كريغ: كيف أجّجت الإمارات الإسلاموفوبيا في السويد
إعداد عادل رفيق
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
نشر موقع بوليتيكس توداي، الذي يهتم بتقديم تحليلات معمّقة للشؤون الدولية، في 9 نوفمبر 2021، مقال رأي كتبه د. أندرياس كريغ، الأستاذ المشارك في الدراسات الأمنية في كينجز كوليدج بلندن، والزميل في معهد كينجز لدراسات الشرق الأوسط، وذلك تحت عنوان “كيف أجّجت الإمارات فكرة ’المارد الإسلامي‘ في السويد”، والذي جاء على النحو التالي:
أعلنت وكالة الطوارئ المدنية السويدية، التي تشرف عليها وزارة العدل، مؤخراً عن إنشاء وكالة للدفاع النفسي – وهو تحرك ذكي في وقت تهدد فيه عمليات التأثير التي تقوم بها قوى خارجية سلامة الخطاب الداخلي. أما ما يخص عمليات التأثير الروسية في الولايات المتحدة وأوروبا فهي موثقة بشكل جيد. ولكن عند إلقاء نظرة فاحصة على هذه الخطوة الهامة، فإننا نكتشف أن الوكالة السويدية الجديدة هي، وللمفارقة الشديدة، مرتبطة بالفعل ارتباطاً وثيقاً بشبكة معلومات لها علاقات قوية مع طرف أجنبي آخر: وهو دولة الإمارات العربية المتحدة.
وبينما تُصنَّف روسيا كقوة معادية في معظم الدول الغربية، فإنه غالباً ما يتم استبعاد الإمارات وعمليات التأثير الواسعة التي تقوم بها في العواصم الغربية من هذا التصنيف، حيث يتم اعتبارها مجرد أنشطة دبلوماسية عامة يقوم بها شريك خليجي. ومع ذلك، فعلى الرغم من أن عمليات التأثير التي تقوم بها أبو ظبي كانت قد بدأت قبل خمسة عشر عاماً في واشنطن، باعتبارها أنشطة دبلوماسية عامة وحميدة، فإنه تتوفر الآن أدلة متزايدة، خاصة في الولايات المتحدة، تشير بوضوح إلى حقيقة أن الدولة الملكية الخليجية القبلية (الإمارات) سعت بشكل حثيث للتأثير في صنع السياسة الغربية على المستوى الأكثر استراتيجية للحكم لدى الغرب.
وحاولت أبو ظبي في أوروبا بدأب أيضاً تشكيل الخطاب العام حول الشرق الأوسط والربيع العربي والإسلام. ولدواعي مرتبطة بالخوف من المجتمع المدني في مرحلة ما بعد الربيع العربي، تم تصنيف الإسلام السياسي أمنيا في أبو ظبي كتهديد أساسي لأمن النظام. فالدائرة المقربة حول رجل الإمارات القوي محمد بن زايد مصابة بـ فوبيا متجذرة تجاه الأنشطة المجتمعية المدنية التي لا تُقرها الدولة، وتكون أسوأ عندما يتعلق الأمر بالأنشطة التي قد يتم إضفاء الشرعية عليها من خلال قوة المعتقد الديني. فقد كان المسؤولون الإماراتيون في طليعة من يميلون إلى التعامل من منظور أمني مع الإسلام السياسي وأي نشاط مجتمعي مدني مرتبط به، وتصنيفه على أنه “إرهاب”. ومن هنا، فقد أصبح “الإرهاب” بشكل متزايد وسيلة لتبرير الاستبداد محلياً، وإقليمياً، وحتى في الغرب أيضاً.
واحتضنت أبو ظبي هنا، في السويد، شبكات معلومات تتكون من قوميين يمينيين، وكارهين للإسلام، ومستشرقين، يعملون في وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية ودوائر صنع السياسات. وتم استخدام نظريات المؤامرة المتطرفة -حول الزحف المزعوم لأسلمة الغرب- من أجل الترويج لرواية الإمارات عن “الإسلام المعتدل” من وجهة نظرها – وهو خطاب يخضع تماماً لمصالح النظام الإماراتي ولا يترك مجالاً يُذكر للنشاط المجتمعي المدني.
