مقالاتمقالات مختارة

كهنة الأنظمة العسكرية وفتاوى تحت الطلب!

بقلم أحمد الهواس

لم تثر فتوى برهامي بتحريم مشاهدة المسلسل التركي الشهير قيامة أرطغرل الاستغراب بقدر ما أثارت السخرية!

ومردّ ذلك أنّ برهامي وحزبه هو وجه السلطة الديني من الجانب “السلفي” ولكنه ليس السلفية ككل، فالمختلفون من السلفية مع برهامي أكثر من المتفقين معه حيث أفلح النظام المصري في تصنيع هذا الفصيل قبل أربعة عقود ووضعه بمواجهة الإخوان، وبمواجهة السلفيين الذين يلتقون مع الإخوان في التغيير، وكذلك وضعه في مواجهة مع حلفاء النظام من الصوفيين إن غيّروا مواقفهم ليتحولوا إلى أصحاب شركيات وقبورين!

فقد كان برهامي وتياره ضرورة لبقاء النظام العسكري المصري في السبعينينات، حيث يتمّ من خلاله تمزيق الكتلة الإسلامية، وإيجاد طرح إسلامي جديد لا يختلف عما طرحه علي عبد الرازق في عشرينيات القرن المنصرم في أنّ الإسلام دين وليس ديناً ودنيا ولا علاقة له بالحكم، ولكن بأسلوب آخر مختلف، أسلوب يركزّ على الإسلام “طقوسًا تعبدية” وشكليات، ولا بدّ من العودة لحياة وأسلوب السلف الصالح، ولكنه لا يتعرض للسياسة بل يصبّر الناس على ظلم الحاكم!

هذا باختصار هو الدور المطلوب من برهامي شق صفّ الحركة الإسلامية بشكل عام والحركة السلفية بشكل خاص، وخلط الأوراق في الوقت المناسب، فمن تحريم الديمقراطية إلى تشكيل حزب سياسي بعد ثورة يناير “حزب النور” متحالف مع الفلول ضد الثورة أوفي أحسن أحواله مع شفيق ضد مرسي، إلى مشارك بالانقلاب ومحلل له، وما زال برهامي رجل الضرورة في كل مشهد، هذه الضرورة لا تعني أهمية الرجل، ولكنها جزءٌ من الديكور الذي يحتاجه النظام بوجود وجه ديني إسلامي، ريثما يظهر برهامي جديد بعد أن يستهلك الحالي!

لم يكن برهامي محرمًا لمسلسل أرطغرل لأنّه يمجدّ القومية التركية، ولا لأن النساء غير محجبات، ولا لأنّه يسوّق لفكر منحرف “ابن عربي” فكل ما ذكره برهامي يمكن الردّ عليه، وليس كما ذهب منتقدو برهامي أنّ نهاية كوبيك شكلت هاجسًا عند الطغاة والخونة، فحرّكوا برهامي بهذا الاتجاه، لكن الحقيقة التي لم ينتبه لها كثيرون أنّ برهامي دخل مفتياً للحرب الاقتصادية التي تشن على تركيا، ومنها مقاطعة قناة أم بي سي السعودية للأعمال الدرامية التركية! حقيقة يحاول أن يهرب منها مفتو السلاطين ومنهم برهامي ويغلّفون ذلك بانحرافات وردت بالمسلسل، ولو كان الأمر كذلك لكن أولى ببرهامي أن يحرّم مشاهدة العشق الممنوع وسنوات الضياع وحريم السلطان، وعشرات الأعمال التركية التي كانت تُسارع أم بي سي لعرضها خلال السنوات الفائتة، وهي أعمال تسوّق للرذيلة والانحلال الاجتماعي، قبل أن تبدأ الدراما التركية من خلال جهود مخلصة قام بها أفراد مخلصون وبدعم من حكومة حزب العدالة والتنمية بالعودة للتاريخ العثماني المشرق وتقدم أعمالاً مهمة كقيامة أرطغرل، والسلطان عبد الحميد وكوت العمارة وغيرها ساهمت وما زالت تساهم بتعريف المتلقي التركي والمسلم بتاريخ يُراد طمسه أو تشويهه!

ولو كانت غاية برهامي خدمة دينه، لأفتى بمقاطعة أم بي سي، فهي القناة الأولى في تخريب الأسرة العربية المسلمة، وبرامجها الأكثر جذبًا للشباب وهي برامج غايتها تمييع الجيل وجعل الغناء والطرب غايته، وبرامج المسابقات التافهة مصدر ثقافته!

غاية برهامي أن يمنع الجمهور العربي من متابعة تلك الأعمال المهمة والمؤثرة والتي دفعت ملايين المتابعين للبحث في التاريخ العثماني والتعرف على رجاله وصانعيه وبطولاتهم وجهادهم، وليس الدفاع عن الإسلام أو الأخلاق والقيم وهو الذي لم يقدّم لجمهوره تفسيراً وهو يقف مع فنانة الإغراء والعري “إلهام شاهين” وقد رفع سبابته إلى جانب سبابتها بعد انتخاب السيسي 2014! وكذلك لم يكلف نفسه يومًا أن يفتي بحرمة مشاهدة الخلاعة التي دأبت وما زالت عليها السينما المصرية، ولا أن يقدّم فتوى بضرورة مراجعة الأعمال التاريخية التي قدّمتها السينما المصرية ولا سيما أعمال المخرج القبطي يوسف شاهين وقد كانت مجالاً رحبًا للدّس والتلفيق والتشويه بحقّ الإسلام ورجاله كالناصر صلاح الدين، والمهاجر، والمصير!

صحيح أنّ مسلسل أرطغرل فيه الكثير من الحديث، سواء من خلال شخصية ابن عربي المثيرة للجدل، وإن كانت في المسلسل شخصية موجهة نحو القيم والأخلاق، وأن كاتب السيناريو أدخلها بقصد ذلك وهو يعلم يقينًا أنه لم يلتقِ يومًا بأرطغرل، وصنع أحداثًا لم يخضها أرطغرل، أو أنّ أرطغرل قاتل فرسان المعبد، أو أنّ أرطغرل قتل سعد الدين كوبيك! وإن كان من تفسير لذلك – إدخال ابن عربي في العمل – فإن كاتب السيناريو أراد التأكيد على أن سلاطين بني عثمان كانوا “صوفيين وماترديين” وقد لعب العلماء دورًا مهمًا في حياة سلاطين بني عثمان وحثهم على الجهاد سواء زمن عثمان الأول من خلال “إده بالي”، أو محمد الفاتح من خلال “آق شمس الدين” أو آخر السلاطين عبد الحميد الثاني وعلاقته بالحركات الصوفية.

ونستطيع أن نلخّص ذلك بعبارة “قيامة أرطغرل عمق في الطرح، وفوضى في التاريخ” لكنه من جانب آخر قد أعاد قيمَ الجهاد إلى الواجهة، وإلى دور الإسلام في صناعة الرجال والفاتحين، وإلى تحديد أعداء الأمة التاريخيين، وإلى أن عدو الداخل لا يقل سوءًا عن عدو الخارج، وأن الفكرة إن آمن بها أصحابها وكانوا على حق فلا بدّ أن تتحقق، وإن كانت توحيد وقيادة الأمة الإسلامية وسيادة العالم بعد انكسار، وهذا ما حققه النسل القادم من أرطغرل بعد مدة قصيرة.

(المصدر: ترك برس)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى