كشمير.. “فلسطين آسيا”!
بقلم محمد سرحان
يربط الكشميريون كثيراً بين قضيتهم والقضية الفلسطينية، حتى إن كثيراً منهم يسمون كشمير «فلسطين آسيا» نظراً للتشابه بين معاناة الشعبين، والتآمر عليهما، فإذا كانت فلسطين تعرضت للخيانة من خلال «وعد بلفور»، فإن كشمير بيعت في اتفاقية «أمريستار».
تعرضت لخيانة مماثلة لفلسطين وبيعت في اتفاقية «أمريستار» عام 1846م بين بريطانيا والمهراجا «جولاب سينغ»
فكما أن «وعد بلفور» (نوفمبر 1917م) قدم صكاً بريطانياً لإنشاء وطن لليهود في فلسطين من خلال التعهد الذي أرسله وزير الخارجية البريطاني آنذاك «آرثر جيمس بلفور» إلى اللورد «ليونيل والتر دي روتشيلد»، فإن كشمير تعرضت لخيانة مماثلة –قبل ذلك- وبيعت في اتفاقية «أمريستار»، في مارس 1846م، بين بريطانيا ممثلة في «شركة الهند الشرقية» والمهراجا «جولاب سينغ».
القصة تبدأ عندما انضم «رجا جولاب سينغ» في سن مبكرة، من جامو إلى «مهراجا رانجيت سينغ»، وحظي بمكانة عالية في إمبراطوريته، وبعد وفاة «رانجيت سينغ» عام 1839م، شهدت الإمبراطورية اقتتالاً داخلياً، لكن «جولاب سينغ» كان يبحث عن مصلحته الخاصة، فذهب للتحالف مع بريطانيا ممثلة في «شركة الهند الشرقية» للحصول على ميراث السلطة، ودعمها في حربها ضد الأفغان عام 1841م، ثم في عام 1845م وقعت الحرب بين البريطانيين و»السيخ» الذين طالبوا «جولاب سينغ» بقيادتهم ضد الإنجليز، لكنه خانهم؛ إذ أمر الجيش بعدم مهاجمة البريطانيين حتى ينضم إليهم، وخسر السيخ الحرب بسبب خيانته، وحمّلت شركة الهند الشرقية البريطانية السيخَ مسؤولية الحرب، مطالبة بتعويضات قدرها 1.5 كرور (مليون) روبية، فعرض السيخ إقليم كشمير.
وقعت اتفاقية «أمريستار» بين البريطانيين و»سينغ»، وشملت 10 مواد نصت على نقل كشمير إلى المهراجا «جولاب سينغ» مقابل دفع 75 لكه (لكه يساوي 100 ألف) للحكومة البريطانية التي تشترط موافقتها لحدوث أي تغيير في الحدود، وتحكيمها من قبل «سينغ» في أي نزاع قد ينشأ بينه وبين الدول المجاورة، مقابل انضمامه وقواته إلى جانب بريطانيا في أي معارك، على أن تساعده بريطانيا في حماية أراضيه.
تفكيك الوضع السيادي
الممارسات الهندية توجت بإلغاء الحكم الذاتي عام 2019م وقسمت الإقليم لمنطقتين تحت الحكومة الفيدرالية
وإذا كانت فلسطين تعاني من التغيير الديموغرافي والاستيطان وضم الأراضي وتدنيس مقدساتها وغيرها من الانتهاكات على يد الاحتلال الصهيوني، فإن معاناة كشمير لا تقل عن نظيرتها فلسطين، إذ بدأت الهند تفكيك الوضع السيادي لكشمير لأول مرة عام 1953م، بعد أن كان للولاية دستور خاص ورئيس وزراء، وبمرور الوقت لم تتوقف الانتهاكات الحقوقية ضد سكانها.
توجت الممارسات الهندية بإلغاء الحكم الذاتي للولاية، في أغسطس 2019م، وقسمتها إلى منطقتين تديرهما مباشرة الحكومة الفيدرالية، أعقبتها بتغييرات قانونية تسمح لغير سكان جامو وكشمير بشراء أراضٍ في الولاية، وأيضاً منح صفة «مواطن محلي» لآخرين من غير سكانها، وهو ما اعتبره الكشميريون فتح الباب أمام مساعي التغيير الديموغرافي ضد الأغلبية المسلمة التي تمثل نحو 69% من سكان الولاية.
الهند ماضية في مخططها لتفريغ «جامو وكشمير» من خصوصيتها؛ إذ عممت، في 21 يناير 2021م، مرسوماً حكومياً ينص على إرسال موظفين إلى الولاية من خارجها، وإمكانية نقل موظفيها إلى مناطق أخرى ضمن تغييرات في الإطار البيروقراطي الذي يدير الجهاز الإداري للبلاد.
ونقلت وكالة «الأناضول» عن كشميريين أن نقل الموظفين المسلمين وضباط الشرطة الكشميريين وترحيل المسؤولين المعارضين من الولاية سيفتح الباب أمام حكومة نيودلهي لمزيد من تهميش سكان الولاية.
بينما كشف موظف لـ»الأناضول» عدم وجود أي موظف مسلم كشميري في طاقم سكرتارية نائب الحاكم العام لجامو وكشمير، وهو هندوسي من ولاية أوتار براديش، شمالي الهند.
التغيير الجديد سيجعل الولاية في قبضة الموظفين المدعومين بدورهم من السلطة المركزية، في ظل تغييب المسؤولين لا سيما المعارضين من «جامو وكشمير»؛ وهو ما يعني مزيداً من تضييق الخناق على سكان الولاية ذات الأغلبية المسلمة.
(المصدر: مجلة المجتمع)