كتاب “المستشرقون ومصادر التشريع الإسلامي”
اسم الكتاب: كتاب المستشرقون ومصادر التشريع الإسلامي
اسم المؤلف: د. محمد جبر الألفي
عموميات عن الاستشراق:
1- مفهوم الاستشراق:
يمكن تحديد مفهوم الاستشراق بالبحث والدرس والتنقيب عن الحضارات الإنسانية التي قامت في الشرقين الأقصى والأدنى، ومدى تأثُّرِها بغيرها، أو تأثيرها في غيرها من الحضارات الأخرى.
فالدراسات الشرقية إذًا تشمل: الأديان والفنون والآداب والعلوم، في لغاتها الأصلية؛ كالكلدانية، والآشورية، والآرامية، والسريانية، والعبرية، والعربية، والحبشية، والأرمنية، والفارسية، والتركية، وسائر لغات الشرق الأقصى.
والمستشرقون هم الأساتذة والعلماء والباحثون الذين تخصصوا في الدراسات الشرقية، وأكثرهم من أوروبا الشرقية والغربية، ومن الولايات المتحدة الأمريكية.
هل يدخل التبشير تحت مفهوم الاستشراق؟
إن الملاحظة الدقيقة المتفحصة تُثبِتُ أن هناك فارقًا بين الاستشراق والتبشير، فبينما يأخذ الأولُ طابعَ البحث العلمي الأكاديمي عن طريق الكتاب والمقال في المجلات العلمية، والتدريس في الجامعة، والمناقشة في المؤتمرات العلمية العامة، نجد دعوة التبشير تقوم على كواهل رجال الدين، وتدور في حدود مظاهر العقلية العامة، وهي العقلية الشعبية، وذلك عن طريق التعليم في المدرسة، والتطبيب في المستشفى، والعمل الخيري في الملاجئ والجمعيات، ومع ذلك فإن كثيرًا من المبشرين قد اشتغل بالبحث والدرس في مجال الحضارات الشرقية، مما يجعلنا نعدُّهم من المستشرقين – بالمعنى الواسع لهذا المفهوم.
2- نشأة الاستشراق:
“يرجع تاريخ الاستشراق في بعض البلدان الأوروبية إلى القرن الثالثَ عشرَ الميلادي، وربما كانت هناك محاولات فردية قبل ذلك، غير أن المصادر التي بين أيدينا لا تُلقي الضوء الكافي على الموضوع، وإن أشارت إلى بعض المستشرقين كأفراد، ويكاد المؤرِّخون يُجمِعون على أن الاستشراق انتشر في أوروبا بصفة جدية بعد فترة (عهد الإصلاح الديني) كما يشهد بذلك التاريخ في هولندة والدنمارك وغيرهما”.
بدأ الاستشراق أكثر ما يكون تنظيمًا وانتشارًا واستمرارًا بالفاتيكان؛ لأن رجال الدين كانوا يؤلفون الطبقة المتعلمة في أوروبا إبَّان عهد الإصلاح الديني، وكانوا بحاجة إلى التعمق في الدراسة العبرانية والعربية وغيرهما من الثقافات الشرقية، التي تمثل مهدَ الحضارة الإنسانية؛ وذلك لإعادة النظر في شرح كتبهم الدينية، ولمحاولة تفهُّمِها على أساس التطورات الجديدة التي تمخَّضتْ عنها حركة الإصلاح.
وبمضي الزمن زاحَمَ رجالَ الدين مفكرون أحرار، دخلوا ميدان البحث والدرس والمعرفة، فدفعوا بالاستشراق دفعة قوية، واستحدثت المذاهب المتنوعة في العلوم والفنون والآداب، وخرجت الهيئات العلمية على سيطرة الكنيسة، “فأقر لويس الحادي عشر ملك فرنسا تدريس أرسطو بشرح ابن رشد في جامعة باريس، على الرغم من تحريم الفاتيكان إيَّاها بقرارات متواترة”.
ثم قامت الثورة الفرنسية وشعارها: “اشنقوا آخر ملِك بأمعاء آخر قسِّيس”، فوضعت بذلك نهاية لتسلط رجال الدين على التفكير العام، وظهرت أفكار علمية حرة، وبدأت العقلية الغربية تضع معايير وقواعد للبحث العلمي، لتطبيقها على الدراسات المختلفة، لا فرق بين دراسات دينية، أو تاريخية، أو فلسفية، أو تطبيقية.
وهكذا تضاءل عدد المستشرقين من رجال الدين، إلى جانب الحشد الهائل من المستشرقين العلمانيين.
3- أهداف الاستشراق:
الهدف الرئيس للاستشراق هو الكشف عن الحضارات الشرقية، ودراستها بمنهج علمي، ونشرها في الشرق وفي الغرب بلغاتها الأصلية، أو ترجمتها إلى شتى اللغات؛ ليَسهُل فهمُها، وتعمَّ فائدتها.
ومع ذلك كانت هناك أهداف أخرى تختلف باختلاف الزمان والمكان، والدوافع التي تكمن وراء بعض أنواع الاستشراق، يحرِّكها أفراد أو جماعات، أو حكومات ودول.
وسنحاول حصر بعض أهداف الاستشراق من الكشف عن الحضارة الإسلامية ودراستها ونشرها.
والبحث موجود على موقع شبكة “الألوكة نت”.