كتاب جديد للجزيرة للدراسات يبحث أثر صعود التيار الديني على الرأي العام الإسرائيلي
صدر عن مركز الجزيرة للدراسات يوم الثلاثاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020 كتاب جديد، بصيغة رقمية، بعنوان “النخبة الإسرائيلية الجديدة.. دراسة في أثر صعود التيار الديني على مراكز صنع القرار”، لمؤلفه الباحث الأكاديمي الفلسطيني، الخبير بالشأن الإسرائيلي، صالح النعامي.
يرصد الكتاب التحولات في موازين القوة داخل النخبة الإسرائيلية في الفترة الممتدة بين عام 1977 -وهو العام الذي صعد فيه تحالف اليمين العلماني واليمين الديني للحكم لأول مرة- وحتى العام 2018، ويُعنى بشكل خاص بتسليط الضوء على التغيّر في مكانة التيار الديني القومي ومستوى تمثيل أتباعه في النخبة السياسية والعسكرية والقضائية والأكاديمية والثقافية في إسرائيل.
وترجع أهمية رصد وتحليل واستشراف تداعيات هذه التحولات لكونها تؤثر بشكل كبير على طابع النظام السياسي الإسرائيلي، وعلى رؤيته للتعامل مع قضايا الصراع العربي الإسرائيلي عمومًا، والفلسطيني الإسرائيلي خصوصا، وذلك باعتبار أن التيار الديني المتنفِّذ في مكامن صنع القرار يجاهر برفضه لقيم “الديمقراطية” و”التعددية” إذا تناقضت مع قيمه الدينية، وأنه بسبب مواقفه الأيديولوجية ورؤاه الفقهية، ومن خلال تعاظم تمثيله في النخبة السياسية والعسكرية، فإن فرص التوصل لتسوية سياسية للصراع قد تقلَّصت إلى حدٍّ كبير.
ويخلص الكتاب إلى أن زيادة تمثيل التيار الديني القومي في النخبة الدينية والإعلامية والأكاديمية والقضائية والثقافية، فضلا عن تمثيله المتزايد في النخبة السياسية والعسكرية، يزيد من قدرته على التأثير في توجهات الرأي العام الإسرائيلي، بشكل يعزز من فرص تجسيد منطلقاته الأيديولوجية من الصراع وتصوراته إزاء العلاقة بين الدين والدولة، وهو -بحسب المؤلف- ما يجب على صنَّاع القرار والنخب والرأي العام في العالم العربي أخذه بعين الاعتبار عند مقاربة العلاقة مع تل أبيب.
ويمكن قراءة هذا الكتاب أو تحميله من خلال بوابة “الكتاب الإلكتروني” في موقع مركز الجزيرة للدراسات من خلال هذا الرابط.
تحولات إسرائيلية
يفتتح الكتاب بمقدمة، يقول فيها المؤلف إن إسرائيل تخوض صراعا ضد العالم العربي منذ أكثر من 7 عقود، مما أدى إلى تحولات جيوسياسية أثرت على بيئة العالم العربي الداخلية وشبكة علاقات دوله الإقليمية والدولية.
ويسعى الكتاب، في ضوء مركزية هذا الصراع، لدراسة التأثير على المصالح العربية في كل المستويات، معتبرا أن التحولات التي تؤثر على عملية صنع القرار في إسرائيل واتجاهتها تكتسب أهمية كبيرة.
ويتناول الكتاب التحولات التي يفترض أنها تترك آثارا كبيرة على اتجاهات النخبة وتوجهات المجتمع وعملية صنع القرار في إسرائيل وتحديدا ما يتعلق بالعالم العربي والقضية الفلسطينية.
ويقول النعامي إن دراسة النخبة الإسرائيلية لا تكتسب أهميتها فقط من قلة تعرض مراكز الفكر والباحثين العرب لهذه القضية، بل أيضا لأن الكثير من التمظهرات التي تعكس التحول على واقع النخبة في إسرائيل، وبخلاف ما هو عليه الأمر في كثير من دول العالم، يتم كنتاج مبادرة تيارات أيديولوجية لمحاولة مراكمة النفوذ بما يتجاوز ثقلها الديمغرافي ووزنها السياسي، من خلال ابتداع آليات عمل واضحة تهدف إلى التسلل إلى مواطن النفوذ والسيطرة عليها والتأثير من خلالها على الدولة والمجتمع.
ويتابع “حتى مطلع ثمانينيات القرن الماضي، كان العلمانيون من أصول غربية هم الذين يهيمنون على النخب السياسية والعسكرية والإعلامية والقضائية والأكاديمية في إسرائيل”، ويردف “منذ ذلك الوقت حدث تحولان رئيسيان على اتجاهات تشكل النخبة في إسرائيل، تمثلا في صعود أتباع التيار الديني القومي، واليهود من أصول شرقية، وحيازتهما الكثير من مواطن التأثير والنفوذ في الدولة والمجتمع”.
وعنيت الدراسة بشكل خاص بتسليط الضوء على التحول في مكانة التيار الديني القومي، ومستوى تمثيل أتباعه في النخب المختلفة، وركزت على تمثيل التيار الديني الحريدي والشرقيين في النخبة السياسية فقط، وذلك لأن التحول في تمثيل أتباع ذلك التيار داخل النخبة الإسرائيلية كان نتاج مبادرة لدواع أيديولوجية أقدمت عليها قيادته ومرجعياته الدينية لاختراق مواطن النفوذ والتأثير بشكل يفوق الثقل الحقيقي له.
وفي المقابل فإن التحول في مكانة الشرقيين وزيادة تأثيرهم في النخبة السياسية لم يكن نتاج تحرك لدواع أيديولوجية، بل كان أحد تداعيات انتقال اليمين للحكم حيث عمد حديثا لتطعيم قوائمه الانتخابية وكتله البرلمانية وممثليه في الحكومات المتعاقبة بقيادات شرقية، إلى جانب أن نسبة تمثيل الشرقيين في النخب السياسية لا يتجاوز تمثيلهم الديمغرافي في المجتمع.
وبعد أكثر من 7 عقود على وصولهم إلى فلسطين ونتيجة الزواج المختلط مع الغربيين، يعتبر الكاتب أنه يصعب حاليا تتبع تمثيل الشرقيين في مركبات النخب المختلفة باستثناء النخبة السياسية، لكون الساسة من أصول شرقية يجاهرون بانتمائهم العرقي.
وبسبب طابع أطروحاته الأيديولوجية ومواقفه السياسية ورؤاه الفقهية من الصراع مع العالم العربي، فإن التعرف على مظاهر وتداعيات تعاظم تمثيل التيار الديني القومي في النخبة السياسية يكتسب أهمية كبيرة، لأنه يسمح ببناء تصورات إزاء مستقبل سياسات إسرائيل الإقليمية والخارجية وتحديدا في كل ما يتعلق بعلاقتها مع العالم العربي.
وعلى الرغم من التطابق في المواقف الأيديولوجية بين التيار الديني القومي والتيار الديني الحريدي، فإن التوجهات الانعزالية للأخير جعلته يركز فقط على التسلل إلى النخبة السياسية من خلال تمثيله في الحكومة والبرلمان لضمان مصالحه، بحسب المؤلف.