وبدلاً من الاكتفاء باستخدام هذه الشبكات لتبرير القمع الذي تمارسه الإمارات ضد المعارضين، ورموز المعارضة، والمجتمع المدني في الداخل الإماراتي، قامت أبو ظبي باستخدامها للضغط على الحكومات في أوروبا لاتخاذ موقف أكثر صرامة ضد الإسلاميين – وعلى رأس ذلك، وقبل كل شيء، ضد جماعة الإخوان المسلمين و المنظمات غير الحكومية أو مجموعات المجتمع المدني ذات الصلة المزعومة بها. وقد أسفرت حملات التأثير هذه في بريطانيا عن محاولة قسرية من جانب أبو ظبي وشبكاتها للضغط على حكومة رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون عام 2015 للتحقيق في إمكانية تصنيف جماعة الإخوان المسلمين على أنها منظمة إرهابية.
وتشير التطورات الواقعة في السويد منذ عام 2017 إلى أن الإمارات قد سلكت في السويد طريقاً مشابهاً لما فعلته في بريطانيا، ونجحت في تغيير الخطاب بشأن جماعة الإخوان المسلمين بشكل أساسي في البلاد، مما أدى إلى قيام المؤسسات الحكومية بوصم وتأطير المنظمات الإسلامية والمنظمات غير الحكومية، وبالتالي تعطيل قدرتها على المشاركة بنشاط في المجتمع المدني. وعلى الرغم من فشل أبو ظبي في وضع الإسلاميين في السويد على قائمة الإرهاب الحكومية، فإن وتأطيرهم ونزع الشرعية عنهم في الخطاب العام بالسويد كانت الوسيلة البديلة التي اعتمدتها أبوظبي لتقويض حريتهم في الحركة.
والأمر الأكثر تناقضاً، هو أن الرواية الإماراتية المعادية للإسلاميين في السويد يتم الترويج لها من قبل وكالة الطوارئ المدنية السويدية، والتي يبدو أنه قد تم تخريبها من قبل خبراء ومستشارين جاؤوا من داخل الشبكة التي تحتضنها الإمارات في السويد.
لقد بدأ كل شيء بتقرير عن جماعة الإخوان المسلمين أُعدّ بتكليف من الوكالة السويدية للطوارئ المدنية في عام 2017، وكتبه ماغنوس نوريل، الباحث في معهد واشنطن والمستشار السياسي في المؤسسة الأوروبية للديمقراطية في بروكسل، وآجي كارلبوم، الأستاذ المشارك في الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة مالمو، وهما ضمن من جندتهم الإمارات للترويج لروايتها الخاصة حول الإسلام السياسي بالسويد. ويُبرز التقرير بشكل واضح الرواية الإماراتية حول “نظرية الحزام الناقل ” – وهي أسطورة تم دحضها، حيث توحي بأن جماعة الإخوان المسلمين تعمل كـ “مدخل” للاستدراج إلى تبني النزعة الجهادية. وتلت هذا التقرير قائمة طويلة من المؤتمرات والمحادثات والأحداث التي وفرت منصة لمجموعة من الباحثين المتشابهين في طريقة التفكير للترويج لروايات معادية للإسلاميين اعتمدت على بحث أكاديمي تحيطه الشكوك من الأساس.
تم إعداد الكثير من هذا البحث (التقرير عن الإخوان) من قبل مركز دراسات التهديد غير المتكافئ والإرهاب، والذي تموله وكالة الطوارئ المدنية السويدية، حيث تم تأسيس المركز كوسيلة لفصل نتائج البحث عن الوكالة السويدية الحكومية. وبهذه الطريقة، يمكن لمركز دراسات التهديد غير المتكافئ والإرهاب أن يعمل بسهولة كأكبر كحاضنة للأبحاث المثيرة للجدل والنقاش حول التعاضد الأيديولوجي المناهض للإسلام، والتي لا يمكنها الصمود أمام قواعد تحكيم الأبحاث أو التحقيق النقدي. ويقف في الصدارة من أنشطة مركز دراسات التهديد غير المتكافئ والإرهاب، ماغنوس رانستورب، رئيس الأبحاث بالمركز، والذي تحول بين عشية وضحاها عام 2017 إلى خبير في شأن جماعة الإخوان المسلمين – وبشكل مثير للريبة، أصبح في نفس الوقت مستشاراً لمركز الهداية الإماراتي الممول من الدولة، وهي أداة القوة الناعمة الأساسية لدولة الإمارات، وذلك لتعزيز أجندتها المناهضة للإسلاميين على مستوى العالم.
لقد أصبح ماغنوس رانستورب، وهو الكاتب السويدي الأبرز ضمن من جنّدتهم الإمارات لترويج روايتها عن الإخوان المسلمين وحركة حماس وغيرهما من الحركات الإسلامية، حجر الزاوية في شبكة نفوذ دولة الإمارات العربية المتحدة في السويد، والتي ترعى شبكة كبيرة من الباحثين الذين أصبحوا يرتبطون جميعاً، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بأبو ظبي، ويروجون لرواية الإمارات المخلّة والمعادية للإسلام. ومن بين الكُتّاب العديدين الذين قام مركز دراسات التهديد غير المتكافئ والإرهاب وكذلك الوكالة السويدية للطوارئ المدنية، بالترويج لتقاريرهم هو لورنزو فيدينو، الباحث المقيم في واشنطن والذي يروج لنظريات المؤامرة التي يتبناها اليمين حول جماعة الإخوان المسلمين؛ والذي ليس من قبيل الصدفة أبداً أن تكون علاقات فيدينو وثيقة للغاية مع يوسف العتيبة، السفير الإماراتي الأشهر في واشنطن ومهندس شبكة النفوذ الإماراتية داخل الولايات المتحدة.
أما سارة برزوسكيويتش، وهي عضو آخر في شبكة رانستورب، وكذلك رئيسة تحرير منصة ترعاها الإمارات العربية المتحدة في السويد باسم “عين أوروبية على التطرف”، فقد تمت دعوتها للتحدث أثناء إطلاق التقرير الثاني للوكالة السويدية للطوارئ المدنية عن جماعة الإخوان المسلمين في عام 2018. وقد استخدم أعضاء الشبكة التي يترأسها رانستورب لحساب الإمارات، منصة “عين أوروبية على التطرف” بشكل متكرر لتضخيم الروايات المعادية للإخوان المسلمين، حيث تضمنت مقالات لماغنوس نوريل الذي كتب أول تقرير لوكالة الطوارئ المدنية السويدية عن جماعة الإخوان المسلمين.
ويُعتبر سامح إيجيبتسون أيضاً جزءاً من شبكة الطوارئ المدنية السويدية، وقد ألف كتاباً عن جماعة الإخوان المسلمين في السويد، نشرته له عام 2018 دار المعارف، وهي دار نشر تمولها أبو ظبي.
لا تزال وكالة الدفاع النفسي التي تم إنشاؤها حديثاً – والتي يديرها بالفعل هنريك لاندرهولم، السفير السويدي السابق في أبو ظبي – لا تزال مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بوكالة الطوارئ المدنية السويدية، التي لا يزال موقعها الإلكتروني يعرض مجموعة من المنشورات التي كتبها أفراد شبكة رانستورب، بما في ذلك تقرير نوريل المثير للجدل حول جماعة الإخوان المسلمين. ومن الغريب أن نفس المنظمة الحكومية التي تتعهد بحماية القيم الليبرالية لحرية التعبير، تستخدم “البعبع الإسلامي” على الرواية الإماراتية لتبرير التضييق على المجتمع المدني المسلم.
وبدلاً من التحذير من عمليات التأثير الإماراتي التي تخرّب الخطاب الداخلي المنفتح في السويد، يبدو أن الوكالة الجديدة منشغلة تماماً بالدفاع عن المجتمع السويدي من مجرد فزّاعة وهمية استوردتها من نظام استبدادي في الخليج. وبدلاً من مواجهة التطرف بشكل فعلي، تساهم النظرية الوهمية التي تغذي الإسلاموفوبيا المتطرفة – عن موجات الأسلمة الزاحفة إلى الغرب – تساهم في عزل المسلمين وتدمير فرص اندماجهم في المجتمع السويدي.
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
المصدر: المعهد المصري للدراسات