كأس العالم بين مفاسد متحققة ومصالح متوقعة
بقلم د. محمد يسري إبراهيم (خاص بالمنتدى)
الحمد لله وحده، وصلى الله على من لا نبي بعده، وبعد
فحين تتزاحم المصالح والمفاسد في شأن مباح كالرياضة مثلا تظهر بوضوح الشخصيات أحادية التفكير، شديدة المبالغة، ظاهرة السطحية والطرفية والاندفاع!
ويبلغ الأسف مداه حين يكون من يتكلم في هذا الشأن المختلط متحدثاً بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم!
فالأول يراه فتحاً مبيناً ونصراً عظيماً، ومصالح خالصة ومقاصد ناجزة، وشأناً جادا!
والآخر يراه خسرانًا مبيناً، وانحرافاً عظيمًا، ومفاسد خالصة، وهزلاً ووبالاً في الدين والدنيا!
ثم ينكر الأول على الآخر، والآخر على الأول، ويتراشق الجميع بالتهم والمناكر!
وتنقلب المسألة إلى معركة بين الدعاة وطلبة العلم، ثم تدخل فيها اعتبارات متعددة لا شأن لها بالمسألة أصلا!
يحدث هذا بينما أهل ذلك الشأن الرياضي لا استفادة لهم من المنشغلين بأنفسهم جرحاً وقدحاً، وتوبيخاً وتبكيتاً!
ولو أن أهل العلم والدعوة أحسنوا التأصيل لمثل هذه القضايا وبيَّنوا ما قد يكتنفها من مصالح وأمروا برعايتها، وما فيها من مفاسد ونهوا عنها-لكان خيرا للأمة وأشد تثبيتا لها في مصالح دنياها وأخراها.
إن هذا الشأن الرياضي العالمي لا قدرة ولا اختيار لأي من المختلفين في إيجاده أو رفعه حتى يقال إن درء المفاسد مقدَّم على جلب المنافع!
فلم يبق إلا النظر في مصالحه تكثيراً وجمعا، والنظر في مفاسده ومضاره نهياً وتقليلاً ورفعا، على أنه قد يوجد موقف آخر لا مناص من احترامه، وهو اعتزال المشهد برمته، والكف عن الدخول في جملته.
ومنذ قرون تطاولت لم تعد هناك مصالح خالصة ولا مفاسد خالصة في مثل هذه الشئون،
وقد قال العز بن عبدالسلام: “واعلم ان المصالح الخالصة عزيزة الوجود..”
وقال أيضا: “المصالح المحضة قليلة، وكذلك المفاسد المحضة، والاكثر منها اشتمل على المصالح والمفاسد” القواعد الكبرى
وبمثل هذا قال القرافي وابن تيمية وغيرهم.
فليربع الفريقان على نفسيهما وليتئدا في كلامهما، ولا يتعاميا عن مصالح واقعة، ومفاسد متحققة ولا بد!
وليزنوا الأمور بميزان الموازنة بين طرفي الخير والمصلحة والشر والمفسدة، ثم ليوضع هذا الأمر بموازناته في مصاف الأمور الاجتهادية، من حيث الجزم بصوابها، ومن حيث الإنكار على المخالف فيها. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.