الموازنة بينها هنا، وهي: حفظ الحياة، والعدل والمساواة؛ لأن التَخَيُّر بين المرضى سيُخلّ بهذا، ومن ثم سيلجأ إلى استفراغ الوسع لتحقيق أعلى المصالح لأكبر قدر ممكن من الناس، ثم ضمان تنفيذ ذلك بإنصاف وشفافية، ثم يتم النقاش بعد ذلك فيما إن كان هذا المعيار أو ذاك هو الأصلح لتحقيق هذه القيمة.

وسيكون التقويم والاستدراك ممكنًا لاحقًا بحسب مسار التطبيقات وما ستكشفه من معلومات جديدة؛ لأن القيمة حاضرة وهي المعيار لا الشخص ولا الحكم (يجوز أو لا يجوز)، وهذا داخلٌ في معنى “سددوا وقاربوا”، وهي عملية أخلاقية مستمرة تتوخى تحقيق قيمة التسديد وقيمة الاقتراب قدر الإمكان من السداد؛ إن لم يمكن تحقيقه كاملاً.

من المهم هنا أيضًا القول إن مناقشة قيمة الحياة تتضمن التمييز بين إنقاذ الحياة نفسها وإطالة أمد الحياة لمدة متوقعة، والمفاضلة بين ما إن كانت الحياة بذاتها قيمة، أو أن القيمة ثابتة لنوعية الحياة؛ وهذا نقاش سيأخذنا إلى مسالك عويصة، لعل أقربها: من يحدد نوعية الحياة التي تستحق الاحترام؟ وكيف يتم تحديدها؟

وعلى هذا يتنزل النقاش المشار إليه سابقًا بخصوص تأخير مرضى الشلل والتوحد والخرف وتقديم غيرهم؛ لأن هذا الاقتراح يتبنى تقدير نوعية الحياة لا الحياة نفسها. وفي المقابل؛ لا شك أن المدافعين عن حقوق المعوقين سينحازون إلى هذه الفئة، لأنها فئة مستضعفين يحتاجون إلى عناية زائدة.

انشغل المفتي هنا بمسألة جزئية وهي: “مَن الأحق بالتقديم في العلاج؟”، ولكن غاب عنه أن الحديث يدور حول “العناية المركزة” فقط؛ لقلة عدد الأجهزة أو الأسرّة، ولكن لا يعني هذا إهمال هؤلاء المرضى كليًّا؛ بل يجب تقديم أشكال أخرى من الرعاية الممكنة، حتى لأولئك الميؤوس منهم أو المشرفين على الهلاك، وهو موضوع حديث بدأ يلقى اهتمامًا ويسمى الرعاية التلطيفية (Palliative care)، والمفتي مِن أَولى الناس بالحديث عن هذا النوع من الرعاية.

كان الخيار الأول للمجلس الأوروبي هو اتباع لوائح وتعليمات المستشفى؛ رغم أن وظيفته ليست إرشاد الناس إلى الواجب عليهم قانونًا أو مهنيًّا (نسميه واجبًا صناعيًّا)، بل بيان الواجب الديني والأخلاقي في هذا الخصوص؛ لأن مبناه على تحديد إرادة الشارع التي يترتب عليها الإثم والثواب، لا التمحور فقط حول اتباع القوانين واللوائح الإدارية التي تدور على الأمان من العقوبة، أو المحافظة على الوظيفة داخل المستشفى بعدم مخالفة لوائحه.

“من المهم هنا أيضًا القول إن مناقشة قيمة الحياة تتضمن التمييز بين إنقاذ الحياة نفسها وإطالة أمد الحياة لمدة متوقعة، والمفاضلة بين ما إن كانت الحياة بذاتها قيمة، أو أن القيمة ثابتة لنوعية الحياة؛ وهذا نقاش سيأخذنا إلى مسالك عويصة، لعل أقربها: من يحدد نوعية الحياة التي تستحق الاحترام؟ وكيف يتم تحديدها؟”

وليس معنى هذا إهمال الواقع والقوانين واللوائح بل نقد النظر الأحادي بهذه الصورة، خصوصًا في هذه الحالة التي يكتنفها غموض واختلاف كما سبق، من دون أن يعني ذلك أن الفصل بين القانوني والأخلاقي هو فصل تامّ، بل قد يتداخلان وقد يفترقان.

ويمكن الإشارة هنا إلى نموذجين مهمين في معالجة هذه المسألة، كان يمكن للمجلس الأوروبي أن يستأنس بهما على الأقل؛ النموذج الأول هو التوجيهات التي أصدرتها الجمعية الطبية البريطانية (British Medical Association) حين حثت الأطباء -في حالة شحّ الموارد- على مراعاة ثلاثة معايير: 1. شدة المرض الحاد؛ 2. وجود أمراض مصاحبة (co-morbidity)؛ 3. الهشاشة الناتجة عن التقدم في السن. ولكنها -في الوقت نفسه- أوضحت أن مجرد الإصابة بكورونا لا تقتضي أولوية العلاج على الأمراض الخطِرة الأخرى.

والنموذج الثاني الأهم هنا هو المقال الذي نشرته إحدى أهم المجلات العلمية المرموقة في العالم وهي مجلة (The New England Journal of Medicine)؛ ورغم أنه يتألف من بضع صفحات فإنه شارك في كتابته عشرة أساتذة متخصصين من جامعات مختلفة، والمقارنة بين هذا المقال والجواب الذي افتتحت به مقالي هنا تشي بالكثير!

تحدث المقال عن أربع قيم أساسية حاكمة هنا، وهي: تعظيم المصالح رغم نقص الأجهزة، ومعاملة الناس على قدم المساواة، وتقدير الأجهزة المتاحة وأنها قيّمة، ومن ثم يجب استخدامها بشكل أخلاقيّ أيضًا، وإعطاء الأولوية لمن هو أسوأ حالاً. ولم يُغفل واجب الدولة في وضع سياسة رشيدة لتأمين الأجهزة الكافية لحالات الطوارئ.

وأخيرًا؛ فإن الالتزام بالتعليمات الوقائية كالعزل الاجتماعي الطوعي والحجر الصحي وغسل اليدين وغيرها، وإن لم تظهر فائدتها القطعية في العصمة من الفيروس؛ لها فائدة أخرى تتصل بهذا النقاش، وهي أنها تُكسِب مزيدًا من الوقت لتجنب الوصول إلى حالة الطوارئ هذه التي نواجه فيها خيارات صعبة بسبب نقص الأجهزة، ومن ثم تضييق الفجوة بين الحاجة الطبية والعلاج المتاح.

(المصدر: الجزيرة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى