مقالاتمقالات مختارة

كورونا “كوفيد 19” والصحوة الدينيَّة

بقلم أويس فاكهاني

في ظل “كوفيد 19” ومع انتشار الجائحة عالميًّا؛ سيطر الخوفُ والقلق على حياتنا اليومية. ثُمَّ أُغلقت البلدان والمدارس وانحسرت الحياة الاجتماعية، وفقد الكثيرون أحبَّاءهم قبل أن يتمكنوا من توديعهم.

وبغضِّ النظر عن شتَّى اختلافاتنا في الحياة أظهَرَ الجميع تعاطفًا وتماسكًا شديدَيْنِ تُجاه تلك الجائحة. لهذا السبب أعتقد أنه -حتى في ظلّ هذه الظروف غير المسبوقة-، يمكن أن يكون “كوفيد 19” وسيلةً للصَّحوة الفكريَّة والرُّوحيَّة. وفيما يلي بعض النقاط الرئيسية التي يجب التمعُّنُ بها.

اتِّكالنا على الله

(یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلۡفُقَرَاۤءُ إِلَى ٱللَّهِۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡغَنِیُّ ٱلۡحَمِیدُ) (سورة فاطر 15). لا بُدَّ أن نكون صرحاء مع أنفسنا كفايةً حتى نتدبَّر تلك الحقائق التي كشفتها لنا الجائحة. لقد جعلنا “كوفيد 19” ندرك أنَّنا لا يمكن أنْ نحيا بمعزل عن الآخرين. وكشف أنَّ وجودنا وقدرتنا على الإنتاج تعتمدُ على عدد لا حصر له من الأمور؛ تلك الأمور التي ليس لدينا سلطان عليها.

ومن هنا تتضح حقيقة: أنه لا يمكننا الاستمرار وحيدِيْنَ؛ فكما كنا في حاجة إلى والدَيْنا بعد مجيئنا إلى الحياة، كذلك تظلُّ حاجتُنا قائمةً إلى كلّ محيطنا الذي نعيش فيه: من نظام صحة عامة، ومستشفيات، وأطباء، ومزارعين، وحيوانات، ونباتات، وأسرة، وأصدقاء، وأكسجين، وماء، وطعام، والقائمة لا حصر لها. علمًا بأنَّ كل هذه الأشياء تعتمد في النهاية على “الله”.

منذ أنْ خلقنا الله -عزَّ وجلَّ- وكل الأشياء تعتمد عليه فقط. وإنْ كُنا لسنا بمعزل عن الآخرين، وفي احتياج دائم إليهم؛ فإنَّنا جميعًا نتَّكل نهايةً على مَن بيده الأمر كله. حتى لو توهم البعض خلاف ذلك. قال تعالى: (كَلَّاۤ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَیَطۡغَىٰۤ أَن رَّءَاهُ ٱسۡتَغۡنَىٰۤ) (العلق 6 – 7).

وفي غضون الفترة الفائتة، انقلب العالَم كلُّه رأسًا على عقب بسبب فيروس صغير، لا يكاد يُرى بالعين المجردة. انتشر في البلاد بلمح البصر، وبدأ الناس يتساقطون أرضًا على حين غرة، وانهِكت المشافي من المرضى، ووقع الأطباء في حالة فوضى يُرثى لها، وطُلب من السُّكان الالتزامُ ببيوتهم، وأُغلقت البلاد. كل هذه الظروف أدَّت إلى انهيار الاقتصاد وسيطرة الخوف والقلق على الجو العام. وفي ظلِّ هذه الظروف العاصفة لمْ تُفِدْ أموالُ العالَم كلُّها أو سطوته في إعادة الأمور إلى نصابها. ومن هنا يجب أن يتعلَّم المُتغطرسون درسًا مهمًا؛ ألا وهو التواضع.

(وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَاۤ إِلَىٰۤ أُمَمࣲ مِّن قَبۡلِكَ فَأَخَذۡنَـٰهُم بِٱلۡبَأۡسَاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ لَعَلَّهُمۡ یَتَضَرَّعُونَ) (الأنعام 42)، (وَلِكُلِّ أُمَّةࣲ جَعَلۡنَا مَنسَكࣰا لِّیَذۡكُرُوا۟ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِیمَةِ ٱلۡأَنۡعَـٰمِۗ فَإِلَـٰهُكُمۡ إِلَـٰهࣱ وَاحِدࣱ فَلَهُۥۤ أَسۡلِمُوا۟ وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِینَ) (الحج 34). المخبتين أي المتواضعين.

فهذا الغرور الذي تمتلئ به نفوس البشر، هو أحد أكبر الأسباب التي تمنع عنَّا الرحمة والهدى الإلهيَّيْن. يوضح “القرآن الكريم” هذه النقطة: (وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ وَكَذَّبَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ فَسَنُیَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ وَمَا یُغۡنِی عَنۡهُ مَالُهُۥۤ إِذَا تَرَدَّىٰۤ إِنَّ عَلَیۡنَا لَلۡهُدَىٰ) (الليل 8 – 12).

“كوفيد 19” وإشارات الله -عزَّ وجلَّ- لنا

كوفيد 19

على الرغم من إمكانية رؤية فيروس “كوفيد 19” بالمِجهَر، إلا أنَّ ​الكثير منا لم يشاهده بشكل مباشر؛ بل اعتمدنا في ذلك على الأبحاث العلمية والصور وما يخبرنا به العلماء. ورغم عدم رؤيتنا له؛ فإننا نلحظ آثار الفيروس ونشعر بها، ومن خلال ذلك نستنتج وجود فيروس “كوفيد 19”. وبنفس تلك القدرة التي جعلتنا ندرك وجود الفيروس، يُمكِننا إدراك وجود الله -عزَّ وجلَّ-. ليس فقط بالاعتماد على الفطرة، بل باستشعار آثار قدرته.

فنحن نحيا في هذا الكون الساحر المُتسع؛ الذي يحتوي على بلايين النجوم والمجرَّات والكواكب، وبه أكثر من 6000 لغة، وأكثر من ثمانية ملايين نوع. وفيه نستطيع أنْ نمارسَ كلَّ مشاعرنا، وفِعلَ الاكتشاف، ونستشعر بطبيعتنا ثُنائيَّة الخطأ والصواب. كما أنَّ العِلم الحديث أعلَمَنا أنَّ اختلاف أيّ مقدار من مقادير الكون سيؤدي إلى هلاكه. كل هذه إشارات على وجود الله وعظمته.

يقول القرآن: (إِنَّ فِی خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَـٰفِ ٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلۡفُلۡكِ ٱلَّتِی تَجۡرِی فِی ٱلۡبَحۡرِ بِمَا یَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مِن مَّاۤءࣲ فَأَحۡیَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَبَثَّ فِیهَا مِن كُلِّ دَاۤبَّةࣲ وَتَصۡرِیفِ ٱلرِّیَـٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلۡمُسَخَّرِ بَیۡنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَعۡقِلُونَ) (البقرة 164).

الموت وسؤال الحياة والموت

“كوفيد 19” يومًا بعد يوم يُسبب تفاقُم عدد الوفيات. ورغم ازدياد الخوف والقلق بين الناس لكنْ من وجهة أخرى أعطانا الوباء فرصةً لمراجعة حياتنا من جديد، والتأمُّل في قضيَّة الحياة والموت. إنَّ التفكير في حقيقة الموت يهرب منه غالب البشر؛ لأنه يذكِّرهم دومًا بفنائهم.

من طبيعة البشر النسيان، نسيان أن هذه الدنيا فانية، وأن وجودنا في هذه الحياة له هدف عظيم؛ ألا وهو إعمار الأرض، وترك أثر صالح يعود علينا بالخير بعد الممات. لكن معظم البشر يسعون خلف الدنيا وكأنها دائمة. فجاء “كوفيد 19” وأيقظ أدمغتهم النائمة حول حقيقة الموت المؤلمة. قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلَّا مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ) (آل عمران 185).

إن النظر إلى الحياة من خلال عدسة الموت يساعدنا في فهم سبب وجودنا على هذا الكوكب. ماذا يجب أن نفعل هنا؟ وإلى أين نحن ذاهبون؟ يمكن أن يكون الموت هو السبب وراء تولُّد هذه الأسئلة الحرجة؛ فمعرفتُنا أن هذه الحياة لها نهاية، وأننا في يوم من الأيام سنغادرها يضع كل الأمور في نصابها.

نحن مخلوقات تنقاد وراء أهدافها -من أبسط الأمور لأكثرها تعقيدًا-، لكن ظهرت فئة في المجتمع تخاف فكرة الموت؛ فرفضت حقيقة أنَّ لحياتنا غرضًا ثمينًا يجب أن نؤديه قبل رحيلنا، وبثَّت فكرة “عِشْ حياتك واستمتع بكل شيء تريده؛ فليس هناك سوى حياة واحدة لتعيشها”. ومثل هذه الأفكار تشجع المجتمع على الكسل والاستهتار، وتتسبب بجَرفِ الأجيال عن مسارها الصحيح. وفي النهاية علينا الاعتراف أن الحياة ليست مجرد لَعِب ولهو.

وهذا ما أكده الله في الإسلام؛ حيث رفع من قدر الإنسان حين أعطاه العقل والحرية لاختيار طريقه بعدما أوضح له الغاية من وجودنا على هذه الأرض حيث قال تعالى في كتابه الشريف: (رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا سُبۡحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ) (آل عمران 191).

إذن ما هو هدفنا الأساسي؟

كوفيد 19

سبق وحثَّ الإسلام على نشر المحبة بين الناس في الأرض، وإيثار الغير على أنفسنا، والعطف على الآخرين. لكنَّ الحياة تغري النفس البشرية، وتجعلها مطمئنةً أن يومها لم يأتِ بعدُ، وأن الوقت ما زال مُبكرًا لفعل الخير. لكنْ ما إنْ يفاجئنا الموت في أقرب الناس إلينا، حتى يجعلنا نشعر أن الحياة قصيرة، وأنَّ علينا اغتنام ما نملك من وقت وأحباب.

في مِحنة “كوفيد 19” ظهرتْ لنا جليَّةً “قضيةُ الألوهيَّة”؛ فحتى أولئك الأشخاص الذين لا يؤمنون بوجود إله قاموا بتقديس أمور أخرى أثناء هذه المحنة. فمن البَدَهِيّ أنك إذا كنت لا تعبد الله سوف ينتهي بك المطاف إلى عبادة “شيء ما”؛ تحبُّه وتُقدِّره وهو في الغالب أكثر الأشياء التي تعتمد عليها في كل أمور حياتك. وهذا هو لُبُّ العبادة.

فالمَعبودُ يمكن أن يكون أيَّ شيء: أيديولوجيَّة أو قائد أو فرد من أفراد الأسرة -مثلًا-، أو حتى نفس الإنسان. فليس مفهوم “المَعبود”: هو ما تسجد له، بل مفهومه هو ما تُوليه كلَّ اهتمامك، وتعتقد أنَّه سندُك الحقيقيّ. وكذا المُلحدون -الذين يُعتَقَدُ أنَّهم لا يعبدون شيئًا- في حقيقة الأمر يعبدون غطرستهم، واستنادهم إلى الماديَّة، وهواهم.

وفي ذلك عبَّر الله في الآيات التالية: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ) (البقرة 165)، (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) (الجاثية 23).

(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (الزمر 29). وفي هذه الآية يخبرنا الله أنَّه إذا لم نعبده؛ فسينتهي بنا المطاف إلى عبادة أمور أخرى تستعبدنا وتصبح سيِّدتَنا. التشبيه القرآني يُعلِمنا أنَّ دون الله لدينا العديدُ من “السادة”، وكلهم يريدون شيئًا منا. وجميعهم على خلافٍ مع بعضهم البعض، وينتهي بنا التصوُّرُ إلى حالة من البؤس والارتباك والتعاسة.

ورغم ذلك، فإن الله -الذي يعرف كل شيء، بما في ذلك أنفسنا، والذي هو أرحم من أي شخص آخر- يُخبرنا أنه سيِّدُنا، وأننا سنحرر أنفسنا حقًا من أغلال الأشياء التي نحبها حينما نعبده وحده.

إنَّ العبادة نزعة فطرية تمامًا؛ مثل حاجتنا إلى الأكل والشرب والتنفس. نحن مخلوقات جبلت على العبادة قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (سورة الذاريات 56).

إن حقيقة “الله” متجذرة في نفوسنا البشرية. وعندما أمرنا أنْ نعبده وحده، فأمرُهُ رحمةٌ ومحبةٌ منه لنا؛ لأن كل إنسان لديه فجوة في قلبه. هذه الفجوة ليستْ ماديَّةً، بل رُوحيَّة. نحاول دومًا ملأها لتحقيق سكينة رُوحيَّة. فنملأ هذه الفجوة -مثلًا- بوظيفة جديدة، أو عُطلة، أو منزل جديد، أو سيارة جديدة، أو هواية، أو سفر، أو أو… القائمة لا تنتهي.

مع ذلك، في كل مرة نملأ فيها قلوبنا بهذه الأشياء، تظهر لنا منها فجوة جديدة. نحن لا نشعر بالرضا حقًا حينها، بل بعد فترة قصيرة نبحث عن شيء آخر لملئِ تلك الفجوة الجديدة. لكنَّنا بمُجرد أنْ نملأ قلوبنا بمحبة الله، تصبح هذه الفجوة ممتلئةً دائمًا. وحينها نشعر بالسلام الداخلي ونعيش هدوءًا لا يمكن وصفه بالكلمات.

فلماذا يستحق الله عبادتنا؟

فيما يلي إجابتانِ -من بين العديد من الإجابات-:

1- الله يستحق العبادة بحكم مَن هو:

أفضل طريقة لمعرفته هي سؤال: مَن هو الله؟ .. فالله هو الواحد الذي تحق له العبادة، ووجوده يولِّد هذه الحقيقة الضرورية “عبادتنا إيَّاه”. ويسلط “القرآن” الضوء مرارًا وتكرارًا على هذه الحقيقة المركزيَّة. قال تعالى: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) (طه 14).

الله يتصف بالكمال إلى أقصى حد. فله جميع الأسماء والصفات المثالية التي تجعل منه إلهًا يستحق العبادة. على سبيل المثال يُوصف الله بأنه “الودود” أيْ المُحبّ، وهذا يعني أنَّ حبه هو أعظم وأكمل محبةً على الإطلاق. يجب أن يُعبد الله بسبب هذه الأسماء والصفات.

في حين أنَّنا نثني على الناس لقدراتهم العقلية والجسدية وطباعهم الحميدة؛ فلماذا لا نثني على صفات الله التي لا تشوبها شائبة؟! .. فهو الرحمن الرحيم الوهاب الرزاق اللطيف الغفور الشكور المجيب. ونحن نُثني على البشر وفي المقابل لا نكسب من الثناء عليهم شيئًا؛ بينما ثناء الله في نفسه شكل من أشكال العبادة (التسبيح)، التي تعود علينا بالنفع الكبير.

خلقنا الله وأنزلنا على الأرض وأعطانا سلاحًا ناجعًا كي نواجه به مصاعب الحياة؛ ألا وهو “الدعاء”. للدعاء قوة كبيرة من الممكن أن تغير أقدار البشر. لكنَّ البعض يُخطئ حين يتوجَّه لله ويتضرع له، ثمَّ لا يلقى استجابةً فيتوقف عن الدعاء! .. والحقيقة أنَّ الله أعلم بما هو خير لنا، ومن رحمته فينا أن يبعد عنا كل ما يؤذينا ويبدله ما هو خير لنا. إله كهذا ألا يستحق العبادة؟

وهنا ننوِّه أن عبادة الله ليست نوعًا من العلاقة التبادليَّة؛ أيْ أنَّه يعطينا الحياة فنقوم بعبادته مقابلها. إنَّ نِعم الله علينا لا تعد ولا تحصى؛ فهو يوزع الأرزاق على العباد توزيعَ ابتلاء ومكافأة: منهم مَن فضَّله بالعقل والجسد، ومنهم مَن أعطاه الجمال، ومنهم مَنْ مَنَّ عليه بالمال. لكنَّ الدنيا -في الأخير- دار امتحان؛ فقد أعطانا هذه النِّعَم ليرى كيف سنستعملها؛ بالخير أمْ بالشر ومن خلال الطريق التي نسلكها تكون هذه النِّعم إمَّا ابتلاءً أو مكافأةً لحسن تصرفنا. قال تعالى: (ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ،ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ،مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ) (الفاتحة 1).

2- خلق لنا كل شئ في هذه الأرض لخدمتنا:

(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة 29). يجب أن نكون دائمًا في حالة امتنان لله؛ لأنه يهبنا أكثر مِمَّا نطلب، ويغفر لنا أضعاف ما نعبده، ويرحم ضعفنا حين ننهار، ويجبر قلوبنا حين تنكسر.

يجب أن يكون هذا الوباء تذكيرًا بكل النِّعم التي يجب أن نكون مُمتنِّين لها -في حين نتعاطاها كأمرٍ مُسلَّمٍ به-. كل شيء نستخدمه في حياتنا اليومية، وكل الأشياء الأساسية التي نحتاجها للبقاء على قيد الحياة، يرجع الفضل فيها إلى الله. فهو مالك وسيد كل شيء؛ بما في ذلك نحن والأشياء التي سخرها لنا. ولأن الله سيدنا، يجب علينا عبادتُه. وإنكار هذا المبدأ ليس رفضًا للواقع فحسب، بل هو ذروة الجحود والغطرسة وعدم الشكر. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ) (سورة فاطر 3).

أوقفوا الفساد والظلم

كوفيد 19

هذا الوباء ليس حادثًا عشوائيًا؛ بل صنعتْه أفعالنا الفردية والجماعية، المسؤولة أيضًا عن كل ما يحدث على كوكبنا. يجب علينا أنْ ندرك أن فسادنا وظلمنا هو الذي ساهم في هذا الوباء. قال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم 41).

إنَّ حالة كوكبنا يُرثى لها؛ فمستويات التلوث تزعزع استقرار بيئتنا، وكثُرَتْ الحروب في كل مكان، وصار الملايين من البشر لاجئين فاقِدِيْ المَأوَىْ، وقُتل الملايين خلال الصراعات المستمرة، ويعاني الملايين مِنَّا من نقص الطعام.

في الأخير نحن مسؤولون بشكل جماعيّ عن تقاعُسنا في إيقاف الفساد، بعدما أدركنا صانعِيْه المُباشرين. علينا أن نتحمل المسؤولية، ونفهم أن هذا الوباء هو إشارة وعلامة إلهيَّة لإيقاف الظلم والفساد على الأرض. قال تعالى: (وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) (البقرة 205).

يجب أن ندرك أننا خلفاءُ الأرض. هذا يعني أننا مسؤولون عن الحفاظ على التوازن، وضمان النظام وعدم الإسراف. يجب أن نوقف الحروب، وقتل الأبرياء في كل مكان، وأن نلغي السياسات الاقتصادية الفاسدة، وأن ننتهي عن التبذير والجشع.

في ذلك يقول تعالى:

  • (هو الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (الأنعام 165).
  • (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (الأعراف 56).
  • (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف 31).
  • (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ) (الرحمن 8).

علينا أنْ نتبع أوامر الله -عزَّ وجلَّ- كي نستعيد المسار الصحيح؛ كي يعود الأمن والاستقرار لنا، كي ننعم بحياة أفضل. علينا أن نبدأ بتغيير أنفسنا الواحد تلو الآخر. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد 11).

ثِقْ بالخبراء .. ثِقْ بالنبيّ

أجبرنا هذا الوباء أنْ نثبِّتَ أنظارنا أمام شاشاتنا في انتظار توجيهات الخبراء (علماء الفيروسات، وعلماء الأوبئة، وغيرهم من أصحاب السلطة). نحن نثق بما يقولون، ونتبع تعليماتهم، برغم أن الكثيرين منا ليس لديه الخلفية الأكاديمية، ولا الخِبرة لتقييم تصريحاتهم. ونظرًا لطبيعتنا البشرية؛ لا يمكننا -ببساطة- معرفةُ كل شيء؛ فالاعتمادُ على شهادةِ الآخرين هو جزءٌ لا مفر منه وأساسي من الحياة.

وبما أننا يمكننا الوثوق بشهادة بعض الناس، وبما أنَّ المنطقيَّ أن تثق بالشخص الأكثر جدارةً بهذه الثقة؛ فماذا عن شهادة رجل أكثرَ مَوثوقيَّةً؟

لقد خرج النبي “محمد” -صلى الله عليه وسلم- بالنبوة منذ أكثر من 1400 عام. في رسالة بسيطة وعميقة: لا إله إلا الله، والنبي محمد هو آخر رسل الله.

ولاختبار صحة رسالته ونبوته، يمكننا فقط رؤية ثلاثة احتمالات رئيسية؛ أنَّه: كان كاذبًا، أو كان مخدوعًا أو موهومًا، أو كان يقول الحقيقة.

هل كان كاذبًا؟

يكشف تاريخ حياة النبي “محمد” -صلى الله عليه وسلم- المُسجَّل بدقة عن معلومات مهمة تُظهر لنا نزاهة شخصيته. وأهمُّها أنَّه لم يكُنْ كاذبًا. وأسباب ذلك كثيرة؛ فعلى سبيل المثال كان معروفًا -حتى من قِبَل أعداء رسالته- أنه جدير بالثقة، وقد لُقِّب بـ”الصادق الأمين”.

لقد قيَّدتْ رسالة النبي “محمد” سلطة المجتمع. فقد كان المجتمع المكيّ في القرن السابع قائمًا على التجارة. وكان قادة المجتمع يجتذبون التجار بالأصنام التي لديهم في “الكعبة” -التي بناها سيدنا إبراهيم كدار للعبادة-. ورغم بساطة رسالة النبي ﷺ، إلا أنَّها تحدَّتْ بشدة الشِّرك العربي في القرن السابع وانتقدته. فلماذا يصطدمُ “محمد” بمُجتمعه لو كان كاذبًا؟! فإنَّ الأشخاص الذين يمارسون الكذب يفعلونه إمَّا لردِّ الأذى عن أنفسهم وإمَّا للحصول على بعض الفوائد. فكيف تتناسب أفعال النبي “محمد” ﷺ مع ذلك عندما أخبرهم “محمد” ﷺ أنهم وأسلافهم (بما في ذلك أسلافه) كانوا ضالِّينَ وجاهلينَ؟!

في البداية سَخِرَ منه قادة ذلك المجتمع؛ مُعتقدين أن دعوته لن يكون لها تأثير. لكن عندما بدأ الناس -الواحد تلو الآخر- باتباعه أصابهم الخوف، وبدأوا في الإساءة للنبي ﷺ، جسديًّا ونفسيًّا. وإذا كان الكاذب عادةً ما يكذب لتحقيق مكاسب دنيوية؛ فالدليل على مصداقية الرسول موجود وحاضر؛ فقد تعرَّضَ للاضطهاد بسبب معتقداته، وقُوْطِعَ ونُفِيَ من مدينته الحبيبة “مكة”، وكان يتضوَّر جُوعًا، ورجمه الأطفال بالحجارة لدرجة أنَّ الدم غمر ساقيه. ثُمَّ تُوفِّيَتْ زوجُه وتعرَّضَ رفاقه المحبوبون للتعذيب والاضطهاد.

لقد عانى النبي “محمد” ﷺ أشدَّ المُعاناة بسبب رسالته، ورَفَضَ الثروات والسُّلطة التي عُرضت عليه للتوقف عن نشر رسالته. لقد كان ثابتًا في دعوته إلى وحدانية الله وعبادته.

هل كان مخدوعًا؟

(مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ) (النجم 2 – 3)

الادعاء أن النبي “محمدًا” ﷺ كان مخدوعًا أو موهومًا هو القول بأنه تم تضليله للاعتقاد أنه رسول الله. كان للنبي “محمد” ﷺ خلال حياته العديد من التجارب؛ التي لو كان مخدوعًا لكان قد استخدمها دليلًا لدعم أوهامه.

ومن الأمثلة على ذلك حادثة وفاة ابنه “إبراهيم”؛ حيث مات الصبي في سن مبكرة، وفي اليوم الذي مات فيه كان هناك كسوف للشمس. اعتقد كثير من العرب أن الله جعل الكسوف بسبب وفاة ابن نبيه. ولو كان النبي مخدوعًا، لكان قد استغل هذه الفرصة لتعزيز ادعائه. لكنه لم يفعل ورفض تأكيدات الناس. أجابهم الرسول على النحو الآتي: “الشمس والقمر لا يكسفان لموت أحد من الناس، لكنهما آيتان من آيات الله. عندما تراهما قُمْ وصلِّ”[1].

بدأت رسالة النبي “محمد” ﷺ واستمرت بدعوة واضحة لعبادة الخالق الواحد فقط، وتنبيه الناس إلى الخطأ في عبادة الأصنام التي صنعوها بأيديهم. في الواقع، يستمر الإسلام -حتى يومنا هذا- في تحسين حياة الناس بشكل كبير والتأثير عليها. ومن المثير للاهتمام، أنه حتى المؤرخين غير المسلمين[2] يعتبرون “محمدًا” ﷺ من أكثر الأشخاص تأثيرًا في كل العصور؛ لأن تعاليمه لا تقتصر فقط على المجال الروحي الشخصي، لكن يمكن تطبيقها على جميع أمورنا في الحياة، بما في ذلك الاقتصاد والحياة الأسرية والأنظمة القانونية والقواعد الغذائية والنظافة الشخصية.

والآن كيف ومن أين حصل رجل أميٌّ يعيش في الصحراء على هذه المعرفة والبصيرة؟! في الواقع، إذا كانت تعاليم “محمد” ﷺ نتاج ضلال أو وهم، فعلى أيّ أساس يمكننا أن نطلق على أيّ شخص آخر أنه عاقل؟ على سبيل المثال، كيف استطاع أن يؤثر على الناس لدرجة إقلاعهم النهائي عن الكحول. هذه مهمة هائلة حقًا؛ فقد كان العرب في ذلك الوقت يشربون الخمر بشراهة، بل إنهم كتبوا قصائد ملحمية في مدح الخمر.

كل هذا يطرح السؤال التالي: من أين أتى “محمد” بهذه الرؤية العميقة والحكمة والفهم للطبيعة البشرية؟ حتى الظواهر غير الطبيعية كان هو الوحيد القادر على تفسيرها.

كان يقول الحقيقة

(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) (الفتح 29).

نخلُصُ إلى أنَّ الاعتقاد بأنَه “رسول الله” الذي تلقَّى الإلهام والإرشاد من الخالق -وحده- يفسر كُلًّا من صدقه التامّ وتفانيه بغير هوادة في نقل رسالة التوحيد، فضلًا عن بصيرته العميقة في الطبيعة البشرية، والقدرة على الإرشاد الإيجابي، وتوجيه الناس من كل الأجناس والثقافات حتى اليوم. من خلال تعاليمه التي تشرح كُلًّا من الرؤى الاجتماعية والنفسية واللاهوتية والقانونية والتاريخية والمعرفية.

بالنظر إلى ما تمَّتْ مناقشته حتى الآن، فإن الاستنتاج الأكثر منطقيَّةً هو أنَّ النبي “محمد” كان يقول الحقيقة. في حين أنَّ رفض رسالته، سيكون من الناحية المنطقية مُعادِلًا لرفض رسالة الخبراء التي كنا نستمع إليها باهتمام خلال هذا الوباء.

“كوفيد 19” من الممكن أنْ يقودك إلى الجنة

كوفيد 19

خلقنا الله -عزَّ وجلَّ- لنعبده، وكي يُظهِرَ المؤمنُ من المنافق فينا يقوم باختبارنا. وهذا الوباء هو جزء من هذا الاختبار. والطريقة التي نتعامل بها في مثل هذه الأزمات هي التي تجعلنا نجتاز الاختبار بنجاح. فمن بيننا مَن يصبر لقضاء الله ويثابر على الدعاء، ومنا مَن يسخط ويغضب ويبتعد عن الله -عزَّ وجلَّ-. قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (الملك 2).

إن هذه الدنيا دار اختبار، ومن الطبيعي ألَّا نرغبَ بهذه الاختبارات. لكنْ لولاها كيف سنتعلم الصبر والاتكال على الحيّ الذي لا يموت ونرضى بقضائه وقدره؟! كيف سنتحلى بالصبر إذا لمْ نُختبر فيه؟! وكيف سنُنمي الشجاعة إذا لم تكن هناك مخاطر يجب مواجهتها؟! كيف سنمد يد العون للآخرين إن لم يكن هناك من يحتاج إليها؟! الحياة هي الاختبار الحقيقيّ الذي من شأنه إجابة هذه الأسئلة.

نحن بحاجة إلى هذه الابتلاءات لضمان نمُوّنا الأخلاقي والرُّوحي. نحن لسنا هنا للهو أو المتعة. خلال هذه الأوقات الصعبة، يجب أنْ نتحلى بالصبر والشجاعة، وأن نتكاتف مع المُصابين بالفيروس من خلال مساعدتهم بأية طريقة ممكنة.

وإنْ سألنا: لماذا الحياة اختبار؟ لأنها تُظهر أفضل ما في الإنسان، ولأنها ترغمنا على العودة إلى الله. والله يريد الجنة لعباده أجمعين. قال تعالى: (وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ) (الزمر 7).

وهذا يدل بوضوح على أن الله لا يريد لأحد من عباده أن يذهب إلى النار. لكنْ إنْ أرسل الجميعَ إلى الجنة؛ فسيُعامل الله موسى وفرعون وهتلر وسيدنا “عيسى” على نفس المنوال!

والإسلام يُقوِّيك في الحياة في نظرته إلى المعاناة والشرِّ والأذى والألم والمشاكل بمثابة اختبار. والاختبارات علامات على محبة الله. قال النبي “محمد”: “إذا أحبَّ الله عبدًا امتحنه”[3]. وقد أوضح الله ذلك في القرآن: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ۖ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة 214).

جمال الإسلام هو أن الله -الذي يعرفنا أكثر مما نعرف أنفسنا- قد منحنا القوة بالفعل لهذا الاختيار، ويخبرنا أن لدينا ما يلزم للتغلب على هذه التجارب. قال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) (البقرة 286).

ومع ذلك، إذا لم نتمكن من التغلب على هذه التجارب -بعد بذل قصارى جهدنا-؛ فإنَّ رحمة الله وعدله سيضمنانِ لنا التعويض بطريقة ما؛ إمَّا في هذه الحياة وإمَّا في الحياة الأبدية التي تنتظرنا.

يمكن أن يساعدنا هذا الاختبار الخاص لـ“كوفيد 19” في الوصول إلى الجنة. فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سألتُ رسول الله ﷺ عن الطاعون فأخبرني أنه:” عذاب يبعثه الله على من يشاء، وأن الله جعله رحمةً للمؤمنين، ليس من أحدٍ يقعُ الطاعونُ فيمكث في بلده صابرًا محتسبًا، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد”. رواه البخاري.

الخلاصة: صحوة دينيَّة

(وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا ۚ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) (السجدة 21 – 22).

يجب أن يخلق هذا الوباءُ العالمي صحوةً دينيَّةً للجميع. حان الوقت للعودة إلى الله. يجب أن نكون متواضعين، ونقبل آيات الله ونقر أننا نعتمد عليه كُليًّا. وكل ما واجَهْنَا يجعلنا ندرك أنَّ الحياة مؤقتة، وأنَّ هدفنا فيها هو عبادة الله. إذا كنا نثق في الخبراء الذين يُوجِّهوننا خلال هذا الوباء؛ فعلينا أن نثق في رسول الله ﷺ ونؤمن برسالته. يمكن أن يكون هذا الاختبار علامةً على الحب الإلهي؛ فإذا تحلينا بالصبر، وأيقنا أن الله سيكافئنا؛ فسنجتاز الاختبار ونكون مؤهلين لدخول الجنة؛ وهو المكان الذي لو دخل فيه أشدُّ الأشخاص مُعاناةً على وجه الأرض للحظة سينسى كلَّ معاناته. كما أخبرنا الرسول عندما سيسأل الله -عزَّ وجلَّ- عن حال عبده بعد أنْ رأى نعيم الجنة فيقول له: “كأني لمْ أعانِ قطُّ!”.[4]

والآن يعود الخيار لنا: إمَّا قبول حقيقة أنَّ الله هو الإله الوحيد الذي يستحق العبادة وأن النبي “محمدًا” ﷺ هو آخر رسُله، واجتياز الامتحان والفوز بالنعيم الأبديّ، وإمَّا رفض الحق وظلم النفس والذهاب إلى الجحيم. ما زال باب التوبة مفتوحًا للمُقبلين عليه. حان الوقت للعودة للمسار الصحيح والنجاة بأنفسنا. قال تعالى:

(مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) (الطلاق 2 – 3).

وفقكم الله، وحفظكم، ورحمكم جميعًا.

[1] يقصد الكاتب هذا الحديث: كُنَّا عِندَ رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فانكسفتِ الشمسُ، فقام إلى المسجدِ يجرُّ رداءَه منَ العَجَلةِ، فقام إليه الناسُ، فصلَّى ركعتيْنِ كما يصلون، فلمَّا انجلتْ خَطَبَنا، فقال: إنَّ الشمسَ والقمرَ آيتانِ من آياتِ اللهِ يُخوِّفُ اللهُ بهما عبادَه وإنَّهُما لا ينكسفانِ لموتِ أحدٍ ولا لحياتِه فإذا رأيتم كسوفَ أحدِهما فصلُّوا حتى ينجلي”. (المُحرِّر)

[2] منهم “مايكل هارت”، صاحب الكتاب الشهير “المائة”، الذي تُرجم تحت عنوان “الخالدون مائة أعظمهم محمد”. (المُحرِّر)

[3] جاء في الحديث: “وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم”. (المُحرِّر)

[4] يقصد الكاتب حديث: “ويؤتَى بأشدِّ المؤمنينَ ضرًّا وبلاءً، فيقالُ: اغمِسوهُ غمسةً في الجنَّةِ، فيُغمَسُ فيها غمسةً، فيقالُ لَهُ: أي فلانُ هل أصابَكَ ضرٌّ قطُّ أو بلاءٌ؟ فيقولُ: ما أصابَني قطُّ ضرٌّ ولا بلاءٌ”.

المصدر: موقع تبيان

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى