بقلم د. وصفي عاشور أبوزيد
الأستاذ الدكتور سيف الدين عبد الفتاح أحد رموز العمل الإسلامي، وأحد رموز الثورة المصرية التي لا يزال يجاهد من أجلها، ويقدم النصيحة، ويُسهم بفكره وكسبه وجهده ووجده، وهو عالم جليل متمكن في تخصصه؛ إذ إننا نعاني من ندرة المختصين في الفقه السياسي الإسلامي ونظريته الشرعية.
ظل د. سيف في مصر بعد الانقلاب لأكثر من عامين يعمل ضد الانقلاب، ويجاهد من أجل الحرية، ويقدم ما يمكنه في سبيل كسر الانقلاب، ولقي في سبيل ذلك ما لاقى من تضييق عليه في عيشه، وحرب في عمله حتى منع من التدريس، ثم لما حار الانقلابيون وضاقوا به ذرعا أصدروا بشأنه مذكرة (ضبط وإحضار) للقبض عليه، فآلى الرجل على نفسه ألا يكتم صوته، وأن يظل قلمه المضيء نورا ونارا: نورا يضيء السبيل للثوار، ونارا تحرق الطغاة والانقلابيين المجرمين، فأُخرِج من مصر بطريقة لا تليق بإنسان فضلا عن أستاذ جامعي مرموق له علمه وفضله وجهاده؛ ليواصل طريقه الذي اختطه لنفسه، وتفوق به على أستاذه العلامة حامد ربيع .. وبعد خروجه من مصر حاول – ولا يزال – أن يلتقي فرقاء الثورة؛ حيث آمن بالعمل المشترك، وتوسيع قاعدته ومساحته، وهذا بلا شك أحد أهم معالم ثورة يناير.
كان بوسع د. سيف أن يكون في أعلى المناصب وفي رغد من العيش وأمن وأمان لو قدم قليلا من التنازلات لولا تمسكه بمبادئه وأخلاقه وإصراره على مواصلة جهاده وتمسكه بدينه ومبادئه.
واليوم يطاله من بعض ضيقي الأفق اتهامات شنيعة، وصلت في بعض الأحيان إلى الإشارة إليه بالخيانة، وأن الانقلاب تركه دون اعتقال يغادر مصر من أجل أنه خائن!
وإذا كان هذا المعيار صحيحا فإنه يعني أن كل من لم يعتقل فهو خائن: (محمد عمارة، وحسن الشافعي، والبشري، ونادية مصطفى، وباكينام الشرقاوي ….) والقائمة تطول، كل هؤلاء خونة ومعادون للثورة وموالون للانقلاب لأن الانقلاب تركهم دون اعتقال، أو أن كل من خرج من مصر دون اعتقال فهو خائن أيضا.
د. سيف بشر يصيب ويخطئ، ويؤخذ من قوله ويترك، اختلف معه أو اتفق في ما يكتب وما يفعل، وردد ما شئت من أنه أول من ترك الرئيس (وقفز من السفينة) لكنك لو سألته وتبينت الأسباب الحقيقية لعذرت الرجل بل لصببت سخطك على من كانوا يتحكمون في المشهد؛ ولهذا وقع الانقلاب.. وقل ما شئت إنه الآن يفرط في الشرعية وعودتها، وهو كلام غير صحيح بالمرة، وافتراء عليه.
لكنك لا يمكن أبدا أن تجعله متلبسا بحالة خيانة ثورية أو وطنية، وهو الذي هاجر عمله ووطنه من أجل استكمال جهاده ضد الطواغيت، ولا يحملك على الظن به ظنا لا يليق بمثله دون أن تتثبت من مواقفه، وتتدقق فيما يُحمل من أخبار لتشويهه هنا أو هناك.
ألا ساء تصور هؤلاء، وبئست أفكارهم، أولئك الذين لا يملكون أي مقوم من مقومات كسر الانقلاب واسترداد الشرعية، الذين أغلقوا العمل على أنفسهم ولا يرون أبعد من أنوفهم، وظنوا أنهم يمتلكون صكوكا توزَّع بالأمانة على قوم، وبالخيانة على آخرين!
المصدر: الاسلام اليوم.